Saturday, November 01, 2025

البارا دايم* السـياســية من منظور إسلامي (2 من 5)

 

البارا دايم* السـياســية 

من منظور إسلامي

 

(2 من 5)

 

د. محمـد بالروين

 

حاولت في الجزء الأول من هذا المقال تسليط بعض الضوء

على معنى "البارا دايم السياسية الثانية"، وفى هذا الجزء

سأحاول مناقشة أهم أهدافها.

 

الأهـداف  

في اعتقادي يجب قيام "البارا دايم السياسية الثانية" لتحقيق أهداف عظيمة وسامية لأمتنا الإسلامية وذلك بتحديد طرق جديدة للتفكير، وأساليب عملية للممارسة، وأطر نظرية في التحليل، وفرضيات علمية للبحث والاكتشاف. ولعل من أهم الأهداف لتحقيق ذلك الآتي:

 

العدالة + الاختيار + الشورى + التعاون

 

 

أولاً: العـدالة

الهدف الأول الذي يجب أن تسعى 

 البارا دايم السياسية الثانية

لتحقيقه هو

 

العدل مع كل الناس وفي كل شيء.

 

وذلك لأن العدل أساس الملك، وهو في أبسط معانيه:

 

"الإنصاف ووضع الأشياء في مكانها وفي الوقت المناسب لها".

 

من هذا الفهم أجمع العلماء والفقهاء على إن قيمة العدل هي "غاية الغايات" في الحكم، وضروري في كل شيء، وواجب مع كل الناس حتى الأعداء منهم. يقول تعالي "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" (النساء, 58).

   

 ويقول الأمام ابن تيمية بأن هذه الآية تُحدد وظيفة السلطة في الاسلام بـ "الأمانة والعدل" وفي هذا الصدد يقول

 

"... إذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل  

فهذان جِماع السياسة العادلة والسياسة الصالحة"

(أبن تيمية، ص 5).

 

 

والجميل في هذه

 الآية أنه لا يوجد بها أي استثناء فهي نص صريح على الرفض المطلق لكل أنواع الظلم الذي  

يُعرفه اللغويون على أنه:

 

"وضع الشيء في غير موضعه المختص به – أما بنقصان أو بزيادة وأما بعدول عن وقته أو مكانه"

 

ولهذا نجد رسولنا ﷺ يقول:

"لا تزال هذه الأمة بخير ما أذا قالت صدقت،

وإذا حكمت عدلت،

وإذا استرحمت رحمت"(راجع: الريس، 1967، ص 282).

 

وفي مسند الأمام أحمد نجد إن النبي ﷺ يؤكد لنا أن: "أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغضهم إليه إمام جائر" (أبن تيمية، 1983، ص 23).

 

ولعله من المناسب هنا لتوضيح مكانة العدل في الفكر الإسلامي الاستدلال بــ:

 

 

(أ)

ما قاله رسولنا ﷺ عن حزب الفضول الذي  

إشترك فيه قبل الإسلام والذي ثم عقده في أعقاب ما عرف في التاريخ بحرب الفجار

هذا الحزب الذي يصفه ابن سعد بأنه أشرف حلف كان قط ... وقد:

 

"تعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يرجع اليه حقه"

 .

وقال الرسول في هذا الحلف "ما أحب ان لي حلف حضرته في دار عبد الله بن جدعان ... ولو دُعيت به في الاسلام لأجبت" (للمزيد راجع: خليل، ص 42). 

إن كل قارئ لهذا الحلف يجد إن أهم مبدا تمسك به المجتمعين هو تعاهدهم 

"... على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه 

وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته"(للمزيد راجع: سيرة الإسلام).

 

 

(ب)

 أما الحادثة الثانية على الاستدلال بقيمة العدل في الحكم - ولعلها من أطرف القصص في التاريخ الإسلامي - هي قصة ما يمكن أن نطلق عليها عنوان:

 

"متى استعبدتم الناس"

 

تقول هذه القصة بأنه قد جاء "مصري إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يشكو إليه عمرو بن العاص 

الذي كان وأليا على مصر، وقال له: إن عمرا أقام سباقا للخيل، 

فأقبله فرس المصري في المقدمة، فحسبها محمد بن عمرو بن العاص فرسه، 

فلم تبيّن الحقيقة غضب ووثب علي المصري يضربه بالسوط ويقول له: 

 

"خُدها من أبن الأكرمين".

 

فذهب المصري إلى أمير المؤمنين شاكيا. فستدعى الخليفة عمر بن العاص وأبنه محمدا من مصر. 

فلما حضرا أستدعى المصري وناوله الدرة وقال له: دونك الدرة فأضرب بها أبن الأكرمين. 

فضرب المصري ابن عمرو بن العاص حتى أتخنه، 

تم قال له عمر: أجلها على صلعت عمرو. فوالله ما ضربك أبنه إلا بسلطانه 

فقال المصري. يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني. 

فقال عمر: أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه. 

تم ألتفت إلى عمرو بن العاص وقال له قولته الخالدة: 

 

"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"

(للمزيد راجع: أنور الجندي، ص 16-17).

 

 

من هاتين القصتين يمكن استخلاص إن العدل هو جِماع السياسة الإسلامية وهدفها الرئيسي والأساسي وإن الحكم بالشريعة الإسلامية لا يمكن أن يتحقق إلا أذا قام على العدل، فإذا غاب العدل في أي نظام سياسي لا يمكن أن نطلق عليه صفة الإسلامية مهما أدعى ذلك.

 

 

ثانياً: الاختيار

أما الهدف الثاني الذي يجب على "البارا دايم السياسية الثانية" الانطلاق منه هو: السعي إلى تحقيق 

 

"حق الناس في اختيار من وما يشاؤون

 

وخصوصا حقهم في اختيار الكيفية التي يرغبوا أن يحكموا بها أنفسهم. فاذا سلمنا بأن العدل هو اساس الملك فإن حق الاختيار هو نقطة البداية.

انطلاقا من هذا الفهم واستنادا على هذا المبدأ رفض الإمام مالك رحمه الله عرض الخليفة الرشيد أن يُلزم الناس بمذهبه في الفقه ونهاه عن القيام بذلك، إدراكا منه لمخاطر التقليد والقضاء على روح الإبداع في الأمة واحتراما لمبدأ الاختيار. ومن جهة أخرى، نجد الإمام الشافعي رحمه الله يقول لتلميده وأتباعه

 

"إذا صح خبر يخالف مذهبي فاتبعوه

       ، واعلموا أنه مذهبي".

 

ويقول لهم أيضا: 

"إذا ذكرت لكم ما لم تقبله عقولكم فلا تقبلوه فان العقل مُضطر إلى قبول الحق" 

(للمزيد راجع: هويدي، 1982، ص 43).

 

 

ثالثاً: الشـوري

أما الهدف الثالث الذي يجب أن تسعي "البارا دايم السياسية الثانية" لتحقيقه هو 

  

"مبدأ تطبيق الشورى التطبيق الصحيح"،  

 

وذلك لأنها أصل من أصول الحكم، والآلية التي يتم بها تحقيق العدل في المجتمع. والمقصود هو تطبيق حق المشاورة وتشجيع الناس على المشاركة في اتخاد القرارات في الدولة انطلاقا من قول الله تعالي "وأمرهم شورى بينهم"، وقوله أيضا "وشاورهم في الأمر." والمشاورة هنا تشمل كل أمر يتعلق بشؤون الناس ولم يرد فيه حكم صريح. والشورى كآلية سياسية هي شرط ضروري ومُلزم لنجاح الحكم وذلك لأنها من أهم الآليات التي من خلالها يتم ممارسة حق الاختيار وتحقيق العدل بين الناس.

 

 

 في هذا الصدد يقول الإمام محمد عبده رحمه الله بأن "الجمهور أبعد عن الخطاء من الفرد في الأكثر. والخطر على الأمة في تفويض أمرها إلى الرجل الواحد أشد وأكبر. فكان نبينا ﷺ يستشير أصحابه ويرجع عن رأيه الي رأيهم" (للمزيد راجع عنبر, 1979). 

 

ويروى عن الإمام الحسن البصري أنه قال في هذا الصدد: "أفسد أمر هذه الامة إثنان:  

عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف،

والمغيرة بن شعبة

  حين أشار على معاوية بالبيعة ليزيد،

ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة" (للمزيد راجع: الريس، 1979، ص 83).

 

 

رابعاً: التعـاون

أما الهدف الرابع الذي يجب أن تسعي "البارا دايم السياسية الثانية" لتحقيقه هو تشجيع الدول الإسلامية وشعوبها على التعاون مع بعضها البعض. فإلى جانب مبادئ العدل والاختيار والشورى لابد من الإيمان بمبدأ التعاون، وذلك لاعتباره أساس الحياة الاجتماعية في الدول، ومؤشر نجاح علاقاتها الخارجية. يقول تعالى في هذا الصدد:

 

"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" 

(المائدة, 2).

 

 

في الجزء الثالث من هذا المقال

سأحاول، بأذن الله، تسليط بعض الضوء

على أهم "مبادئ" البارا دايم السياسية الثانية.

 

يتبع...

 

 

والله المستعان.

 

=========

المراجع  

* البارا دايم هي مصطلح سياسي ليس له مرادف دقيق في لغتنا العربية، وعليه ومن باب تحرى الدقة في التعبير حاولت استخدامه كما هو.

 

د. محمد ضياء الدين الريس. "النظريات السياسية في الاسلام" الطبعة الرابعة , 1967 , دار المعارف، ص 282.

 

د. محمد ضياء الدين الريس. "النظريات السياسية الإسلامية." دار التراث. الطبعة السابعة , 1979

 

الامام تقي الذين أبو العباس أحمد بن تيمية "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية. دار الافاق الجديدة – بيروت، الطبعة الاولي , 1983 ص 23.

 

د. عماد الدين خليل، " دراسة في السيرة." دار النفائس. الطبعة الثالثة، ص 42.

 

أنور الجندي. "العدالة الاجتماعية في الاسلام" كتابك (20). ص 16-17

 

فهمي هويدي "القرآن والسلطان: هموم اسلامية معاعرة" دار الشروق. الطبعة الثانية. 1982.

 

الإستاد محمد عبد الرحيم عنبر "نحو تورة إسلامية. 1979 "

 

سيرة الاسلام: حلف الفضول.

http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=hes1153.htm

 

 

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها