Tuesday, November 15, 2011

من مفهوم حق الخصوصية ( 1 من 2 )


من مفهوم حق الخصوصية ( 1 من 2

لقد أصبح حق الخصوصية اليوم من أهم حقوق الانسان إن لم يكن أهمها علي الاطلاق. وذلك لان الخصوصية هي القيمة الاساسية التى تدعم وترتكز عليها الكرامة والتي يمكن إعتبارها وبحق أعظم منحه منحها الله عز وجل للانسان والتي بدونها لا يمكن ان تستقيم حياته. وعليه فلقد أصبح في إعتقادي من المهم والضروري ان يضمن كل دستور هذا الحق لكل انسان في الدولة. وعلي كل الشعوب والمجتمعات المتحضرة أن تُقدر ذلك وتُقدسه وأن تعتبره من أقدس الحقوق الانسانية. ولعله من المناسب في هذا المقال أن أحاول تسليط بعض الضوء علي هذا المفهوم وأهم مكوناته وذلك بمحاولة الاجابة علي الاسئلة التالية:

1. ماذا نعني بحق الخصوصية؟
2. ماهي طبيعة حق الخصوصية؟
3. ماهي أهم أنواع حق الخصوصية؟
 4. متى يحق للدولة أن تتدخل فى حق الخصوصية؟

أولا: معني حق الخصوصية

بإختصار شديد يمكن تعريف هذا المفهوم علي إنه حق كل شخص أوجماعة أوشعب فى أن يختار بنفسه نوعية وكيفية مشاركته مع الآخرين دون تدخل من الدولة المقيم فيها أومن أي أطراف آخري. بمعني هو حق كل انسان في الاختلاء بنفسة والتميز عن غيره لسبب أوأسباب يعتقد إنها تخصه لوحده. وبمعني آخر هو قدرة وحرية كل مواطن في الدولة التى ينتمى لها علي حقه في الاحتفاظ بكل ممتلكاته ومعلوماته التي يعتقد إنها له. وإن خصوصيات الاشخاص والجماعات والشعوب في الدول التي ينتمون لها لابد ان تكون مضمونة ومصانة ومحمية من كل أنواع التفتيش والانتهاك والحرمان والحجر الغير معقول ويجب ان تُحمي هذه الخصوصيات سوى إن اتفقت أوإختلفت معها السلطات وطالما انها قانونية ولا تهدد الامن الوطني. وعليه فعلي كل السلطات في الدولة ان تبقي خارج خصوصيات مواطنيها سوى إن كانوا أشخاص أوجماعات وشعوب طالما لا تتعارض مع مبادي وأهداف الدستور.

ثانيا: طبيعة حق الخصوصية

وهنا لابد من الإشارة انه بالرغم من أهمية هذا الحق وضرورته في الحياة الانسانية الا انه قد ثم إهماله من قبل الاغلبية من المفكرين والفلاسفة عبر التاريخ. وكنتيجة لهذا الاهمال لم يُذكر هذا الحق فى أي دستور من دساتير الدول المتحضرة ولم يثم الاهتمام به الا آخيرا. ففى دستورالولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال لم يُدكر هذا الحق بوضوح في الدستور نفسه ولا حتى في التعديلات الاحقة له. وقد ثم الاعتراف به ولأول مرة عندم قررت المحكمة الاتحادية العليا في الولايات المتحدة الاعتراف به والتأكيد عليه في عام 1965. ففي القضية المعروفه في القانون الدستوري الامريكي بـــ "قرسوود ضد كونيتكت," قررت المحكمة بأن ما يقوم به المتزوجين في بيوتهم الخاصة هو أمر يهمهم وحدهم وخصوصية لا ينبغي علي الدولة التدخل فيها (للمزيد أنظر: بارديس وآخرين, 2000 , ص 128). وعليه يمكن القول انه حتى عام 1965 كانت الحقوق الدستورية للامريكيين محصورة في الحقوق المدكورة في ما يعرف بوثيقة الحقوق (أي التعديلات العشر الاولي للدستور) والتى لم تتضمن هذا الحق. ولكي تصل المحكمة لقرارها بالاعتراف بهذا الحق قامت بمحاولة الجمع بين مفاهيم متعددة ومتفرقة في أربع تعديلات للدستور هي التعديل الاول والرابع والخامس والتاسع. وكنتيجة لهذا الجمع والتفسير الشامل لهذه المصطلحات المتفرقة أعلنت المحكمة الاعتراف بحق الخصوصية وأعتبرته حق من الحقوق الاساسية في المجتمع الامريكي (أنظر: بيرنز , 2000 , ص 137). ومن الطريف انه بالرغم من إعتراف المحكمة العليا بهدا الحق الا ان حدوده وطبيعته لا تزال غامضة ولم يثم الاجماع عليها حتى الان. فعلي سبيل المثال لا يزال الامريكيون فى نقاش متواصل حول ما أذا كان حق الخصوصية يتضمن حق المريض الميؤوس من شفائه علي القيام بالأنتحار بمساعدة طبيب (للمزيد أنظر: سدلو 1998 , ص 101). والابعد من كل ذلك لا يزال البعض من الفقهاء الدستوريين في الولايات المتحدة يؤمنون بأن الخصوصية ليست حق من الحقوق الاساسية التي ينص عليها الدستور. وفي هذا الصدد يقول القاضي صامويل اليتو (Samuel Leto) أحد قضاة المحكمة العليا بأن الدستور الامريكي "لم يذكر بصراحة ولا في أي شكل من الاشكال بأن الخصوصية هي حق من الحقوق الاساسية. ولا وجود لهذا الحق في كل التعديلات السبعة والعشرين (27) التى ثم إضافتها الى الدستور حتى الان"(راجع: أونين ذت كوم 2009). وإستنادا علي ما ذكرت أعلاه يمكن القول بإن مفهوم الخصوصية يتوقف فهمه ومعرفه طبيعة وحدوده بالدرجة الاولي علي المحيط والمحتوي والبيئة ونوع الحكم الذى يعيش به الانسان. وعليه فلابد من الايمان بالخصوصية كمبدأ والعمل علي التركيز علي مكوناتها الضرورية وأنواعها الاساسية حتى يسهل فهمها وكيفية التعامل معها.

ثالثا: أنواع حق الخصوصية

في الحقيقة أنا أعتقد انه من المناسب لكى نفهم أنواع حق الخصوصية أن ننظر له من زوايا عديدة. ولعل من أهم الانواع التي يمكن وجودها في أي مجتمع متحضرالآتي:

1. الخصوصية الشخصية

النوع الاول من حق الخصوصية هو ما يعرف بالخصوصية الشخصية وهو من أهم الخصوصيات في كل المجتمعات البشرية. وتعني ببساطة خصوصية الشخص كفرد في مجتمعه وحقه في أمتلك والاحتفاظ بكل ما يعتقد انه من حقه وحده. ولقد أعتبر الاسلام هذا النوع من الخصوصية من أقدس وأهم الخصوصيات ورفع مرتبتها وحق الدفاع عنها الي درجة الاستشاهد في سبيل الله. فقد قال رسولنا صلي الله عليه وسلم مشجعا الانسان علي الدفاع علي نفسة وحرمته ومعتقداته وممتلكاته "من قُتل دون ماله فهو شهيد , ومن قُتل دون دمه فهو شهيد , ومن قُتل دون دينه فهو شهيد , ومن قُتل دون حُرمته فهو شهيد"(بن تيمية , 1983 , ص 76). ولعل خير مثال علي تقديس الاسلام لحُرمة وقداسة الخصوصية الشخصية هو قول الله تعالى فى سور النور: "يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ذلك خير لكم لعلكم تذكرون ، فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ، وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم"(النور: 27 - 28). والحقيقة انه لم يصبح لهذه الخصوصية قيمة وإعتراف عالمي الا بعد ان تبنتها الامم المتحدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتى ثم أعتمادها عام 1948. فقد نصت المادة الثانية عشر من هذا الإعلان علي ان "لا يتعرض أحد لتدخل تعسفى فى حياته الخاصه أوأسرته أومسكنه أومراسلاته أولحملات علي شرفه وسمعته. ولكل شخص الحق فى حماية القانون من مثل هذا التدخل أوتلك الحملات"(الإعلان العالمي , 1948). ولعله من المناسب والمفيد فى هذه العجالة التأكيد علي أربع أبعاد مهمة وضرورية للخصوصية الشخصية وهى: (أ) حق الشخص في أن يكون حر من مراقبة وتدخل السلطات أوالآخرين في شؤونه الخاصة والمتعلقة به وحده. (ب) حق الشخص في منع السلطات أوالآخرين من نشر وإظهار شؤونه الخاصة به علي الملأ. (ج) حماية الدولة لكل مواطنيها من الافتراء والتشهير الشفوي أوالمكتوب. و(د) حق الشخص في التفكير والاعتقاد فيما يُريد دون تدخل السلطات أوالآخرين في ذلك.

2. الخصوصية الثقافية

أما النوع الثاني من حق الخصوصية هو ما يمكن أن نطلق عليه بالخصوصية الثقافية. بمعني ان كل المجتمعات لها خصوصيات ثقافية ولايمكن لاى انسان عاقل ان يتجاهلها ولا ان يتجاوزها عند محاولة فهم هذه المجتمعات. فكل من يدرس تركيبة الدولة الليبية المعاصرة علي سبيل المثال سيجد إنها تتكون من جماعات وشعوب عديدة ومختلفة ثقافيا وعرقيا. وان كل باحت في تاريخ هذا البلد سيدرك هذه الحقيقة وسيعلم علي سبيل المثال بأن أخواتنا وإخوتنا الامازيغ والتبو والطوارق والاتراك والافارقة وبقية الجماعات الآخري في ليبيا لم يتحدوا ويتعاونوا ويتأخوا معا علي أسس عرقية ولا لغوية ولا قومية , وإنما الذي جمع شملهم ووحد كلمتهم هو إيمانهم جميعا بفكرة واحد. هذه الفكرة التى عشقوها وأمنوا بها وكانوا من السباقين فى التضحية والاستشهاد في سبيلها. هذه الفكرة هي التى أدت الى أختلاط دماءهم الطاهرة الزكية مع دماء إخوتهم العرب مما دفع بهم جميعا الي المزيد من التحالف والتألف والتلاحم. ولكن وبالرغم من كل هذا التلاحم والتعاون والتقارب يجب أن لا ننسي بأن لهذه الجماعات المتنوعة والمختلفة خصوصيات إجتماعية وثقافية وعرقية وتاريخية تعتز بها وتميزها عن غيرها من الشعوب والجماعات الآخري. وعليه فيجب أن تكون هذه التجربة وهذا التاريخ المُشرف لنا جميعا هو التجسيد الحقيقي لقول الله تعالى"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير"(الحجرات: 13). ففي هذه الآية دليل حقيقي وأعتراف علني علي أن التنوع يجب ان يكون هو الاصل فى لقاء الجماعات والشعوب والعمل من أجل وحدتها. وعليه فلابد ان يكون شعارنا من أجل ألاستمرار في توحيد وتقوية وطننا الحبيب ليبيا قائما علي أساس مبدا "التنوع من خلال الوحدة" وليس الوحدة من أجل الهيمنة والسيطرة والاستغلال والتهميش. وهذا يتطلب منا جميعا قبل كل شيء أحترام خصوصيات كل الجماعات والشعوب مهما إختلف الآخرين معها. ولكي نحقق ذلك فليكن الحوار والتعاون من أهم وسائلنا والاحترام والتقوى من أسمى أهدفنا إن كنا حقا صادقين.

3. الخصوصية الدينية


أما النوع الثالث من حق الخصوصية هو ما يمكن أن نطلق عليه بالخصوصية الدينية. بمعني ان لكل شخص حق الخصوصية فيما يفكر وحقه في الحماية المطلقة لكل ما يعتقد ويؤمن به ولا يجب أن يكون هناك وصاية علي أفكاره أومعتقداته من أي جهة كانت وتحت أي دريعة. وقد أكذ ديننا الحنيف هذه الخصوصية وجعلها ركيزة من ركائز الدعوة لله. والآيات القرانية التى تؤكد علي ذلك عديدة لعل من أهمها قول الله تعالي: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة : 256). وقوله تعالي "قُلِ الْحق من ربكم فَمن شَاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف : 29). وقوله أيضا "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"(النحل : 125). وعليه يجب أعتبار الخصوصية الدينية من أول المكونات وأهم الضروريات لبناء أي دولة. وفي أعتقادي ان حماية هذه الخصوصية هي أحد المؤشرات التي ستحدد إتجاه الطريق ونوعية النتائج المستقبلية لإي شعب يريد أن ينهض ويتقدم. فى الجزء الثاني من هذا المقال باذن الله سوف أحاول الإجابة علي السؤال: متى يحق للدولة أن تتدخل فى حق الخصوصية؟

يتبع ...

والله المستعان.

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________________________________

المراجع :
وثيقة إعلان الحقوق – المادة (12)
The Arabic Version of UDHR, the Universal Declaration of Human Rights:
http://www.boes.org/un/arahr-b.html

Barbara A. Bardes et al, (2000),
“American Government and Politics Today: the Essentials.
United States: Wadsworth, Thomson Learning

Edward Sidlow et al, (1998) “America at Odds:
An Introduction to American Government.
New York: West / Wadsworth

The onion.com
“Right to Privacy Not Guaranteed By Constitution,
Say Supreme Court Justice Peeking in Bathroom Window.”
March 17, 2009, Issue 45 – 12
http://www.theonion.com/content/news/right_to_privacy_not_guaranteed_by

James MacGregor Burns et al (2000), “Government by the People.”
New Jersey: Prentice Hall. e/18.

تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية (1983) "كتاب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية."
تحقيق لجنة إحياء التراث العربي. منشورات دار الافاق الجديدة – بيروت.

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها