Thursday, July 19, 2018

الاحـترام.. فريضة غائبة وقيمة مفقودة؟!

 الاحـترام.. فريضة غائبة وقيمة مفقودة؟!


د. محمـد بالرويـن


الحقيقة التي لا مِرا فيها أن كل الأنبياء والرسل والكتب السماوية دعت إلى احترام الإنسان للآخرين, ونهته عن إهانة أو إحتقار أو قتل من يختلف معه. وبالتالي يمكن النظر لقيمة الاحترام كإحدى القيم الحميدة, بل اعتبارها من أهم مكارم الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الإنسان. وقد أولتها الشعوب والأمم عبر التاريخ عناية واهتماما خاصا, وجاء الإسلام ليُعطي هذه القيمة الأخلاقية العظيمة مكانة أكبر وجعلها تشمل كل العلاقات الإنسانية. والسؤال يطرح نفسه هنا هو ما هي هذه القيمة العظيمة المشتركة بين أبناء البشر, والتي بدونها لا يمكن لأي أمة أن تتقدم  وتزدهر؟ وما هي أنواعها؟ وما هي متطلباتها ومُكوناتها؟


ماهية الاحترام

الاحترام لغوياً يعني شعور المرء بالتقدير والإعجاب تجاه ذاته والأخر, إما لقدراته، أو مهاراته، أو إنجازاته. فقد يكون مجرد تصرف إيجابي تجاه شخص ما, دلالة على الاهتمام الذي يبديه لذاته أو يبديه للآخرين. والاحترام نتيجة طبيعية وأيجابية لمراعاة وتقدير ظاهرة الاختلاف بين الناس, وهو أساس التعامل مع الآخرين وأهم ركائز العلاقات الإنسانية الناجحة.

باختصار شديد يمكن القول أن الاحترام هو قيمةٌ إنسانيةٌ عظيمة, وشعور إنساني رفيع, يزيد من ثقة المرء بنفسه, ويرفع من قدره ومكانته بين الآخرين, وهو شرط أساسي وضروري لنهوض بالامم وتقدمها.



أنواع الاحترام

للاحترام أنواع عديدة لعل من أهمها الآتي:



أولا: احترام الذات 

احترام الذات تعني تقدير الإنسان لنَفسه وشعوره بالكرامة والفخر والاعتزاز بـ "من هو"، وبما أنجزه أو بالوضع الذي هو فيه. بمعني آخر عدم تقليل المرء من نفسه, او إمكانياته, أو قدراته الخاصة, واعتقاده بأنه يستطيع القيام بالكثير, وعدم تسليمه للآخرين ببساطة, ولا للواقع الذي هو يعيش فيه. يقول غاندي, في هذا الشأن, مُشجعا شعبه لمقاومة المستعمر الانجليزي "لا يمكن لهم سلب احترامنا للذات، إذا لم نعطهم إياها." بمعني أن احترام المرء لذاته, وإيمانه بقدراته, هو نقطة الانطلاق لتحقيق طموحاته وأهدافه، والركيزة الاساسية لتعامله مع الآخرين. وبمعني آخر لكي يكون المرء محترما, عليه أولا وقبل كل شيء أن يحترم ذاته, وذلك لأن احترام الذات هي أهم من كل شيء, ولأنه بدون احترام المرء لذاته لا يمكن أن يكون لديه أي احترام من الآخرين. باختصار شديد "كن مُحترم تُحترم".



ثانيا: احترام الآخر

الآخر هنا يعني, وباختصار شديد, غيرك وكل ما هو ليس لك. وعليه فإن أول واجباتك لكي تُحترم, هو احترامك للآخر, وذلك لأن احترام الآخرين, واحترام مشاعرهم, ضرورة أساسية لاحترام ذاتك. واحترام الآخر هنا – بالدرجة الاولي - يعني السماع له, وعدم مقاطعته, والتعاطف معه, وعدم الاستهزاء به أو التهجم عليه, أو الاستخفاف برأيه. وبمعني احترام الآخر يعني أن تقوم بتقديّره, والاهتمام بحاجاته, وتقدير جهوده, وتفهّم طريقة تفكيره, ومُشاركته في الاحتفال بنجاحاته والإعترف بإنجازاته, ومُوساته وتشجيعه عند إخفاقاته, واختيار العبارات والجمل اللطيفة وترك الألفاظ المبتذلة, عند الحديث معه.



ومن منظور ديننا الحنيف, لقد أمرنا الإسلام باحترام الآخرين وجعل لهم حقوقاً علينا لا يجب  تجاهلها. فقد أمرنا ديننا بإحترام الآخر مهما كان- صغيرا أو كبيراً, مسلماً أو كافراً, مُحسناً أو مُسيئاً, حياً أو ميتاً. فعلي سبيل المثال لا الحصر: يقول رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم: "ليسَ منَّا من لم يرحَم صغيرَنا ويعرِفْ شرَفَ كبيرِنا" [صحيح الترمذي].


ليس هذا فحسب بل نجد ديننا يأمرنا باحترام الإنسان كإنسان مهما كان دينه أو مُعتقده, ما لم يكن معتديا ظالما أو محاربا للحق. فقد شجّع الله عز وجل المسلمين على البرّ والإحسان لغير المسلم, يقول الله تعالى في هذا الشأن: "لاَ يَنهَاكُم اللَّهُ عَن الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِن دِيَارِكُم أَن تَبَرُّوهُم وَتُقسِطُوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ." (الممتحنة, 8). وقد أمرنا ديننا ايضا بإحترام من يُسيء إلينا ما لم يعتدي! فقد احترم النبي صلي الله عليه وسلم من أساء إليه: "أخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: كانت امرأة ترافث الرجال (أي تكلمهم كلامًا بذيئاً وكانت بذيئة, فمرت بالنبي صلي الله عليه وسلم وهو يأكل ثريداً على طربال (أي: بناءٍ عال كالمنارةِ ونحوها), فقالت: انظروا إليه يجلس كما يجلس العبد ويأكل كما يأكل العبد، فقال النبي: وأي عبد أعبد مني؟ قالت: ويأكل ولا يطعمني، قال: كلي، قالت: ناولني بيدك, فناولها، فقالت: أطعمني مما في فيك, فأعطاها فأكلت فغلبها الحياء فلم ترفث أحدًا حتى ماتت". (أبو طير , 2015).


ليس هذا فقط بل لم يكتف الإسلام باحترام الأحياء من أتباع سائر الأديان بل كان رسولنا صلي الله عليه وسلم يحترم كل "نفس" ويأمرنا بذلك. ففي صحيح البخارى بسنده عن جابر بن عبد الله قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا," وفي رواية: "كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمرّوا عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: إن النبي مرّت به جنازة فقام فقيل له انها جنازة يهودي، فقال: "أليست نفساً" (صحيح مسلم, وصحيح البخاري 1250, راجع: المنتدي العالمي للوسطية, 2017). 


مُتطلبات الاحترام

في اعتقادي المتواضع, لكي تكسب احترام الآخرين لك, لابد أن تسعي لتحقيق المتطلبات الأساسية والضرورية للاحترام, والتي لعل من أهمها الآتية:



أولا: كن جديراً

إذا أردت أن تكسب احترام الآخرين لك, فلابد أن تثبت لهم كفاءتك ومقدرتك على ما يجب القيام به أولا, وأن تكون مثالاً يحتدا به في الالتزام بالقيم التي تؤمن بها وتدعو إليها. والمقصود بالشخص الجدير هو الشخص الكفء, القادر, والعالم بما يقوم به. والمقصود بالكفاءة هنا هو مجموع القدرات والمواهب والمؤهلات العلمية والعملية التي يكتسبها شخص ما, تمكنه من تحقيق مُعدلات عالية من الأداء والانجاز. وبمعنى آخر هي قدرة الشخص على الأداء بجدارة والاستجابة للتحديات في نطاق بيئة عمله.


باختصار شديد عليك أن تتذكر دائما أن أداءك الجيد هو أحد أهم عوامل احترامك, وهذا يتطلب منك بالدرجة الأولي أن تحاسب نفسك, وأن تسعى لزرع مفهوم محاسبة الذات في نفوس الآخرين من حولك. ومن جهة أخري عليك أن تتذكر أيضا بأن لكل الناس أخطاء وهفوات, فلا تكن متذمراً من أخطاء الآخرين, بل كن واسع الأفق وحاول احتضان أخطاء الآخرين بصدرً رحب, وأن تسير معهم في الطريق الصحيح بأسلوبك الراقي والمتحضر.


ثانيا: كن فاعلاً

الشخص الفعًّال هو النافد, المُؤثر, الذي يحوًّل عمله إلى نتائج, أي يستطيع إحداث الأثر والنفع لنفسه وعلى من حوله. وبالتالي عليك أن تتذكر أن القيمة الحقيقية في النهاية تُقاس بالأفعال لا بالأقوال, وأن الأقوال وحدها لا تكفي. وتتذكر أن الأفعال هي ما يقرر ويحدد النتائج في النهاية, وأن الآخرين من حولك يراقبون أفعالك أكثر من أقوالك, وسيحترموك وفقا لذلك. وبمنظور آخر يمكن القول أن قيمة الاحترام هي مجرد أفعال صغيرة ومُتراكمة تدل عليها أقوالك وتصرفاتك وأفعالك - كالصمت، والنقاش الهادئ، وتقبل أفكار الآخرين، وعدم رفع الصوت, والاعتذار, والاعتراف بالأخطاء, وتقدير جهود الآخرين مهما كانت بسيطة وقليلة, وفعل الخير, وغيرها. وعليه لكي تكون فاعلا عليك ان تُحدد الأعمال المناسبة لك لتتمكن من أدائها، وأن تكون لك القُدرة على إنتاج أكبر كمية منها باستخدام أقل الموارد, وفي الوقت المناسب والمتاح لك.


ثالثا: كن مُنتجاً

يُعتبر مصطلح الإنتاجية واحداً من أبرز المصطلحات وأكثرها تَداولاً في المجالات الإدارية, والاقتصادية، والصناعية، ومجالات العمل المختلفة، فهو مؤشّر قويّ يدل على مدى قدرة عناصر الإنتاج على التآزر من أجل القيام بعملية إنتاجية كاملة وصحيحة. ومن ناحية أقتصادية, الانتاجية هي معدل ما يمكن الحصول عليه من الإنتاج على معدل ما يُصرف للحصول على هذا الإنتاج. أو بمعنى آخر , تعني مقدار المخرجات التي تحصل عليها مقابل كل مدخل. والحقيقة التي لا جدال فيها أن جُلًّ الناس يحترمون الشخص المنتج. وعلية إذا أردت أن تكون مُحترما فيجب أن تكون منتجاً, فالإنتاجية هي شيء مُهم وضروري لجلب احترام الآخرين لك.



رابعا: كن إيجابياً

الشخص الإيجابي هو الإنسان الحي, والمُتحرك, والمِعطاء،  والمُساهم، والمُتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه. وهو شخص يكره السلبية والخمول ويرفض الانقياد , ويسعى لإصلاح ما حوله بكل ما يملك من قوة. وهو شخص يبحث دائما على الحلول, ويرى أن كل مشكلة لها حل. وعليه إذا كنت تريد من الآخرين حولك أن يحترموك، فكن إيجابياً. ولكي يتحقق لك ذلك, ابحث عن العوامل المشتركة بينك وبينهم. ولعل من أبسط  وأهم العوامل المشتركة التي تجعلك إيجابياً مع الآخرين, على سبيل المثال, الابتسامة, فحاول ألا تفارق وجهك مع كل من تلتقي بهم أو تراهم في حياتك, وسواء كنت تعرفهم أو لا تعرفهم, وأعلم أن الابتسامة هي مفتاح السلام وبداية الطريق نحو تحقيق سعادتك. وهي أيضا وسيلة لإعطاء أنطباع أيجابي لكل من يقابلك ويتعامل معك.



خامسا: كن متواضعاً

للأسف الشديد أن الكثيرين في مجتمعاتنا هذه الايام يعتبروا التواضع علامة من علامات الضعف والخنوع, بل يذهب البعض مهنم لإعتباره نوع من أنواع السذاجة! والغريب أن المصدر الرئيسي والوحيد للاحترام والإعجاب, عند هؤلاء, هو المال والجاه بغض النظر عن مصدره  أو طرق اكتسابه! والحقيقة التي لا جدال فيها أن التواضع هو شرط وضرورة لكسب احترام الآخرين. وأن أفضل الناس من تواضع عن رفعة.


فإذا أردت أن تكسب احترام الآخرين لك, فعليك أن تتذكر أنك لست أفضل من الآخرين, مهما كانت رتبتك, أو علمك, أو عبادتك. وأن تعي بأن أحسن أنواع التواضع مع الناس هو مُخالطتهم, والجلوس معهم, وخدمتهم, وعدم التكبرعليهم بأشياء لا يملكونها. وأن تتذكر أيضا أن التواضع هو قمة الأدب, ومصدر للرفعة والعدل, فقد جاء في الحديث الشريف أن رسولنا صلي الله عليه وسلم قال: من تواضع لله رفعه. وفي حديث آخر قال رسولنا صلي الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد, ولا يبغي أحد على أحد".


سادسا: كن واثقاً   
إذا كُنت تُريد أن تُحترم, فعليك أن تتذكر أن الاحترام في الأصل هو قيمة تفرض ولا تطلب, وتُكتسب ولا تُهدى , وبالتالي عليك أن تعرف نفسك, أي أن تكون "أنتَ كما أنتَ." وذلك لأن ثقتك في ذاتك ستفرض على الآخرين أن ينظرون إليكِ ويعاملوك باحترام. بمعنى آخر يجب   ألا تجعل الخوف من الفقر أو الحرمان أو الفقدان للأشياء يؤثر على أداءك في عملك أو مكانتك في مُجتمعك. وتذكر أن الخوف والاحترام لا يلتقيان في قلب إنسان مُحترم لذاته, وواثق من نفسه, ومؤمن بربه. وعليك أن تتذكر أنه لا قيمة لاحترام مبني على الخوف أوعدم الثقة بالنفس, ولا قيمة لاحترام تم تحقيقه عن طريق التحايل أو الأفعال الخاطئة. بمعنى آخر لابد أن تكون مثالاً يحتدا به للآخرين, في البيت والعمل وفي كل المناسبات والمواقف الاجتماعية والسياسية. وأعلم أن هناك فرصة دائمًا لأن تثبت لنفسك وللآخرين كيف أنك تعيش بثقة في نفسك وعلى استعداد أن تثق في الآخرين.


سابعا: كن صادقاً

في جملة بسيط جدا, كن صادقا تعني "لا تكذب". بمعني عليك أن تحافظ على قيمك الإنسانية, وكن مثلاً أعلى للآخرين في أقوالك, وسلوكياتك, وأفعالك. وإذا أردت أن تكون مُحترما وقائدا في مجتمعك, وللآخرين من حولك, فعليك أن تكون صادقا قدر الإمكان. وتذكر أن جُلَّ القادة العظماء عبر التاريخ كانوا صادقين مع شعوبهم, ولم يقطعوا الوعود الكاذبة لهم، وكانوا يتجنبون إثارة الضجيج لجذب الاهتمام لهم. وفي هذا الصدد يمكن تعريف الاحترام بأنه صِدق الشخص مع نفسه ومع الآخرين.


ثامنا: كن شجاعاً

بمعنى عليك ألا تخشى الإقدام على المخاطرة ومواجهة التحديات, وأن تتحلّى بالجرأة الكافية والشجاعة اللازمة, وأن تكون مستعدا لأخذ المبادرة, ولتحمل المسؤولية كاملة عن كل قراراتك وأفعالك. ومن جانب آخر عليك أن تكون مستعدا لإظهار جانبك الإنساني وترك الشعور بالكبرياء والغرور. وكن ايضا مستعدًا للإقرار بنقاط ضعفك إذا اقتضت الضرورة ذلك والاعتذار عن أخطاءك. 


تاسعا: كن أنيقاً

يقول المثل الأمريكي: "البس لتنجح". هذا يعني أن المظهر اللائق والنظيف مهم لتحقيق النجاح, وتذكر أن الملابس وعلاقتها بالبيئة تساهم في صناعة الشخصية وتحقيق أهدافها. بمعنى أن التصرف حسب الأصول المتعارف عليها في مجتمع ما هو علامة على الأناقة والذوق الرفيع, وأحد الأسباب التي ستساعدك على تحقيق أهدافك والوصول إلى مُبتغاك. ولعل خير مثال على ذلك هو شخصية غاندي. لقد تربي وعاش غاندي في بداية حياته في جنوب أفريقيا, وأصبح مُحاميا قديرا وناجحا فيها.  وكان أنيقا في لباسه ومتحدث لبق في حواراته. ولكن عندما رجع إلى الهند, أرض أبائه وأجداده, وتبنى قضية تحرير وطنه وشعبه من الاستعمار الانجليز, غير سلوكه وملابسه وفقا لمحيطه الجديد وإستجابة للتحديات التي تواجهه, وأصرُّ على أن يلبس ما يلبسه الهنود ويأكل من يأكلون. وتحول غاندي من شخص يشبه رجل الأعمال الانجليزي الناجح, إلى رجل فقير يشبه أغلبية الهنود في لباسه ومأكله! إلى درجة أن تشرشل, رئيس وزراء بريطانيا  حين ذاك, كان يتهكم عليه وعلى لباسه قائلا: من هو ذلك "الرجل نصف العريان"!!! 
  

ولكي تنجح في حياتك عليك أن تعكس ملابسك ذوقك ¸وفكرك, وسلوكك, وبيئتك , وأن تدل على أنك إنسان راقي ومُتحضر ومتزن في حياتك, وأنك من أهل الجدًّ والثقة. وذلك لأن حسن تصرفك حسب الأصول "أي حسب الاتيكيت المحيط بك," وظهورك بمظهر لائق مع  من حولك أو من ترغب أن تخدمهم وتقودهم, سيخلق لك نوعاً من القبول والانسجام والألفة, ويزيد من عملية تفاهمك معهم وقِبولهم لك والالتفاف حولك.


وعليه تذكر بأن الأناقة تساعد المرء على زيادة الثقة بالنفس، وتدفعه إلى أن يكون هادئ، مهتم بالآخرين, ويتحمل مسئولياته بشكل كامل ويمكن الاعتماد عليه. وأخيرا تذكر أن الأناقة ليست في اللباس فقط بل تشمل أمور عديدة منها الاهتمام بطريقة جلوسك وسيرك، وأن تكون مرفوع الرأس, وأن تهتم بلغة جسدك وطريقة تواصلك مع الآخرين.


عاشرا: كن صبوراً

وأخر وليس أخيرا, إذا أردت أن تُحترم من الآخرين فلابد أن تكون صبورا, وذلك لأن الاحترام صفة تُكتسب مع مرور الوقت. وتذكر أن الاحترام لا يعني بالضرورة المحبة. فهناك الكثير من الأشخاص غير محبوبين من الآخرين، لكنهم يتمتعون بقدر من الاحترام والتقدير نتيجة لما يقوموا به من أسلوب متميز. والحقيقة أن الصبر على الآخرين يتطلب أمور عديدة لعل من أهمها: (أ) العفو - يقول عزّ من قائل: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ," (ال عمران, 133). (ب) التغاضي -  يقول تبارك وتعالى: "وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً." (الفرقان :63). و(جـ) الرضا , أي "لا تغضب." والغضب هنا يعني التصرف اللاشعوري واللامسئول. وفي هذا الصدد يُروى عن أبي  هريرة رضي الله عنه: "أن رجلًا قال للنبي صلي الله عليه وسلم: أوصني، قال: (لا تغضب)، فردد مرارًا، قال: (لا تغضب)" (رواه البخاري 6116). وتذكر دائما أن الغضب نقيض الرضا, وأن جُلُّ المشاكل سببها عدم الرضا! ولهذا رسولنا يوصينا فيقول "أرضى بما قسَمَ الله لك تكن أغني الناس". (أخرجه أحمد (2/310 ، رقم 8081)، والترمذي (4/551 ، رقم 2305).


الخاتمـة                                                                        

في الختام, يمكن القول أن الاحترام هو قيمة عالمية نادت بها كل الديانات, ومارستها جميع الشعوب, وتبنتها كل الحضارات الناجحة والتي ساهمت في تاريخ البشرية. وأن هذه القيمة هي أجمّل هدية يمكن أن يُقدمھآ الإنسان لأخيه الإنسان. وإذا كان "الدين المعاملة," كما ورد في الأثر, فلابد أن يكون جوهرها هو الاحترام. وأي دولة تفتقد لهذه القيمة العظيمة أو تهملها, لن تقوم لها قائمة, مهما توفرت لها الموارد البشرية والإمكانيات المادية الآخرى.



وبالتالي, وباختصار شديد, علينا جميعا, أن نعي أن احترام الآخرين هو علامة للتحضر والرقي، وأنه كلما تعاملنا باحترام مع بعضنا البعض, ومع الآخرين حتى ولو كانوا مخالفين لنا في الرأي أو الفكر أو المعتقد, وكلما عاملنا الآخرين كما نُحب أن يعاملوننا, فسوف نحقق أهدافنا بسهولة, وسوف نساهم في إعادة بناء دولتنا في أسرع وقت ممكن بإذن الله. وعليه   يجب العمل على إرجاع قيمة الاحترام واعتبارها من أهم مكارم الأخلاق التي أتى رسولنا صلي الله عليه وسلم لإتمامها, عندما قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".


وبالرغم من كل ما ذكرته أعلاه, يمكن القول وبكل أسف, يا سادة, أن هذه القيمة العظيمة والضرورية لإعادة بناء دولتنا والمساهمة في تقدم شعبنا, هي من أكثر القيم الأخلاقية المفقودة والفرائض الغائبة, في مجتمعنا وبين أبناء شعبنا هذه الأيام. فهل نستطيع, يا أحباب, إعادة بناء دولتنا المنهارة, أو تشييد وطننا المنشود, أو توحيد شعبنا على كلمة سواء, في غياب هذه القيمة؟ الاجابة, في أعتقادي يا سادة, ... بالتأكيد.. لا!


والسبب, يا كِرام, بسيط جداً, لأن الاحترام كقيمة بيننا ومع الأخرين أصبح مفقود! والأسوأ من ذلك أن السائد اليوم في وطني هو النقيض لهذه القيمة والمضاد لها! فعلى سبيل المثال, لا تجد اليوم (طبعا إلا من رحم ربي) إلا من ينادي الآخر بما لا يحب!.. ولا يحرص علي الأستماع له!.. ولا يهتم بأفكاره ومقترحاته مهما كانت قًيمة!.. ولا يسمع أو يقرأ له إلا لاقتناص أخطاءه والبحث عن عيوبه!.. 


وعليه, يا سادة يا أحباب, علينا أن نُدرك أنه إذا ضاعت قيمة الاحترام في مجتمعنا, فلن يكون هناك قيمة لحوار جاد يمكن له النجاح بلا أحترام .. ولا صداقة حقيقية يمكن لها أن تستمر بلا احترام .. بمعني آخر إذا ضاع الاحترام ليس هناك داعى لإيجاد أي علاقة يمكن لها النجاح والاستمرار. فالدول والمجتمعات لن تستقر, ولن ترقى, ولن تسمو, ولن تتقدم, إن لم يُزرع بين أبنائها معاني وقيم الاحترام السامية والنبيلة والمتنوعة. فهل آن لنا الأوان أن نُعيد حساباتنا, وننطلق انطلاقة جديدة, يكون فيها لفريضة الاحترام مكانتها الطبيعية, ويتحقق بذلك لإمتنا الدور الريادي والقيادي المناط بها... أدعو الله أن يتحقق ذلك في القريب العاجل.



وأخير... لا تنسوا يا أحباب أن هذا مجرد رأي للتذكير والمناشدة أعتقد أنه صواب , فمن أتى برأي أحسن منه أخذناه , ومن أتى برأي مُختلف عنه احترمناه .. أدعو الله أن أكون بذلك قد ساهمت في خدمة أمتي وإصلاح وطني.



والله المستعان



د. محمـد بالروين

berween@gmail.com



--------------------------

مـراجـع

افرج أبو طير, عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين,"الاحترام والتوقير من أخلاق النبوة", 05 يناير,2015
http://www.manaratweb.com


صحيح البخاري, كتاب الجنائز, باب من قام لجنازة يهودي


http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=52&ID=845&idfrom=2414&idto=2417&bookid=52&startno=1


المنتدى العالمي للوسطية, "احترام الآخرين في الإسلام," 18 يناير 2017,

http://wasatyea.net/?q=ar/content

أخر مقالات نشرتها