Tuesday, May 24, 2022

من رعايا الي مواطنين

 من رعايا الي مواطنين:

تحديات الانتقال من "عقلية الرعية" الي "عقلية المواطنة"

د. محمد بالروين

عندما يتامل المرء فيما يدور حوله هذه الايام, في المشهد السياسي الليبي, لا يملك الا ان يسال نفسه, هل نحن مواطنون أم رعايا؟ وهل وصلنا الي دولة المواطنة, اما انها لاتزال مجرد شعار من الشعارات الجوفاء التي ترددها النخب الحاكمة لتخدير ابناء الشعب البسطاء والتظاهر بانها مثقفة؟  وما الفرق بين "دولة الرعايا" و "دولة المواطنة؟" لكي نعرف الاجابة علي هذه الاسئلة, لعله من  المناسب, التفريق بين مصطلحي: الرعايا والمواطنون.

اولاً: الرعايا                                                                                               

هم ابناء الشعب المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وليس لهم كيان مستقل في الحقوق عن هوى الحاكم وظلمه واستبداده, ويتجنبوا الخوض في اي أمور سياسة. بمعني, هم ابناء الشعب الذين لا مشاركة لهم في الحكم، ولا ضمانات دستوري للحقوقهم، ولا اعتبار لأرأيهم وحاجاتهم وتوجهاتهم. وان مفهوم الدولة التي يعيشون فيه, يعني بالنسبة لهم دولة الحاكم بامره, سوي ان سُمى هذا الحاكم نفسه قائدا او سلطانا او زعيما أو أميرا أو ملكا أو شيخا أو إماما أو رئيسا. وهو الذي وصل الي مكانته ليس بالانتخابات, ولا بالتعيين, ولا بالاختيار, وانما بالغلبة والقوة والتسلط, وليس مطلوب من هؤلاء الرعايا الا تنفيذ أوامره وطاعته والاستماع له في كل شيء, وعدم الخروج عليه, والولاء المطلَق لحُكمه.

بمعني آخر, الحاكم ودولته بالنسبة للرعايا ليست مجرد حكومة أو نظام سياسي فقط, وإنما هو كل شيء في الدولة, ولا وجود حقيقي لهم خارج هذا الايطار الذي يعتبر لهم الحل الشامل والمرجعية النهائية في تحديد اهدافهم وحقوقهم وواجباتهم, وبالتالي فالرعايا يحملون جنسية دولة الحاكم بامره, ويتمتعون بالحقوق التي يمنحها لهم, وان حريتهم مرتبطة بمشيئته. وبالتالي علي الرعايا تجنب الخوض في اي أمور سياسية، وإذا حاولوا ان يجادلوه أو يثوروا عليه، استخدم ضدهم كل ما يملك  من قوة لقطع دابرهم بالسجن والتنكيل لإصلاح اعوجاجهم واستردادهم (ان استطاع) إلى حظيرة الطاعة التي يملكها لوحده لتحقيق اطماعه.

ثانياً: المواطنون

اما المواطنون فهم أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية دون تمييز بينهم. فالمواطنة مصطلح يرتكز علي مجموعة من القيم والمبادي لعل من اهمها: حرية الاختيار, والمساواة السياسية, وتكافؤ الفرص, والمشاركة في اتخاد القرار, والمسئولية الاجتماعية, والتوزيع العادل للثروات, والمرجعية القانونية.

 

بمعني المواطن هو انسان حر، مستقل في قراراته ومشاركته في الحياة السياسية، وما الحاكم الا مجرد خادما أو راعيا لحقوقه. بمعني المواطن هو سيد النظام السياسي وليس عبدا له, وولاءه لما يؤمن به وليس لمن يترأس النظام السياسي في دولته. بمعني اخر, كل مواطن في الدولة حر ومسؤول, وعليه واجبات وله حقوق, ويمتلك حق صناعة مستقبله وتقرير مصيره, وكل ذلك تحت سقف سيادة الشعب وقوانين الدولة. ولعل الجدول (1) الاتي يوضح اهم الفروق بين المواطنون والرعايا.

 

الخلاصة                                                                                          

بناء علي ما ذكرته اعلاه, يمكن القول أننا كليبيين قد كنا خلال الفترة من 1969 الي 2010, ضحايا لذهنية نخبوية مستبدة واقصائية وظالمة انتجت "عقلية الرعية." وبالرغم من ان الشعب الليبي قد انتفض علي تلك الحقبة في ثورة 17 فبراير2011 , واسقط النظام المستبد, الا انه للأسف الشديد لم يستطيع حتي الان تحقيق دولة المواطنة التي حلم بها وثار من اجلها المواطن الصادق البسيط! وان النخب التي تسيطرت علي المشهد السياسي مند قيام الثورة لا تزال مُفلسه وحائره وعاجزة علي تعريف نفسها وتحديد موقعها علي الخارطة السياسية, وقامت بإستغلال سلبية الشعب وصبره.

ان التحدي الرئيسي الذي يواجه النخب السياسية هذه الايام هو كيف يمكن الانتقال من هذه الحالة المأسوية اي "عقلية الرعية" الي "عقلية المواطنة؟" وماهي القرارات والخطوات التي يجب اتخاذها, لتغيير هذه الذهنية الاستبدادية واستبدالها بذهنية وطنية حرة ديمقراطية وعادلة؟

في اعتقادي المتواضع, ان بداية الحل تكمن في السعي نحو بناء نظام حر ديمقراطي لامركزي وعادل, يكون فيه الانسان هو البداية,...  وهو الوسيلة,...  وهو الهدف. بمعني يكون فيه الانسان هو بداية الانطلاق, وهو الوسيلة لإعادة البناء وإعمار الدولة, وهو الهدف لتحقيق التنمية والسعادة والحلم الوطني المنشود. بمعني أخر, ضرورة السعي الجاد لتحقيق نظام سياسي يعيش فيه الليبيون جميعا احراراً وأعزاء وكرماء في وطنهم, ولا يحق لاي مسؤول - مهما كانت مكانته - أن يستهتر بحقوقهم ومطالبهم وحاجاتهم.

وعليه علي المواطن الكريم ان يدرك بان المخاض عسير, والمعركة من اجل التحول الى دولة المواطنة صعبة, والطريق طويل ويحتاج الي جهدٍ وصبرٍ كثير, وان يعي ان عقلية الرعية التي تمارسها النخب الحاكمة هذه الايام لن تستطيع الوصول الي دولة المواطنة التي يحلم بها. وعليه ان يدرك ايضا إن مجرد وجود دولة ودستور وقوانين مكتوبة لا يعني تحقيق دولة المواطنة. وعليه ان يدرك بانه طالما ظل الشعب سلبي ولا يدركون قيمة استقلاليته وكفاءته وقدراته العقلية والذاتية,  وطالما استمرت هذه النخب المتصدرة  للمشهد السياسي مُستهترة في تصرفاتها, ومُعتمدة علي سلوكياتها القديمة وانتماءتها القبلية والجهوية والعرقية, فحتما سيظل الشعب الطيب المُغيب مجرد رعايا لا مواطنين مهما رفعت هذه النخب من شعارات.

وفي الختام, تبقي هذه الاسئلة - هل في الامكان تحقيق ما يحلم به ابناء الشعب في اسرع وقت ممكن؟ وهل في الامكان التخلص من "عقلية الرعية" والعمل علي ترسيخ "عقلية المواطنة؟" هي الاسئلة التي تتطلب من الجميع مناقشتها ومحاولة الاجابة عليها, ويبقي المستقبل هو الحَكم والوطن هو الحلم,  ولن يكون هناك خيار امام المواطن الا العمل لكي يصبح المستقبل وطن.

أخيرا يا احباب، لا تنسوا ان هذا مجرد راي،

 فمن أتي براي أحسن منه قبلناه،

ومن أتي براي يختلف عنه احترمناه.

والله المسـتعـان.

أخر مقالات نشرتها