Friday, January 26, 2024

مسيرة الهيمنة الامريكية على المحيطات والبحار: من القره مانليين ... الى الحوثيين

 

مسيرة الهيمنة الامريكية على المحيطات والبحار:

من القره مانليين ... الى الحوثيين 

 

د. محمد بالروين

 

لعله من بديهيات القول, التذكير بالحتمية التاريخية التي تقول:                      

                                "الحياة – تحدي وأستجابة." 

والحقيقة ان جُل قادة الولايات المتحدة الامريكية قد أذركوا هذه الحقيقة مند

 تأسيسها, وأمنوا بانهم لا (ولن) يكونوا قادرين علي تحقيق المصالح القومية في العلاقات الدولية الا بامتلاك "القوة العسكرية" واستخدام سياسات "الاعتماد 

المتبادل (Interdependence)". ومند ذلك الحين انطلق هؤلاء القادة في بناء 

ما يمكن ان يُطلق عليه "استراتيجية ضرورة الهيمنة علي المحيطات والبحار"

لتحقيق أهدافهم الوطنية.

والاسئلة المهمة في هذا الصدد هي:

ماهي أهم التحديات التي قادت الي تبنى هذه الاستراتيجية؟

وماهي أهم التحديات التي تواجهها, هذه الايام, وقد تؤدي الي أفولها؟

 

أولاً: أمريكا.. والتحدي القره مانلي   

ان من اهم التحديات التي دفعت بالقادة الامريكيين لتبني هذه الاستراتيجية في مطلع القرن التاسع عشر هو ما يمكن ان اطلق عليه بـ: 

                                          "التحدي القره مانلي."

 لقد حكم يوسف باشا القرمانلي ليبيا من 1795 الي 1832, وكان حاكما طموحا وشجاعاً. أكد خلال حكمه علي سيادة الدولة وأراضيها ومياهها. ولكي يؤكد ذلك, قام بفرض رسوم مرور لعبر المياه الاقليمية علي كل الدول, مما اذي الي ان تقوم امريكا بتوقيع معاهدة معه عام 1796, نصت علي امتناع ليبيا من مهاجمة السفن الامريكية مقابل رسوم سنوية متفق عليها.

 

وعندما عرف يوسف باشا انه لا يتحصل على رسوم سنوية مُجزية, إسوة بحكام تونس والجزائر, طلب من الحكومة الأميركية زيادة هذه الرسوم, الا انها رفضت طلبه, واخدت تُماطل في دفع الرسوم المتفق عليهاً, فاخد يوسف باشا يشعر بالخوف من التصرفات الامريكية, ونتيجة لذلك قام بأعداد قواته البحرية, التي كانت تتكون من 20 سفينة صغيرة و1000 بحارا, استعداداً للحرب.

 

وبعد ان جهز قواته, امر جنوده أن يحطموا سارية العلم الأمريكي القائمة أمام قنصليتها في طرابلس, مما دفع بالقنصل الأمريكي للاحتجاج على الإهانة التي لحقت بعلم بلاده وقرر المغادرة.

وما ان وصل الخبر الي الرئيس الامريكي "توماس جفرسون" حتي ارسل قواته إلى البحر المتوسط لــ:

(1) تعزيز القوات الامريكية في المنطقة وزيادة هيبة الدولة.

(2) تلقين يوسف باشا درسا لن ينساه في فنون الحرب.

(3) تحقيق نصر مدوي وتدشين حقبة جديدة للأسطول البحري الامريكي,

(4) فرض التواجد العسكري الامريكي في أكثر مناطق العالم حيوية،

(5) جعل هذه العملية بمثابة الخطوة الأولى نحو بناء الامبراطورية الأمريكية الجديدة.

 

انطلقت هذه القوات إلى الشواطي الليبية, بقيادة الاسطول السادس المتكون من فرقاطتين جُهزت كل منهما بـ44 مدفعا، وكان احد هذه الفرقاطات تسمي "فيلادلفيا", بالاضافة الي سفينة مجهزة بـ32 مدفعا، وأخرى شراعية مجهزة بـ.12 مدفعا.

 

في 31 اكتوبر 1803, تمكن الليبيين من السيطرة علي الفرقاطة فيلادلفيا, وقادوها إلى ميناء طرابلس وكان على متنها 308 بحاراً استسلموا جميعا. وعندما عجزت القوات الأمريكية عن استرداد هذه الفرقاطة, استنجدت بمرتزقة مالطيين, استطاعوا التسلل للفرقاطة وقاموا بحرقها حتى لا يستفيد منها الليبيين.

وبذلك يمكن اعتبار حادثة السيطرة علي فرقاطة فيلادلفيا الحافز الرئيس والتحدي القوي للولايات المتحدة للاهتمام بقواتها البحرية, واتخذت لهذه القوات نشيداً, يقول في مطلعه:

من قاعات مونتيزوما ** إلى شواطئ طرابلس

نحن نحارب معارك بلادنا ** في الجو والأرض والبحر

مند ذلك الحين يمكن اعتبار هدة الهزيمة, في 31 اكتوبر 1803, هي البداية لمسيرة السعي نحو الهيمنة الامريكية علي المحيطات والبحار, والتي لا تزال مستمرة حتي اليوم.

 

ثانياً: أمريكا.. والتحدي الحوثي 

في نهاية أكتوبر 2023 , أعلن الحوثيون عن بدء عمليات عسكرية ضد إسرائيل دعما للمقاومة الفلسطينية, ولإجبار اسرئيل لوقف حربها الظالمة علي غزة.

 

بدأ الحوثيون مشاركتهم في الصراع بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار على إيلات, واستهداف السفن في البحر الأحمر. وفي 19 نوفمبر 2023, نجحوا في إيقاف سفينة شحن اسرائيلية  واحتجزوا طاقمها كرهائن.

 

وقد أعلن الحوثيون ان ترسانتهم العسكرية كبيرة، تشمل صواريخ متعددة ومتقدّمة, ومجموعة كبيرة من الطائرات المسيرة, واعلنوا انهم يملكون القدرة العسكرية لإغلاق مضيق باب المندب ذو الأهمية للتجارة الدولية.

 

بهذه الخطوة أعلن الحوثيون أنهم طرفاً في الحرب للدفاع عن غزة إلى جانب المقاومة الفلسطينية, وتعهدوا بمواصلة استهداف الأراضي والسفن الإسرائيلية حتى يتوقّف العدوان على غزة.

هذه التصرفات الحوثية وترسانتها العسكرية, اعتبرتها الولايات المتحدة تهديد دولياً وخطر علي التجارة والسفن والعمليات العسكرية الأميركية في المنطقة.

 

واستجابة لتهديدات الحوثيين علي اسرائيل وسفنها في البحر الاحمر، أعلنت امريكا إطلاق عملية "حارس الازدهار" لضمان ما اسمته بـ "الملاحة الدولية الآمنة".       وقد شارك في هذه العملية - إلى جانب الولايات المتحدة - كل من بريطانيا وايطاليا واسبانيا وكندا وهولندا والنرويج وسيشيل والبحرين.

 

وفي يوم 12 يناير 2024 نفذت طائرات وسفن وغواصات أميركية وبريطانية اكثر من 73 ضربة في كل أنحاء اليمن على أهداف تابعة للحوثيين, ردا على هجماتهم المستمرة في البحر الأحمر.

 

ورد الحوثيون علي هذا الهجوم "الامريكي-البريطاني" عليهم, بالتاكيد علي الآني:

(1) الاصرار علي الاستمرار في الوقوف الي جانب المقاومة الفلسطينية.

(2) التعهد بمواصلة استهدافهم للأراضي والسفن الإسرائيلية حتى يتوقّف العدوان على غزة.

(3) أعلن استعدادهم لمهاجمة السفن الأمريكية إذا استمرت في التدخل في شؤون البلاد أو مهاجمة اليمن,

(4) اعلن زعيم الحركة الحوثية السيد عبد الملك الحوثي بان حركته "ستجعل السفن الامريكية هدفاً لصواريخها, وان تهديدات الامريكان لن تخيفها."

ويبقي السؤال للامريكيين وحلفائهم الان هو:

كيف سيتم احتواء "التحدي الحوتي؟!"  

وهل فعلاً من صالحهم القضاء عليه؟!

وماهو الحل الامريكي اذا قرر الحوثيون, إغلاق مضيق باب المندب؟

بمعني كيف ستستجيب امريكا لهذا التحدي؟

وهل ستكون فعلاً "حارسا للأزدهار" في العالم كما اعلنت في عمليتها البحرية؟

أم سيحدث لها ما حدث في حروبها السابقة في كل من - كوريا وفيتنام وبنما والصومال والعراق وأخيرا في افغانستان؟

 

الخلاصة                                                                         

يمكن القول ان الولايات المتحدة في تعاملها مع "التحدي الحوثي" تواجه اليوم, ما يسمي في امريكا بــ: 

                             "معضلة صيد 22 (Catch 22)",

بمعني امريكا اليوم تواجه:

"معضلة اذا انتصرت, ومعضلة أكبر اذا خسرت."

 

وعليه يبقي السؤال: هل سيضطر الامريكيون اليوم للإستجابة لمطالب الحوثيون والضغط علي اسرائيل لإيقاف حربها علي غزة,

وهذا في اعتقادي, مالا تريده ادارة الرئيس بايدن؟

ام ستستمر أمريكا في مواجهة الحوثيين ومحاولة ايقافهم,

وهذا ايضا ما لا تستطيع ادارة بايدن الاستمرار فيه؟

 

وعليه اذا لم يتحقق هذا ولا ذاك, فستكون حرب ادارة الرئيس بايدن ضد الحوثيين – في نظر الكثيرون - مؤشر حقيقي لبدأية انهيار الهيمنة   الامريكية علي المحيطات والبحار,

وبذلك تكون بداية نهاية امريكا كدولة عظمي.

 

في الختام,

 

الجميع في انتظار الايام القادمة لمعرفة النتيجة.

 

أخيرا 

لا تنسوا, يا احباب، ان هذا مجرد راي اعتقد انه صواب, 

فمن أتي براي أحسن منه قبلناه، 

ومن أتي براي يختلف عنه احترمناه.

 

والله المســتعـان.

أخر مقالات نشرتها