Thursday, November 17, 2011

مشروع للتصالح والمصـــــــالحة الوطنية

مشروع للتصالح والمصـــــــالحة الوطنية 
تعالوا نتصالح .. لخدمة الوطن

د. محمد عبد الرحمن بالروين
بداية لعلنا نتفق بأن المسئولية الاساسية والواجب الوطني يُحتم علي الجميع - بعد إنتصار ثورة شعبنا المباركة - أن نتحرك نحو تحقيق التصالح والمصالحة بين كل ابناء شعبنا الا من آبى. وذلك لإسباب عديدة لعل من أهمها إن بناء أي دولة حديتة وعصرية يتطلب - بالدرجة الاولي - تحقيق مُصالحة وطنية لمعالجة الاحتقانات المجتمعية ولإنها أحد الركائز الضرورية لقيام العملية المؤسساتية في دولتنا الدستورية الفادمة. ولكى نحقق هذا الهدف السامي - في إعتقادي المتواضع - لابد من التسليم بان التصالح مع الآخرين يتطلب اولا وقبل كل شيء التصالح مع النفس وذلك بتصالح الانسان مع ذاته. فالانسان الغير مُتصالح مع نفسه من باب أولي لن يكون قادرا علي التصالح مع الآخرين. هذا ببساطة يعني أن تكون أقواله وسلوكياته وأفعاله مُنسجمة ومُتناسقة مع رؤيته الفكرية والمستقبلية للأمور. وبمعني آخر يجب الا يكون الانسان متناقضا في مواقفه ولا ان يعتدي علي القيم والثوابت والمبادئ الانسانية السمحاء التى  يؤمن بها مجتمعه ويقدسها شعبه. ولكي يتحقق كل هذا لابذ علي الانسان ان يسعي -  بالإضافة للتصالح مع نفسه - الي التصالح مع غيره لكي تتحقق بذلك ما يمكن ان نطلق عليه بالمصالحة الوطنية.
معني المصالحة    
المصالحة هنا تعني العملية المنهجية التى تتبناها دولة ما لتحقيق حالة التوافق بين المتخاصمين والسعي للوصول للمصلحة المشتركة بينهم. بمعني آخر هي عملية التوسط بين المتخاصمين لحل المشاكل والاختلاف عن طريق التراضي والمسالمة تجنبالحدوث الصراع والبغضاء والتشاحن بينهم. والحقيقة ان المصالحة هنا لا تعني بالضروري محاولة إعادة الاشياء الى ما انت عليه وانما محاولة إيجاد الحل الوسط والتعامل مع المشاكل والنزاعات بالأساليب  السلمية وقبول الأمر الواقع وإصلاح ما يمكن إصلاحه. وفي أعتقادي المتواضع انه لايمكن لأي دولة حديتة أن تشق طريقها نحو التقدم والرخاء بدون تحقيق المصالحة الوطنية بين مواطنيها. وإنطلاقا من هذه القناعة فاننى أدعو الي ضرورة تشكيل لجنة وطنية عليا لتحقيق التصالح والمصالحة   بين كل أفراد المجتمع وبكل ابعادها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية. وعلينا جميعا ان نعي بانه لاخيار سلمي وحضاري لنا في هذه الظروف التاريخية الحرجة غير تحقيق التصالح والمصالحة بين كل الفرقاء أذا كنا فعلا نريد الخير لوطننا  الحبيب ونسعي لأن تكون دولتنا الدستورية الثانية دولة عصرية حضارية متقدمة.
غرض المصالحة 
لعل من أهم أغراض التصالح والمصالحة المنشودة في وطننا الحبيب ليبيا هو تحقيق - علي الاقل - الآتي:  
1. تسوية النزاعات بالطرق الودية وبأقل التكاليف.                                                                  
2. تقديم التعويضات الملائمة للمواطنين الذين عانوا من إصابة أوأذى أوضرر نتيجة لحكم القدافي.        
3. ترجيع الممتلكات والعقارات - التى ثم تاميمها خلال حكم القدافي - الي مُلاكها الاصليين. 
4. إتاحة الفرصة لكل من أجرم في حق الشعب للإعتدار وطلب العفو من شعبنا الكريم.
5. التبشير والتأكيد علي ثقافة العفو والصفح عند المقدرة وتنمية روح الإخاء والتعاون بين المواطنين لتحقيق الصالح العام.  
6. ترسيخ ثقافة السلام والأمن والبناء والاستقرار ونبذ ثقافة التخويف والتمزق والاقصاء والهدم. 
7. السعي لحقن دماء المتنازعين وصيانة أعراضهم وحفظ مُمتلكاتهم وأموالهم.
شروط  المصالحة
أن تسوية النزاعات عن طريق التصالح والمصالحة يتطلب بالدرجة الاولي توافر شروط عديدة وعناصر واضحة ومحددة حتى تكتمل مقومات المصالحة الاجتماعية والقانونية ، ولعل من أهم هذه الشروط الآتي: 
1. اتفاق الأطراف المتنازعة على إختيار طريق المصالحة والرضاء بنتائجها.
2. اللجوء إلى اللجنة الوطنية العليا وقبول الاطراف المتنازعة بها كوسيط. 
3. إستعداد الاطراف المتنازعة العلني وقبولهم بما يلزم من تنازلات وتضحيات للتحقيق المصالحة. 
4. إعتبار قرار اللجنة الوطنية العليا بعد التوافق عليه من طرف المتنازعين حلا نهائيا للاشكال وله من القوة ما يجعله سندا قانونيا.
آليات تحقيق المصالحة  
لعل من أهم الآليات التي تتطلبها المصالحة الوطنية في هذا الشأن الآتي:           
1. اللجنة الوطنية العليا - وهي ألآلية الرئيسية للتسامح والتصالح وتُعرف بلجنة المصالحة الوطنية العليا. وهي 
لجنة مستقلة لها كل السلطات التى تحتاجها وبعيدة كل البعد عن سلطات الدولة والتكتلات الحزبية والتيارات السياسية. 
بمعني يجب ان تكون اللجنة قادرة علي ان تؤدي مهامها باستقلالية كاملة  ودون توجيه أوتدخل من أي شخص أوسلطة في الدولة. 
2. أعضاء اللجنة - يثم تعيين أعضاء اللجنة - من قِبل البرلمان - علي أساس الكفاءة والنزاهة والمقدرة على إنجاز أهداف اللجنة.

3. لجان فرعية متخصصة - بمعني يحق للجنة الوطنية العليا ان تقوم - لمساعدتها -  بتشكل لجان فرعية متخصصة (إما من أعضاءها أومن غيرهم) للقيام بمهام تحددها اللجنة. ولعل من أهم هذه اللجان: 
(أ) لجنة ترجيع الممتلكات لإهلها الأصليين. 
(ب) لجنة تعويض المتضررين من الحكم السابق. 
(ج) لجنة إمكانية العفو علي المجرمين السياسيين. 
(د) لجنة ترجيع أموال الشعب من أصحاب الحقائب الإسثتمارية.
(ه) لجنة العقلاء والاعيان للتآخي والتصالح والوحدة - وهي عبارة عن لجنة إجتماعية من
عقلاء وأعيان الوطن مهمتها الرئيسية الاتصال بكل الخيّرين في كل المدن والمناطق والقبائل
والتشاور معهم في كيفية حل مشاكلنا الإجتماعية والسياسية والعمل معا لتحقيق
ذلك.                                                                                              
سلطات اللجنة  
كما ذكرت أعلاه أن لهذه اللجنة صلاحيات وسلطات عديدة لعل من أهمها:  
1. حق الإطلاع - بمعني يحق للجنة الاطلاع على أية معلومات أووثائق أوسجلات لها علاقة بأداء مهامها.  
2. حق الزيارة - بمعني يحق للجنة زيارة أية مؤسسة أومكان لإجراء تحقيقاتها. 
3. حق الإستجواب - بمعني يحق للجنة إستجواب أي شخصن مهما كان منصبه وطالما له علاقة بالأمر موضع التحقيق. 
4. حق عقد الجلسات - بمعني يحق للجنة عقد جلسات إستماع علنية ومفتوحة للجمهور علي ان يسمح    
     للشخص ذي الصلة أن يقدم طلباً للجنة بعقد الجلسات خلف أبواب مغلقة،  
5. حق العفو علي مرتكبي بعض الجرائم في حق الشعب - بمعني يحق للجنة إصدار عفو علي من يستحقه. وهذا العفو لا يمكن تحقيقه إلا بعد توفر الشروط التالية: 
(أ) أن يعترف المتهم أمام اللجنة بكل الحقيقة ولايخفي منها شيئاً. 
(ب) أن يكون المتهم قد اقترف الجرم بناء على أوامر أتت إليه من رؤسائه. 
(ج) أنه اعتقد بتنفيد هذه الآوامر يقدم خدمة للوطن.

وهنا لابد من التأكيد بأن توفر هذه الشروط لايعني بالضرورة إتخاذ القرار بالعفو بل يعني وجوب نظر اللجنة في مدى إستحقاق الماثل أمامها لهذا العفوعن جريمته. وإن اللجنة لم تكن بصدد محاكمة الأشخاص وإنما العفو (أوعدمه) عن الجرائم فقط، فالمجرم يبقى مجرماً ولكنه لا يُلاحق قانونياً إذا حصل على العفو عن جريمته، وهذا هو ما يمكن تعريفه بــــــ "مبدأ العفو العام."
عقبات أمام المصالحة   

الحقيقة إن هناك الكثير من العقبات التى قد تقف في وجه التصالح والمصالحة الوطنية لعل من أهمها ما يلي: 
1. تسيس مشروع المصالحة - بإختصار شديد يجب ان تكون هذه المصالحة مصالحة وطنية شاملة ولايجب
    ان يكون لها أجندات سياسية. وعليه فعلي كل الأجندات والمشاريع السياسية ان تتفق - علي الأقل - علي
     مبدأ المصالحة وأهدافها. بمعني آخر لابد من تحويل مبدأ المصالحة الوطنية من قضية سياسية تهم القوي
     والنخب السياسية والثقافية في الدولة الي هدف شعبي ومجتمعي يهم كل قطاعات شعبنا. ولعل خير مثال
     علي ما أقول هو تجربتي جنوب أفريقيا والعراق. فالسبب الرئيسي لنجاح مشروع المصالحة في جنوب
     أفريقيا هو بإختصار - إنها لم تُسيس , بينما يمكن ان نفول بان السبب الاساسي لفشل عملية المصالحة
     الوطنية في العراق هو إنها سُيست وثم تحويلها الي مؤسسة من مؤسسات الدولة ونجسد ذلك بإنشاء 
     ما عُرف بــــ "وزارو الدولة لشؤون المصالحة الوطنية."        
2. وجود نوع من التشدد في بعض شرائح المجتمع فيما يتعلق ببعض الجرائم وإصرارهم علي مُقاضات
   كل الجناة قد يعيق عملية التصالح والمصالحة. وإن حجم الضحايا والجرائم التى إرتكبها القدافي وأعوانه
    قد يدفع ببعض الجهات ذات المصلحة في عدم فتح تلك الملفات أن تتشدد وتتخوف من المصالحة.                                                                                           
الخاتمة            
لعله من المناسب أن أختم هذا المشروع بالتأكيد علي مجموعة من النقاط علي:                      
(أ) دعوة للتسامح بمعني إن المصالحة الوطنية هي من جهة دعوة لتصالح المواطن مع ذاته ودعوته 
    للتسامح والتواصل والتفاهم مع الآخرين من جهة ثانية. وأذا تحقق ذلك سيقود بإذن الله عز وجل الي
     تصالح كل شعبنا مع نفسه وتوحيد كلمته وتقويته وتقدمه.
(ب) مصالحة حقيقية بمعني لابد من وجود مصالحة وطنية حقيقية. ولكي يتحقق ذلك لابد من وجود
       نية صادقة تهدف لرفع المعاناة والمشاركة في ألآم المظلومين خلال حكم القدافي  محاولة ترجيع ما يمكن
       ترجيعه من حقوقهم. 
(ج) الخيار الوحيد - بمعني لابد من الاعتراف بأنه بالرغم من حجم العوائق الكثيرة في وجه المصالحة
        الوطنية فإنها تظل الخيار الوحيد المأمون والمأمول لإخراج دولتنا من أزمتها والدفع بها قُدما إلى الأمام  
       في اتجاه الإصلاح والتقدم. وأنا علي يقين بأن المصالحة ستكون لها تأثيرات إيجابية تؤدي – بإذن الله -  
       الي حلول وسط  تُرضي الجميع أذا قامت علي أساس المساءلة والإنصاف.
(د) أقل التكاليف وأخف الضرر - ختاما يمكن ان نخلص الي القول بان فكرة التصالح والمصالحة الوطنية
     تهدف بالدرجة الاولي الي تحقيق اقل الضرر في التعامل مع المشاكل العالقة التى تواجه دولتنا الجديدة 
      ولابد ان تكون خيارنا الاستراتيجي في هذه المرحلة الحرجة بالذات . وانا لا أري اي خيار عملي آخر
      بديل عن ذلك. وهنا لابد من التأكيد مرة ثانية علي ان الهدف الاساسي للتصالح والمصالحة هو رأب
      الصدع بين المتنازعين والفرقاء وذلك بتحقيق العدل بين الاطراف دون تنازل الأضعف في المعادلة. 

أخوتي أخوتي إن غرضي الاساسي من تقديم هذا المشروع بالدرجة الاولي هو مشاركتكم بما أعتقد انه الصواب وحتى لا تفشل ثورة شعبنا المباركة ولا نفشل- لاسامح الله - في تأسيس دولتنا الدستورية التى نحلم بها جميعا.
ختاما بارك الله فيكم وفي جهودكم وفي جهود كل الخيّرين العاملين لنصرت ثورة شعبنا المباركة وفقنا الله وياكم لخدمة الوطن وتحقيق الخير لشعبنا الكريم.
مرة آخري يا أحباب أدعو الله ان نكون قد وفقت في المساهمة في خدمة وطنى الغالي ولا تنسوا إن هذا مجرد مشروع أعتقد إنه الصواب. فمن أتى بمشروع يختلف عنه إحترمناه... ومن أتى مشروع أحسن منه قبلناه.                                            

والله المســـتعــــان.
محمد عبد الرحمن بالروين                                     
                            berween@hotmail.com 
08  إكتوبر 2011
* سبق لى نشر هدا المقال في العدد الاول من صحيفة أطياف بعاصمتنا طرابلس بتاريخ 1 أكتوبر 2011

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها