Thursday, October 02, 2025

العـقـلانيــة العملية "ضرورة حتمية لنهوض واعمار الدول؟!"

 

العـقـلانيــة العملية

"ضرورة حتمية لنهوض واعمار الدول؟!"

(1 من 2)

 

د. محمـد بالروين

 

ان احوج ما تحتاجه الدول المتخلفة (وخصوصا العربية) لنهوضها وإعادة اعمارها هو ممارسة "العقلانية العملية"، فبدونها لن يكون هناك تقدم ولا تمدن ولا حداثة حقيقية في أي دولة. وعليه يمكن القول ان أكبر وأخطر ازمة تواجه السياسيين والمفكرين والاستراتيجيين في هذه الدول هي "أزمة غياب العقلانية العملية" في التفكير والتخطيط والادارة والتنفيذ.

وللمساهمة في فهم هذا النوع من العقلانية لعله من المناسب الإجابة على الأسئلة الاتية:

* ماهية العقلانيةً؟ 

* ماهي اهم أنواعها؟ 

* ما المقصود بالعقلانية العملية؟ 

* ماهي اهم متطلباتها وخصائصها؟


 

العقلانية؟

هي عملية الاسترشاد بالعقل والمنطق والتصرف بناء على أسباب وجيهة للوصول لحقيقة الاشياء والافعال، بمعني هي أسلوب مبني على العقل والمنطق والخضوع لهما، وأتخاد العقل معيارا للحقيقة، واستخدام المنطق كمصدر للمعرفة والاستنتاج. وبمعني اخر، هي أداة تتضمن استخلاص النتائج، وتكوين الآراء، بناءً على الحجج والبراهين والاسباب والفرضيات المتاحة.

 

 

أنواع العقلانية

ظهرت العقلانية عبر التاريخ في اشكال متعددة، وكان سبب تنوعها يتوقف

على ابعادها الأساسية، ولعل من اهم هذه الابعاد: البعد التاريخي والبعد

الوظيفي

 

 

  أولا: البعد التاريخي

يُشير هذا البعد الي ثلاث فترات (او مراحل) رئيسية هي:

 

 

(1) الكلاسيكية

بداءة العقلانية الكلاسيكية من أفلاطون (427 ق.م - 347 ق.م) الي الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر (1889– 1976). 

ونشأت كرد فعل للتفكير الخرافي الذي كان "مسيطر على أذهان الاغريق"(للمزيد راجع:

خماط, 2007)، أذ طالب أفلاطون بان تقوم العقلانية على أساس "معرفة الماهيات الثابتة بواسطة العقل وحده"(للمزيد راجع: الهلالي ,2011)، وهذا يعني الثقة المطلقة بالعقل وبمقدرته على اكتشاف الحقيقة"(للمزيد راجع: خماط, 2007).

 

الاشكالية في هذا النوع من العقلانية هو انها

 تحتقر استخدام الحواس،

وفسر الاستاد خماط هذا الموقف بان 

مرجعه إلى "احتقار الجسم بالنسبة للعقل، ولهذا كانوا يقدرون من يستخدم عقله أكثر من يستخدم حسه وعضلاته. فالمفكر عندهم أفضل من العامل، ولهذا السبب اقترح أفلاطون

إن يتولى قيادة الناس فيلسوف، وكان من أكبر الأخطاء السياسية في نظره إن يُشرك العامة في إدارة الحكم" (للمزيد راجع: خماط, 2007).

 

(2) الحديثة

سادت العقلانية الحديثة من رينيه ديكارت (Descartes) (1596-1650) إلى غوتفريد ليبنز (Leibniz) (1646-1716)، وعُرفت هذه الفترة في أوروبا بــ: عصر التنوير (أو عصر العقل (Age of Reason، وهي حقبة شدَّد فيها هؤلاء الفلاسفة على أهمية: التعليم، وحرية التعبير، وفصل الدين عن الدولة.

 

وأصر منظري هذه النظرية على انه لا ضرورة لوجود الوحي لكي تثبت وجود الله. فقد وضح ديكارت في مقدمة مؤلفه "تأملات ميتافيزيقية" انكل ما يمكن معرفته عن الله يمكن البرهنة عليه بالعقل، مما لا يُبقي ضرورة للبحث عن تلك الحقائق بعيدا عن أنفسنا، لأن عقلنا قادر بقوته الخاصة على تمكيننا من تلك المعرفة". فالعقل بإمكانه البرهنة في استقلالية تامة عن الوحي على وجود الله عبر "الحجة الأنطولوجية" القائلة أن:

"وجود الله ينتج عن ماهيته" (للمزيد راجع: الهلالي, 2011).

 

(3) النقدية

سادت العقلانية النقدية من

 الفيلسوف الألماني إيمانويل كاُنت

(1724 – 1804) الي الفيلسوف الألماني كارل بوبر (1902 - 1994)، وافترضت

ان كل النظريات يجب ان تكون خاضعة للنقد وللاختبارات القادرة على دحضها. ولعل أهم ما ركزت عليه هذه النظرية هو "نسق التأمل الذاتي- الديني الذي استأثر بمكانة مهمة في الفلسفة الغربية. واستخدمت التفكير النقدي كاداة لتحقيق ذلك

لأنه الأساس الضمني لمفهوم الحرية،

مما قاد إلى نقد العقل وممارساته، باعتباره أداة خاضعة لصيرورة التاريخ وتحولاته، وليس له قوة تعالٍ مطلقة ومجردة" (للمزيد راجع: إبراهيم, 2019).

 

 

 ثانياُ: البعد الوظيفي

هذا البعد موجود في كل مجالات الحياة، ولتوضيح ذلك يمكن الإشارة الي ثلاث مجلات رئيسية للعقلانية هي: 

(أ) المجال السياسي،  

  ,(ب) المجال الاقتصادي

مجال علم الاجتماع.(جـ) 

 

 

                                         

(ا) العقلانية في السياسة

 

يقول الدكتور بندور في كتابه "العقلانية المحدودة والسياسة 2010" , هناك ثلاث وجهات نظر مهمة للعقلانية في التفكير السياسي هي: التاريخية والاقتصادية والأخلاقية (للمزيد راجع: بندور, 2015). السياسيون العقلاء يؤكدون على وجوب اهتمام التفكير السياسي بمبادئ الحق العام وتحديد الواجبات والحقوق المرتبطة به، والتأكيد على أهمية الثقافة والتقاليد في المجتمع، لان النشاطات السياسية تحدث دائما في محيطها الثقافي والتاريخي.

 

وعليه لكي تتحقق العقلانية السياسية لابد أن تكون المصطلحات

محددة وواضحة المعاني ومناسبة لثقافة المجتمع.

 

 

 

(ب) العقلانية في الاقتصاد

 

تعتبر العقلانية عند معظم علماء الاقتصاد، وخصوصا الكلاسيكيين، من

اهم المبادئ والبديهيات الاقتصادية، وهي تنطلق من مبدأ يقول: "طالما

الشخص يفعل ما يريد في ضوء وضعه، فهو يتصرف بعقلانية".

 

اي عندما يتخذ الشخص قرار ما، سيختار الشيء الذي يفضله أكثر. وعليه

فالاقتصادي يعتبر كل فرد في المجتمع "شخص عقلاني", بمعني أنه يتصرف بعقلانية.

 

 

 

(جـ) العقلانية في علم الاجتماع  
 
يُعرف علماء الاجتماع العقلانية على أنها علاقة مبنية على أساس
 "الغاية والوسيلة", 
 
بمعني التصرف العقلاني يجب ان يكون هادفٍ ويتضمن وسائل لتحقيقه.  
وقد ظهرت فكرة العقلانية الاجتماعية من خلال أعمال
عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر في أواخر القرن التاسع عشر، 
 في كتابين له - "الاقتصاد والمجتمع
و"مجموعة مقالات في علم الاجتماع والدين". 
 
 انطلق فيبر من فرضية تقول: 
"إن استقرار العلاقات الاجتماعية ونمطيتها 
يعودان إلى التصرف العقلاني للأفراد"، 
 
وقد ميز بين أربعة 
أنواع من الأفعال:
(1) الفعل العاطفي الذي يستمد من عاطفة الفرد أو المجتمع،
 
(2) الفعل التقليدي المرتبط بالسلوك المعتاد والتقاليد والأعراف،
 
(3) الفعل الهادف الذي يقوم على اختيار الأهداف والوسائل اللازمة لتحقيقها،
 
و(4) الفعل القيمي حيت تكون الأهداف معروفة ويجري اختيار 
الوسائل بشكل عقلاني" (للمزيد راجع: فيبر 1968، ص 5).  
 
وميز فيبر ايضا بين أربع أنواع للعقلانية هي:
 
"العقلانية "النظرية" القائمة على القيم، 
 
والعقلانية "الشكلية" المرتكزة على الكفاءة والنتائج المحسوبة،
 
والعقلانية "الجوهرية" التي تعطي الأولوية للقيم 
والأخلاق وتجاوز الحسابات المجردة،  
 
والعقلانية "العملية" القائمة على الأهداف والوسائل" 
(للمزيد راجع: كلبرق، 2010).

 

 

في الجزء الثاني (والأخير) من هذا المقال،

سأحاول الحديث عن ماهية العقلانية العملية

ومتطلباتها وخصاصها.

يتبع ...

 

والله المستعان.

============

المراجع  

محمد الهلالي، العقلانية، الحوار المتمدن – العدد: 3541, 09 – 11 – 2011. ا 

 http://www.ahewar.org/debat/ 

                        show.art.asp?aid=282804

 

سلام خماط، "الكشف الصوفي عند الغزالي ومبدأ العقلانية في فلسفة ارسطو،" الحوار المتمدن،

العدد: 1869, 29 – 03 – 2007.  

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=92488

 

عبد الله إبراهيم، العقلانية النقدية. موقع مؤمنون بلا حدود, 28 سبتمبر 2019.        

https://www.mominoun.com/articles/A9-6805

 

Bendor, J. 2010. Bounded Rationality and Politics. Berkeley: University of California Press.

 

Weber, Max (1968), Economy and Society. An Outline of Interpretive Sociology, 3 vis. Ed., rev., and 

partially translated by Guenther Roth and Claus Wittich with an Introduction by Roth, Guenther 

 (New York, Redminster Press), Page 5.

 

Max Weber's Types of Rationality: Cornerstones for the Analysis of Rationalization 

Processes in History.   

Author(s): Stephen Kalberg. 

Source: The American Journal of Sociology, Vol. 85, No. 5 (Mar., 1980), pp. 1145-1179      

Published by: The University of Chicago Press.  15/12/2010.                                                           

Stable URL: http://www.jstor.org/stable/2778894

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها