Tuesday, November 15, 2011

أسلمة الديمقراطية : المتطلبات السياسية للديمقراطية في العالم الإسلامي (3 من 4)

حاولت فى الجزء الاول من هذا المقال تسليط بعض الضوء على المشكلة المفاهيمية للديمقراطية 
والتحول الديمقراطى وايضا تحدى تحقيق مبدا الاختيار الذى يواجه عملية أسلمة الديمقراطية 
فى الدول الاسلامية. وفى الجزء الثانى حاولت شرح مفهوم إقامة الدولة الدستورية. 
أما فى هذا الجزء فسأحاول نقاش التحديات التالية: خلق منافسة حرة, بناء دولة 
مؤسسات قوية, حل ازمة القيادة السياسية, وتجريد السياسة من العسكر.

(3) خلق المنافسة الحرة :
أما التحدي الثالث الذي يواجه الدول الاسلامية فى عملية أسلمة الديمقراطية هو كيفية إقامة نظام سياسي تنافسي. وهذا يعنى كيف يمكن إنشاء نظام سياسي من شأنه أن يُمكن المواطنين من الحصول على ما يريدون من حكوماتهم ويسمح لهم بحرية المنافسة بين جميع فئات الشعب في الدولة. ولتحقيق ذلك لابد من وجود منافسة حقيقية ونزيه لجميع المناصب في الدولة وان تكون هذه المناصب مفتوحة لجميع الموهب الوطنية مهما كانت أصولهم اومكانتهم الاجتماعية. وأن يكون الهدف النهائي هو إقامة نظام سياسي يسمح بمشاركة الجميع فى العملية السياسية ويشجعهم على التنافس من خلال العملية الانتخابية الحرة والمفتوحة.

وهنا لعله من المناسب ان تتبنى هذه الدول شروط "الحد الادنى" التى إقترحها البروفيسور روبرت دوول والتى يعتقد ضرورة توافرها فى كل نظام سياسى معاصر. هذه الشروط هى: (1) ان تكون السيطرة على قرارات وسياسات الدولة مخولة دستوريا للمسؤولين المنتخبين من الشعب. (2) ان يتم انتخاب المسؤولين فى انتخابات حرة ومفتوحة. (3) حق التصويت مكفول لكل مواطن وصل سن الرشد. (4) حق الترشيح لاى منصب فى الدولة مكفول لكل مواطن وصل سن الرشد. (5) حق التعبير مكفول لكل مواطن دون الخوف من اى عقاب يحل به. (6) حق الحصول على معلومات من اى مصدر يختاره مكفول لكل مواطن. و(7) حق تكوين المؤسسات بما فيها الاحزاب السياسية وجماعات المصالح مكفول لكل مواطن (راجع: دوول 1982, ص 11, شميدر وكارل 1991, ص 75 – 87).

(4) بناء مؤسسات قوية :
أما التحدي الرابع الذي يواجه الدول الاسلامية فى عملية أسلمة الديمقراطية هو كيفية بناء مؤسسات سياسية قوية ومستقلة. ومن الواضح لكل مراقب سياسي ان أغلب الدول الإسلامية اليوم تفتقر إلى مؤسسات سياسية قوية ومستقلة. وللأسف الشديد فان المؤسسة العسكرية هى المؤسسة الوحيد التى يمكن أعتبارها قوية وعصرية والتي أنشئت في الدول الاسلامية منذ استقلالها. ولذلك فإنني أقول إنه لكى يمكن أسلمة الديمقراطية لابد لنا من إنشاء مؤسسات سياسية قوية يمكن عن طريقها بناء الدولة العصرية والمتقدمة. وعن طريق تأسيس هذه المؤسسات يمكن تمكين جميع المواطنيين من ممارسة حقوقهم وأداء واجباتهم الدستورية. وعند تحقيق ذلك سوف تتحرر النخب ولن تتردد في أن تشارك بصورة بناءة في العملية السياسية. يقول السيد جورج سورنسن ان "النخبة السياسية سوف تدعم الديمقراطية عندما تكون على يقين بأن مصالحها ستكون محفوظة فى ظل الظروف الاكثر ديمقراطية" (سورنسن، 1998، ص 29).

والحقيقة ان هناك فريق من علماء السياسة وفى مقدمتهم البروفسور صموئيل هنتنغتون يعتقدون بان عملية بناء المؤسسات القوية هو أهم عنصر من عناصر التنمية السياسية فى أى دولة. ويعرف هنتنغتون الطابع المؤسسي على انه اى عملية بواسطتها تستطيع المنظمات والاجراءات إكتساب القيم والمقدرة على التكيف والاستقلال الذاتي والاستقرار"(هنتنغتون 1965، ص 394). ومن جهة آخر يمكن القول بان إضفاء الطابع المؤسسي للمجتمع يستلزم وجود التمثيل السياسي. بمعنى أن أي نظام ديمقراطى لا يستطيع ان يبقى وبستمر بدون تمثيل سياسي. والمسألة هنا ليست في وجود أوعدم وجود التمثيل السياسي فى دولة ما وانما فى الكيفية التى يتم بها اختيار هؤلاء الممثلين. وكيف يمكن محاسبتهم عن أفعالهم. وكل هذا لا يمكن القيام به بدون الحديث عن وجود مؤسسات سياسية قوية وعصرية. ومن ثم فان عملية إضفاء الطابع المؤسسي على المجتمع أمر لابد منه لترسيخ وتعزيز وأسلمة الديمقراطية.

(5) حل ازمة القيادة السياسية :
أما التحدي الخامس الذي يواجه الدول الاسلامية فى عملية أسلمة الديمقراطية هو كيفية حل أزمة القيادة السياسية وايجاد قيادات بديلة قادرة ومؤهلة. وفى الحقيقة عند الحديت عن العمل الجماعي الناجح فإن كبار الزعماء هم الذين غالبا ما يذكرهم تاريخ الأمم. فعلى سبيل المثال يقول ستيفنسون إن تاريخ الولايات المتحدة هو إلى حد كبير تاريخ الرئاسة الأمريكية. بمعنى إنه تاريخ الرجال الذين إستجابوا للتحديات والمطالب التى واجهتهم وهم فى مراكز السلطة والحكم: فعلى سبيل المثال قام الرئيس لينكولن بالحفاظ على الاتحاد وحررالسود؛ ونتدكر الرئيس روزفلت لقيادته الحرب والإصلاح وإنقاد أمريكا من أزمتها الاقتصادية. والرئيس ترومان نتدكرة لدورة فى النظام السياسي والاقتصادي العالمي. والرئيس كنيدي لبرنامج الفضاء وأزمة الصواريخ الكوبية (ستيفنسون 1984, ص 18).

وعليه فاننى لا أبالغ اذا قلت بان اكبر عائق فى طريق عملية الانتقال من الحكم الاستبدادي الى أسلمة الديمقراطية في البلدان الإسلامية هو في الأساس عدم وجود القيادة السياسية القادرة والفاعلة لتحقيق ذلك. وما أعنيه هنا بالقيادة السياسية هو ضرورة توفرعلى الاقل ثلاث شروط ضرورية واساسية فى الحاكم لكى يكون قائدا. هذه الشروط هى: الشرعية والمساءلة والمصداقية. بمعنى يجب ان يكون الحاكم قد اتى للسلطة بطريقة مشروعة وعن طريق إنتخابات حرة ونزية. وان الحاكم يمكن مساءلته على كل ما فعل وما لم يفعل. وان يخضع للقانون كغيرة من المواطنين فى الدولة. ولابد ان يكون هذا الحاكم صادقا مع شعبه وذو ثقة ومؤيد من اغلبية المواطنين. وباستخدام هذه المعايير يمكن القول بان هذه الشروط أوحتى البعض منها لا تتوفر فى حكام الدول الاسلامية اليوم الا من رحم ربى. وعليه فلابد من إيجاد حل لهذه الازمة من أجل أسلمة الديمقراطية وتحقيق العدل. ان وجود قيادة عادلة وفاعلة سوف تمكن الدولة من الاستفادة من ثرواتها الطبيعية وكفاءتها البشرية ومقدراتها الاجتماعية والعسكرية.

(6) تجريد السياسة من العسكر :
أما التحدي السادس الذي يواجه الدول الاسلامية فى عملية أسلمة الديمقراطية هو محاولة تجريد السياسة من النفود العسكرى. ولسوء الحظ ان المؤسسة العسكرية هى المؤسسة القوية والعصرية والوحيدة التي أنشئت في الدول الاسلامية منذ استقلالها (فى الاربعينات من القرن الماضى). وفى هذا الصدد يصف البروفسور فواز جرجس هذا التحدي على النحو التالي: "الحقيقة أن النخبة الجديدة التي تولت السلطة بعد نهاية الاستعمار قد جاءت معظمها من الجيش والأجهزة الأمنية، وهى نخبة بطبيعتها بالغت الهرمية، والجمود، وسلطوية" (جرجس، 30 أبريل 2005). وعليه فيمكن القول بان اكبر تهديد لعملية أسلمة الديمقراطية فى العالم الاسلامى هى الجيش ودوره فى السياسة. وفى إعتقادى لكى تتحقق عملية أسلمة الديمقراطية في البلدان الإسلامية بنجاح لابد من ابعاد العسكر عن السياسة وان يكون هناك آليات لتطبيق نظام الحكم فى هذه الدول وبناء مؤسسات مدنية حديته وقادرة على إدارة الدولة بدون التدخل العسكرى فى شؤونها. وهذا يعني ان السيطرة المدنية على الجيش أمر أساسي لإنجاح عملية أسلمة الديمقراطية. ويجب ان تكون عملية التدخل العسكري المباشر في العملية السياسية هو الاستثناء وليس القاعدة في الدولة الحديثة. والحقيقة انه يمكن تجريد السياسة من العسكر عن طريق تبنى العديد من الوسائل لعل من أهمها: (أ) الاسلوب الاول فى محاولة منع الجيش من التدخل فى الشؤون الداخلية للدولة هو العمل على تعزيز وتقوية دور المؤسسات السياسية والمدنية في المجتمع. هذه الخطوة سوف تقلل من احتمالات التدخل العسكري في السياسة. فالعسكريون قد يكون مرحب بهم فى هذه الحالة بوصفهم وسيلة مدنية لتخليص الدولة عند وجود فساد منتشر فى مؤسساتها اوعند عدم مقدرة السياسيين فى الدولة على التخلص من ذلك. ولعل أحسن مثال على ذلك اليوم هو دور الجيش المكسيكى فى مساعدة الحكومة الفدرالية فى محاولة القضاء على عصابات التهريب والجريمة المنظمة على حدود المكسيك. وعليه فان فشل المؤسسات السياسية القائمة فى دولة ما وفشلها فى كسب احترام ودعم المواطنين لها قد يدفع بالقيادة السياسية للاستعانة بالقوات المسلحة للقيام بدور خاص ومحدود وتحت قيادة السلطة المدنية. (ب) أما الاسلوب الثانى فى محاولة منع الجيش من التدخل فى الشؤون الداخلية للدولة فهو زيادة مشروعية وسيطرة السلطات المدنية على الجيش. والحقيقة ان احتمالية التدخل العسكري فى الشؤون السياسية قد تزداد عندما تتناقص أوتفقد السلطة المدنية شرعيتها السياسية فى دولة ما. وهذه الخطوة سوف تقلل فى إعتقادى من إحتمالية تدخل الجيش عندما تكون السلطة المدنية ضعيفة. وبالتالى سوف تحرم المثآمرين على السلطة الشرعية من إستخدام هذه الدريعة. (ج) أما الاسلوب الثالث فى محاولة منع الجيش من التدخل فى الشؤون الداخلية للدولة فهو منع الجيش دستوريا من أي تدخل في السياسة الداخلية والحدّ من دوره في مجرد حماية الأمن القومي ضد التهديدات الخارجية. فعلى سبيل المثال هذه هى أهم ما يميز دور الجيش البريطاني طوال تاريخها الحديث. فكل من يقرأ تاريخ بريطانيا يجد ان النشاط الرئيسى والوحيد المسموح به فى السياسية الداخلية للجيش البريطاني هو حق قيادات هذا الجيش فى نقل إحتياجاتهم ومطالبهم العسكرية للحكومة. ولهذا فان دور الجيش البريطاني واضح ومحدد. وكنتيجة لهذا الدور المحدود والمتفق عليه نجد ان آخر تدخل عسكري في السياسة البريطانية كان في القرن السابع عشر عندما تمرد الجيش واقام دكتاتورية عسكرية اطلق عليها اسم الجمهورية بقيادة الكولونيل أوليفر كرومويل والتى استمرت اثني عشر (12) عاما فقط (راجع: وروث ويلسون 1999، ص 323). وفي الولايات المتحدة ومنذ استقلالها عام 1776 لم يتدخل الجيش الامريكى في السياسة الداخلية سوى مرة واحدة خلال الحرب الاهلية (1861- 1865). (د) اما الاسلوب الرابع فى محاولة منع الجيش من التدخل فى الشؤون الداخلية للدولة فهو تشكيل مجموعات عسكرية خاصة كقوة منافسة وموازنة للقوة العسكرية التقليدية. وهذا وللاسف هو ما تمارسة الانظمة الدكتاتورية فى الوطن العربى اليوم تحت مسميات عديد مثل "الحرس الوطنى" أو"الحرس الجمهورى" أو"الحرس الملكى" أو"القوات الخاصة" أو"قوات الردع" أوغيرها من الاسماء. (هـ) أما الاسلوب الخامس فى محاولة منع الجيش من التدخل فى الشؤون الداخلية للدولة فهو ضرورة نقل جميع القواعد والثكنات العسكرية خارج المدن الرئسية وخاصة العواصم. والحقيقة انه لا توجد أى أسباب عقلانية وإستراتيجية للسماح بوجود مثل هذه الثكنات العسكرية فى داخل المدن الرئيسية، وان هذه الظاهرة لا توجد اليوم وبشكل ملفت للنظر الا فى دول العالم الثالث. (و) أما الاسلوب السادس والآخير فى محاولة منع الجيش من التدخل فى الشؤون الداخلية للدولة فهو منع تسييس الجيش. وهذا يعني ببساطة أن السياسة يجب ان تكون خارج المؤسسة العسكرية وقوات الامن فى الدولة. بمعنى ان ما يجب التأكيد عليه هنا ان الجنود والضباط لا ينبغي ان يكونوا حزبيين وان يكونوا دائما محايدين. وان تكون مهمتهم الاساسية وهدفهم الرئيسي والوحيد هو حماية الدستور والدفاع على سيادة الوطن من العدو الخارجى.

فى الجزء الرابع (وألأخير) من هذا المقال سوف أحاول باذن الله تسليط بعض الضوء على إنهاء أوالحدّ من التأثير الخارجي على الدول الاسلامية.

يتبع ... والله المستعان .

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________________________________

المراجع :
Dahl, Robert, A . (1971) “Polyarchy: Participation and Opposition
(New Haven:Yale University Press.

Dahl, Robert, (1982) “Dilemma of Pluralist Democracy.
New Haven: Yale University Press. p.11

Gerges, Fawaz A. “The Future of Political Islam.” Dec. 26, 2004
http://abcnews.go.com/International/story?id=336247&page=1

Gerges, Fawaz, “Is Democracy Possible in the Middle East.”
ABC News, April 30, 2005.
http://abcnews.go.com/International/story?id=707625&page=1

Huntington, Samuel P. (1965), “Political Development and Political Decay.”
World Politics, Vol. 17, No. 2 (April 1965), pp. 386-430.

Schmitter, Philippe C. and Terry Lynn Karl. “What Democracy is .. And Is Not.”
Journal of Democracy: 2 (Summer 1991), pp. 75-87.
Reprinted in Mark Kesselman and Joel Krieger (2006),

“Readings in Comparative Politics: Political Challenges and Changing Agendas.”
New York: Houghton Mifflin Company, pp. 160-171.

Sorensen, Georg (1998), “Democracy and Democratization:
Processes and Prospects in a Changing World.”
Boulder, Colorado: Westview Press. 2/e

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها