Tuesday, November 15, 2011

من أنظمة الحكم السياسية ( 3 من 3 ) التوزيع الزمنى للسلطات




من أنظمة الحكم السياسية ( 3 من 3 ) التوزيع الزمنى للسلطات
 
" لو دامت لغـيرك ... ما وصلت إليك "
فى المقال الاول حاولت تركيز حديتى على البعد الاول من توزيع السلطات والذى أطلقت عليه "التوزيع الوظيفى للسلطات" بمعنى كيف يجب أن تكون العلاقة بين السلطات الثلات: التشريعية, والتنفيدية, والقضائية فى الحكومة الواحدة." وفى المقال الثانى قد تناولت البعد الثانى من توزيع السلطات والذى أطلقت عليه "التوزيع الهيكلى (أوالادارى) للسلطات." والذى عنت به الكيفية التى يتم بها الفصل بين الحكومات وتوزيع السلطات بينها. بمعنى لابد على كل دولة عصرية الاهتمام بالبعد الاقليمى (أوالجغرافى) والعمل على اثقان ادارته وحسن التعامل معه. أما فى هذا المقال فسوف يرتكز حديتى على البعد الثالت -- والاّخيرفى هذة السلسله -- من توزيع السلطات والذى سأطلق عليه أسم: "التوزيع الزمنى للسلطات." بمعنى هل يجب أختيار كل المسؤولين السياسيين فى وقت واحد أم يجب أنتخابهم فى أوقات مختلفة؟ فى نظرى ليس كفاية ان يكون هناك فصل وظيفى ما بين السلطات ولاحتى فصل وظيفى وجغرافى لهذة السلطات اذا لم يكن هناك فصل زمنى فى الكيفية التى يتم بها أختيار المسؤولين فى هذة السلطات. بمعنى اذا اردنا ان نحقق العدل والحرية فلابد من أعطاء فترات زمنية مختلفة للمسؤولين فى هذه السلطات حتى تعطى فرص أكثر للشعب لتأكد من عدم محاولة سيطرة مجموعة معينة على أمور الدوله دون رضاه. ولعله من المناسب هنا أن نسترشد بمجموعة من تجارب الاخرين الذين نجحوا فى هذا الشان وحققوا بذلك الاستقرار. ولعل التجارب الاربعة الاتية قد تودى هذا الغرض:

أولا: التوزيع الزمنى للسلطات فى النظام الامريكى

الرسم البيانى التالى رقم (1) يوضح هذة الدوائر الزمنية للسلطات المختلفة فى أمريكا..

هذا الرسم البيانى يوضح ان هناك أربع دوائر زمنية للسلطات الاربعة الرئيسية فى النظام الامريكى. هذة الدوائر الزمنية هى دوائر تابتة مع أختلاف مدتها الزمنية. فقد حدد الدستور الامريكى مدة أعضاء مجلس النواب بسنتين يحق للعضو اعادة ترشيح نفسه عند أنتهاء مدته, ومدة رئيس الجمهورية بأربع سنوات (يحق للرئيس اعادة ترشيح نفسه مرة وأحدة فقط وقد ثم هذا نتجة لتعديل الدستور عام 1951). أما بالنسبة لمجلس الشيوخ فان المدة الزمنية هى ست (6) سنوات ويحق للعضو اعادة ترشيح نفسه عند أنتهاء مدته. ويشترط الدستور أن يتم أنتخاب أعضاء المجلس فى ثلات مجموعات مثتالية. بمعنى يتم انتخاب ثلت اعضاء مجلس الشيوخ فى نفس الوقت فقط. أما بالنسبة للقضاة فانه يتم تعينهم لمدى الحياة. وطريقة تعيين القضاة هى عملية مشتركة بين رئيس الجمهورية الذى له حق ترشيح القضاة من جهة ومجلس الشيوخ الذى يجب ان يوافق على هؤلاء المرشحين لكى يصبحوا قضاة.

ثانيا: التوزيع الزمنى للسلطات فى النظام الفرنسى

الرسم البيانى التالى رقم (2) يوضح هذة الدوائر الزمنية للسلطات المختلفة فى فرنسى.

فى فرنسا هناك دائرتان زمنيتان لتوزيع السلطات المختلفة كما هو موضح فى الرسم البيانى رقم (2). فى الدائرة الاولى والتى مدتها خمس (5) سنوات يشترك فيها كل من رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب (أو الجمعية الوطنية). فأعضاء الجمعية الوطنية يتم أنتخابهم من قبل الشعب على أساس الدوائر الانتخابية. ويتم أنتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب ويمكن أعادة أنتخابه لمرة وأحدة فقط.


وفى الدائرة الثانيةوالتى مدتها تسع (9) سنوات يشترك كل من القضاة وأعضاء مجلس الشيوخ. ويتم أنتخاب مجلس الشيوخ عن طريق ممثلين عن الولايات وأعضاء الجمعية الوطنية. أما أعضاء المجلس الدستورى التسع فيتم تعيينهم عن طريق رئيس الجمهورية الذى يعين ثلت (3), ورئيس الجمعية الوطنية الذى يعين ثلت (3), ورئيس مجلس الشيوخ الذى يعين ثلت (3) أيضا.

ثالثا: التوزيع الزمنى للسلطات فى النظام البريطانى

فى النظام البرلمانى عموما يتم انتخاب مجلس النواب فقط. بعنى ان المؤسسة الوحيدة التى يختارها الشعب أختيار مباشر مجلس النواب. وعليه فمجلس النواب هو الذى له حق تشكيل (أو اعادة تشكيل) الحكومة. والرسم التوضيحى التالى يشرح المدة الزمنية لكل سلطة فى النظام البريطانى. والرسم البيانى التالى رقم (3) يوضح هذة الدوائر الزمنية للسلطات المختلفة فى بريطانيا.

فى هذا النظام (وفى النظام البرلمانى عموما) لاتوجد مدة ثابتة لدورة الانتخابات. وكل ما يشترطه قانون الانتخابات البريطانى هو ان يتم أجراء الانتخابات خلال خمس سنوات. وقد أجاز هذا القانون لرئيس الوزراء الى اجراء انتخابات جديدة متى أعتقد انه مناسب لذلك. ليس هذا فقط بل لايوجد حدّ أدنى الى عدد الانتخابات التى يمكن أن يدعو لها رئيس الوزراء. فعلى سبيل المثال فقد قام رئيس الوزراء البريطانى بالدعوة الى اجراء أنتخابات عامة مرتين عام 1974 (كيزلمن, 1996, ص75).

والحقيقة ان بريطانيا لا توجد بها ما يعرف بالمحكمة العليا كما هو الحال فى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الديمقراطية. ولا يوجد بها مجلس دستورى كما هو الحال فى فرنسا. والذى يوجد هو نظام قضائى معقد من المحاكم التى تترأسها محكمة أستئناف وهى عبارة عن لجنة من لجان مجلس الشيوخ. تتكون هذة المحكمة من خمس (5) قضاة يعينهم رئيس الوزراء ويستمروا فى مناصبهم حتى سن السبعين عام من العمر (وهى سن التقاعد), (ماكورمك, 2005, ص103). والذى يقوم بتعيين هؤلاء القضاة هو المستشار القانونى (الذى هو عضو من أعضاء مجلس الوزراء) أوعن طريق رئيس الوزراء بعد أستشارة المستشار القانونى. بمعنى هذة اللجنة هى فى الحقيقة لجنة سياسية أكثر منها قضائية.

رابعا: التوزيع الزمنى للسلطات فى النظام الالمانى

الرسم البيانى التالى رقم (4) يوضح هذة الدوائر الزمنية للسلطات المختلفة فى ألمانيا..

أن الانتخابات فى ألمانيا هى أنتحابات برلمانية بالدرجة الاولى. بمعنى أنه يتم أنتخاب مجلس النواب عن طريق الشعب فقط. ومجلس النواب يقوم باختيار الحكومة ويحاسبها ويستطيع عزلها متى شاء. ومجلس النواب فى ألمانيا يتم أنتخابة مرة كل أربع (4) سنوات. بمعنى يحق لرئيس الوزراء (المستشار) للدعوة لانتخابات جديدة قبل نهاية الاربع سنوات اذا أراد.

أما السلطة القضائية فى ألمانيا فهى تتجسد فى المحكمة العليا التى تتكون من ست عشر (16) قاضيا أغلبهم من المتخصصين فى القانون وفى العادة أغلبهم من أساتدة القانون أو من الرجال الذين مارسوا القضاء لسنوات عديدة. يعين نصف هؤلاء القضاة (8 قضاة) مجلس النواب, ويعين النصف الاّخر المجلس الفدرالى (مجلس الشيوخ) ويتطلب الموافقة على هؤلاء القضاة بأغلبية الثلتين (3/2) من أعضاء كل مجلس. وعندما يتم أختيارهم يتوقع من هؤلاء القضاة ان يكونوا محايدين وعادين. وكل القضاة يستمروا فى أعمالهم لمدة أثنى عشر (12) سنه غير قابلة للتجديد.

وهذة المحكمة هى أعلى سلطة فى البلد ولها حق مراجعة الدستور. بمعنى ان تفسيرها للدستور هو التفسير النهائى والذى يجب أعتماده فى كل أنحاء البلد وقد أطلق عليها الكثير من الباحتين فى هذا الشأن "أقوى مؤسسة قضائية فى أوروبا" (سودارو, 2001, ص518).

أما رئيس الجمهورية فى ألمانيا فهو غير منتخب من قبل الشعب ولكن يتم أنتخابة لمدة خمس سنوات من المؤتمر الفدرالى الذى يتكون من مجموع أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس الشيوخ وعدد مساوى لهم يمثلون الولايات. والرئيس "يرأس ولا يحكم." بمعنى هو مجرد رمز لرئاسة الدوله ويقوم بأعمال رمزية وتنسيقية بين المؤسسات الاخرى فى البلاد. ولعل أهم عمل يقوم به هو تعيين زعيم الكتلة (أو الحزب) الذى يتحصل على الاغلبية فى مجلس النواب على ان يشكل الحكومة الجديدة

أما فيما يتعلق بالمجلس الفدرالى (أو مجلس الشيوخ) فهو يتميز بمشاركة كل الولايات فيه. بمعنى ان هذا المجلس يمثل فى الحقيقة الولايات مباشرة. وبالتالى فان أعضاء هذا المجلس يتم أختيارهم من حكومات الولايات وأيضا بقاءهم يتوقف على رضى الموالين فى هذة الحكومات.

  الخاتمة

من المناسب هنا أن أختتم هذا المقال بالسؤال الذى أبتديت به: هل يجب أختيار كل المسؤولين السياسيين فى وقت واحد أم يجب أنتخابهم فى أوقات مختلفة؟ ولعل من أهم الاشياء التى يجب أستخلاصها من هذا العرض هو ان عملية الفصل بين السلطات فى الفترات الانتخابية هو الامر السائد فى كل الانظمة الديمقراطية المعاصرة. وان التأكيد على محاولة الفصل ما بين السلطات فى الفترات الزمنية هو امر ضرورى لاسباب عديدة لعل من أهمها عدم السماح الى أى قوى سياسية من السيطرة على كل مؤسسات الدولة فى فترة زمنية ( فترة أنتخابية) واحدة. أن تعدد الدوائر الزمنية للسلطات سوف يمكن الشعب من أن يتخد قراراته بأكثر عقلانية ومن ثم التأكد من ان أختيارات الشعب كانت على أقتناع وليس نتيجة لاى أسباب أخرى.

وأذا سلمنا بضرورة الفصل بين هذة السلطات, يبقى السؤال الذى يجب الاجابة عليه هو: ما هو النمودج الامثل (من النمادج الاربعة التى دكرتها أعلاه) الذى يمكن أعتمادة لحكم ليبيا المستقبل؟ وفى تصورى ان النمودج الالمانى (مع اذخال بعض التعديلات عليه) هو الانسب لنا اليوم. ولعل الرسم البيانى التالى رقم (5) يوضح الدوائر الزمنية المقترحة للسلطات المختلفة فى ليبيا.

هذا الرسم البيانى يوضح الاتى: (أ) يتم أنتخاب كل أعضاء مجلس النواب كل أربع سنوات على ان يمثل كل عضو دائرة أنتخابية واحدة ويحق للعضو اعادة ترشيح نفسه عند انتهاء مدتة. (ب) يتم أنتخابة رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات ويحق للرئيس اعادة ترشيح نفسه مرة وأحدة فقط . (ج) أما بالنسبة لمجلس الشيوخ فان المدة الزمنية هى ست (6) سنوات ويحق للعضو اعادة ترشيح نفسه عند أنتهاء مدته. ويشترط أن يتم أنتخاب أعضاء المجلس فى ثلات مجموعات مثتالية. بمعنى يتم انتخاب ثلت اعضاء مجلس الشيوخ فى نفس الوقت فقط. (د) أما بالنسبة للقضاة فانه يتم تعينهم لمدمة عشر (10) سنوات غير قابلة للتجديد. وطريقة تعيين القضاة هى عملة مشتركة بين رئيس الجمهورية الذى له حق ترشيح القضاة من جهة ومجلس الشيوخ الذى يجب أن يوافق على هؤلاء المرشحين (بأغلبية الثلثين) لكى يصبحوا قضاة. أنا أعتقد ان هذا الفصل الزمنى للسلطات فى ليبيا المستقبل سوف يقود الى الاستقرار ويقضى على الاستبداد وسوف يقود بأذن الله على بناء ليبيا الخير والامن والامان. وفى الختام هذا مجرد راى أعتقد أنه الصواب فمن أتى براى أحسن منه قبلناه.

فالى الامام ... و ... الله المستعان.

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________
المراجع :
1. Kesselman, Mark, el at (1996), “Comparative Politics at the Crossroads.” Toronto: D.C. Heath and Company.
2. McCormick, John (2004) “Comparative Politics. U.S.: Thomson: Wadsworth. 4/e
3. Sodaro, J. Michael (2001) “Comparative Politics: A Global Introduction>” Boston: McGraw- Hill>

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها