Tuesday, November 15, 2011

من مفهوم الهندسة السياسية ( 2 من 2 )

من مفهوم الهندسة السياسية ( 2 من 2 

حاولت فى الجزء الاول من هذا المقال تسليط بعض الضوء على مفهوم ومتطلبات وأنواع الهندسة السياسية. وفي هذا الجزء الثاني والآخير سأحاول مناقشة أهم أساليبها وأبعادها.

"رابعا" الاساليب
لعل من أهم أساليب تطبيق الهندسة السياسية الاتى:

1. الانقلابات:
يمكن إعتبار الانقلابات العسكرية من أهم وأشهر الوسائل التى استخدمتها النخب العربية فى النصف الآخير من القرن العشرين من أجل تغيير الخارطة السياسية واعادة هندسة مجتمعاتها. فقد كان اول انقلاب وقع فى الدول العربية على سبيل المثال هو الذى وقع فى سوريا عام 1948 بقيادة حسنى الزعيم. "وبالرغم من المكانة العالية التى كان شكرى القوتلى حاكم سوريا فى تلك الفترة يحظى بها سواء فى وطنه او بين الدول العربية الاخرى الا ان ذلك لم يمنع الشعوب العربية من استقبال الانقلاب واستيلاء الجيش على السلطة فى سوريا بالترحاب" (من كتاب: حزب مصرى حر.عبد اللطيف غزالى, ص 18). وكانت نتيجة نجاح هذا الانقلاب فى سوريا ان تشجع العسكريين والنخب فى الدول العربية الآخرى لتقليد ما حدت ومحاولة إستخدام هذا الاسلوب لإحدات التغيير. وتقليدا لذلك الانقلاب قام العسكر فى الوطن العربى فى الفترة ما بين 1952 و1980 بأكثر من سبعين محاولة إنقلاب نجحوا فيها باسقاط عشرين نظام حكم فى عشر دول عربية ولكنهم فشلوا وللأسف الشديد فى تأسيس دولة عصريه واحده.

2. الثورات

أما الاسلوب الثاني للقيام بالهندسة السياسية فهو الثورات. بمعني لقد قامت بعض الشعوب بمحاولة إعادة هندسة دولها بإستخدام هذا الاسلوب. والمقصود بالثورة هنا هو محاولة القيام بتغييرات جدرية وجوهرية وشاملة فى طرق تفكير وكيفية تصرف الجماهير فى مجتمع ما. ولعل خير مثال على ذلك هو الثورة الفرنسية (1791) , والثورة البلشيفية (1917) , والثورة الصينية (1949) , والثورة الايرانية (1979). كل هذه الثورات قامت بإحدات تغييرات جدرية وجوهرية ونتج عن ذلك إعادة تشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية فى بلدانها.

3. التدخلات:
أما الاسلوب الثالث للقيام بالهندسة السياسية فهو التدخلات الخارجية فى شؤون دولة ما. ولعل خير مثال على ذلك هو تدخل الولايات المتحدة فى شؤون العراق آخيرا وتغيير نظام حكمها عام 2003. وأيضا ما حاولت (ولا تزال تحاول) الولايات المتحدة الامريكية , وخصوصا مند عام 2000 , فرضه على الدول العربية تحت شعار "الشرق الاوسط الجديد" والذى كان الهذف الاساسي والوحيد منه هو فرض الهيمنة والسيطرة الامريكية الكاملة على المنطقة وجعلها تقبل بسياسة الامر الواقع وخصوصا القبول بوجود دولة إسرائيل على الارض الفلسطينية. وقد سعي الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية تحقيق هذا الهدف بإستخدام العديد من الوسائل لعل من أهمها: (أ) تصفية وإنهاء ثقافة المقاومة وخصوصا فى فلسطين ولبنان. (ب) التخلص من أنظمة الحكم التى تبنت سياسيات ما يعرف بالممانعة ورفض التدخلات الغربية فى سياسات المنطقة. (ج) العمل على تغيير المناهج التعليمية والأوضاع الثقافية فى المنطقة. و(د) الضغط المباشر والعلني على الحكام العرب الذين صنفتهم أمريكا بـــ "المعتدلين" وأمرهم بالجهر بولاءتهم للسياسات الغربية وتبنيها.

"خامسا" الابعاد:
لعل من أهم أبعاد الهندسة السياسية والتى يجب على كل مجتمع يريد أن ينهض ان يهتم بها الاتى:

(1) الفكري:
يمكن إعتبار البعد الفكري من أهم أبعاد الهندسة السياسية. ولعل خير مثال على ذلك هو إستخدام فكرة "الدستورية" فى كيفية السيطرة على الشعوب وإحتواء المعارضة. بمعني إن وجود دستور (أوغيابه) فى اى بلدهو الذى يحدد مؤشرات النجاح أوالفشل فى كل عملية هندسة سياسية. وبمعنى لكى تنجح عملية الهندسة السياسية فى دولة لابد من وجود دستور ولابد ان يكون هذا الدستور فى تناسق وتكامل مع كل مكونات المجتمع الآخرى , ولابد من مشاركة أبناء الشعب وإعطاءهم كامل الحرية فى إختيار الدستور الذى يريدون. وأذا لم يتحقق هذا الشرط فسوف لن تتحقق أهذاف الهندسة السياسية الحقيقية وسيكون مصيرها النهائي الفشل. ولعل خير مثال على ذلك هو فشل عملية الهندسة السياسية التى قامت بها الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية فى اليابان. لقد أثبتت هذه التجربة كيف ان عملية الهندسة السياسية قد تؤدي الى انهيارات مكلفة وفى كثير من الاحيان الى نتائج عكسية اذا لم تطبق بصورة علمية وصحيحة. لقد قامت الولايات المتحدة بعد انتصارها فى الحرب العالمية الثانية عام 1945 بمحاولة إيعادة تصميم وتشكيل الدولة اليابانية عن طريق إستخدام الدستور وفرض أفكار وآليات ومؤسسات غير معروفة قبل ذلك الوقت فى المجتمع الياباني وكانت ايضا غريبة على تقافته وتاريخه. لقد أتى الامريكيين الى اليابان وهم على إقتناع بان المؤسسات والقوانين وحدها قادرة على تغيير سلوك وتصرفات المواطنيين فى اى دولة. ومن هذه القناعة إنطلقوا فى تغيير دور ووظيفة كل المؤسسات التقليدية وقاموا بسن مجموعة من القوانين لفرض الثقافة الغربية وتحديدا الامريكية على الشعب الياباني. والحقيقة ان كل باحت موضوعي يستطيع أن يستنتج بأن اليابان اليوم وبعد أكثر من ستين (60) سنة من تطبيق هذه النوع من الهندسة السياسية قد حقق نجاحات باهرة وتفوق رهيب فى كل المجالات ولكن عكس كل ما خطط له المهندس الامريكي الذى كتب لهم الدستور لغرض إضعافهم وتغريبهم.

(2) الجغرافي:
يعتبر إستخدام الجغرافيه السياسية للتفريق بين الدول والسيطرة على الشعوب من اهم الابعاد الاساسية للهندسة السياسية. ولعل خير مثال على ذلك هو إستخدام الدول الاوربية فى اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لفكرة "الفصل بين الساحل والداخل" فى السيطرةعلى الدول والشعوب. ولعل من أحسن الامثلة على هذه النوع من الهندسة هو: (أ) الخريطة الجغرافية لدولة تشيلي فى جنوب أمريكا والكيفية التى تم بها تكوين هذه الدولة. لقد تم تأسيس دول تشيلي خلال الاستعمار الاسباني لتلك المنطقة. وجمهورية تشيلى اليوم هى عبارة عن المناطق الساحلية لأمريكا الجنوبية وتعتبر اطول دولة فى العالم اّذ يقدر طولها بحوالى 4828 كيلومترا. وما أن تحصلت تشيلي على استقلالها من أسبانيا عام 1818 حتى حاولت الدول المجاورة لها السيطرة عليها وكان نتيجة ذلك دخول تشيلي فى حروب دامية ومكلفة لسنوات عديدة مع جيرانها. (ب) أما المثال الثانى على إستخدام الهندسة السياسية جغرافيا فهو قيام ما يعرف اليوم بجمهورية الصومال. ان هذه الدولة هى فالحقيقة نتاج لصراع الدول الغربية وخصوصا بريطانيا وايطاليا وفرنسا حول ما يعرف بالقرن الافريقى والعمل على حرمان شعوب المنطقة الذين يعيشون فى الداخل من المنفد البحرى. (ج) أما المثال الثالث فهو العملية التى ثم بها فصل الساحل عن الذاخل فى جزيرة العرب وذلك بفصل ما يعرف اليوم بالسعودية والتى ثمتل منطقة الداخل عن الساحل المثمتل فى دول الكويت والبحرين وقطر والامارات وعُمان واليمن. لقد قامت الدول الغربية بقيادة بريطانيا فى القرنيين الثامن والتاسع عشر باتباع هذه الاستراتيجية من اجل الهيمنة والسيطرة على ثروات الشعوب. وقد حققت هذه الدول بذلك نجاحات كبيرة خصوصا عندما كانت البحار والمحيطات هى أهم المنافد فى الاتصال بين الدول والقارات -- إى قبل إختراع وإستخدام الطائرات. (د) أما المثال الرابع على إستخدام الهندسة السياسية جغرافيا هو الكيفية التى ثم بها تكوين ما يعرف اليوم بدولة لبنان. يقول الشيخ فتحى يكن رحمه الله فى كتابه (المسألة اللبنانية من منظور اسلامي) حول هذا الموضوع: "... فى سنة 1920 أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير فى حين كان لبنان حتى عهد الأنتداب الفرنسى جزءا من سوريا ... وفى سنة 1924 أصدر المستعمر الفرنسى قرارا جزّأ بمقتضاه بلاد الشام حيث أعطى المواطنين حرية اختيار الجنسية اللبنانية أوالسورية. وبهذا القرار تكوّن الكيان المصطنع وتكوّن بالتالى شعب لبنان, بعد ان فصل عن الجسم الكبير ليعيش هذه التجربة الجديدة! ودولة لبنان هذه تضم الجبل الذى يشكل بأكثريته الطائفة المارونية, والساحل والبقاع اللذين يتشكلان بأكثريتهما من المسلمين. ولقد قامت معارضة عنيفة من سوريين فى وجه هذا الإجراء, إلا أنها تلاشت بعد البروتوكول الذى صدر فى الاسكندرية والذى أقرت فيه الدول العربية حدود لبنان وكيانه الجديد عام 1944" (يكن , 1979 , ص 15 – 16). ولعل من أهم أهداف هندسة دولة لبنان بهذا الشكل هو تقسيم الوطن العربي والتأكيد على فرقتة وإستمرارية نفود وهيمنة الغرب فى المنطقة. وكنتيجة لهذه الهندسة سوف تبقي لبنان دولة تحكمها الاقلية أوكما وصفها السيد صائب سلام عام 1950 على إنها "بلد ... لا غالب ... ولا ... مغلوب." و(ه) أما المثال الخامس والآخيرعلى إستخدام الهندسة السياسية جغرافيا هو ما قامت به الدولة الليبية عام 1963 من تغيير الخارطة السياسية من دولة تأسست على أساس الولايات الى دولة تديرها وحدات إدارية (عرفت بالمحافظات). لقد نص دستور 1951 للمملكة الليبية 1950 على أن تكون: "ليبيا دولة ديموقراطية، فدرالية، ذات سيادة ...." وقد ثم الاتفاق على ان يكوين نظام الحكم فدرالي يقوم على أساس الولايات الثلاث: برقة وطرابلس وفزان. ولكن بعد حوالي إثني عشر (12) عاماً من هذا الحكم، تم تعديل الدستور وفقاً للقانون رقم 1 لسنة 1963، ونتج عن هذا التعديل إعادة صياغة المادة (176) من الفصـل العاشر، المعنون بــ "الإدارة المحلية" من الدستور، لتقرأ كالآتي: "تقسم المملكة الليبية إلى وحدات إدارية، وفقا للقانون الذي يصدر في هذا الشأن، ويجوز أن تشكل فيها مجالس محلية، ومجالس بلدية، ويحدد القانون نطاق هذه الوحدات، كما ينظم هذه المجالس." وكنتيجة لهذا التعديل، تم إعادة تقسيم ليبيا إلى عشر (10) محافظات بدلا من ثلاث ولايات. وفى إعتقادى إن هذه الهندسة الجديدة قد ساعدت على إضمحلال النزعات الجهوية والقبلية. وكانت أيضا سبب فى ان تكون ليبيا أكثر تلاحم وإتحاد وأن يكون شعبنا الليبيى أكثر تقارب وتعاون (للمزيد من الشرح راجع: بالروين , 2007).

(3) المؤسسي

لعل خير مثال على إستخدام هذا البعد هو فكرة الجامعة العربية. لقد كان الهدف الاساسي من وراء تكوينها بهذا الشكل وفى ذلك الوقت (أي فى عام 1945) هو تمييع فكرة الوحدة العربية وتفريغها من محتواها. لقد قامت بريطانيا بالعمل على تجميع هذه الدويلات فى كيان لا يمكن ان يتم فيه الاتفاق على اى قضية أساسية ولا على اى عمل جاد. وذلك بتشجيع هذه الدول على تبنى الاجماع كآلية لأتخاد القرارات. بمعنى ان فكرة جامعة الدول العربية بالصورة التى عليها الان لم تكن الابن الشرعي للشعب العربي الذى كان يحلم بان يكون له دولته الموحدة من الخليج الى المحيط. هذا الحلم الذى دفع بالعرب - وخصوصا عرب المشرق - بمحاربة إخوتهم المسلمين والمطالبة بالانفصال منهم وإعلانهم ما عرف "بالثورة العربية" بزعامة الشريف حسين بعد ان وعدته بريطانيا بان يكون أول زعيم للدولة العربية الموحدة. ونتيجة لهذه العهود قام الشريف حسين بالتحالف مع الانجليز وحماية مصالحهم فى حربها ضدّ الدولة العتمانية - أوما عرف حينداك بدولة الخلافة - مما قاد الى سقوطها وسيطرت الانجليز والفرنسيين على المنطقة.

وما ان هيمن الانجلير والفرنسيين على المنطقة حتى ظهرت ألمانيا النازية تهدد مصالحهما مرة آخرى وتعلن بداية الحرب العالمية الثانية. ونتيجة لتخوف بريطانيا من تحالف مستعمراتها العربية مع الالمان قامت بوعد قادة العرب مرة آخرى بالاستقلال بعد نهاية الحرب والعمل على توحيدهم. ولكى تتبت بريطانيا مصداقيتها هذه المرة قدمت مشروع ما يعرف اليوم بالجامعة العربية. وكان أول من نادى بهذا المشروع هو وزير خارجيتها أنتوني إيدن عام 1941. وفى هذا الصدد يقول الاستاد أحمد الرشيدي فى مقال له بعنوان الجامعة العربية: 55 عاما على طريق العمل العربي المشترك "... بأن بريطانيا كانت هي القوة الدولية الكبرى التي اضطلعت بدور مهم في مجال الإعداد لإنشاء جامعة الدول العربية، وذلك تحقيقا لأهداف سياستها - أي بريطانيا - في المنطقة وقتئذ. فقد كانت تصريحات المسؤولين البريطانيين حول مسألة الوحدة العربية والمشاريع التي كانت مطروحة في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين بقصد تحقيق هذه الوحدة بمثابة الضوء الأخضر للعديد من القيادات العربية لبدء سلسلة من الاتصالات الثنائية والجماعية ولتنظيم عدد من المشاورات لدراسة فكرة إقامة تنظيم عربي واحد يجمع شمل الأقطار العربية...." (الرشيدى , 2009).

وعندما نادى الوزير البريطاني أنتونى إيدن فى أول الامر لم يستجب له أحد وذلك لان أكثر حكام الدول لم يصدقوا ما يقوله الوزير نتيجة لعدم وفاء بريطانيا بعهودها السابقة. ولكن الوزير إستمر فى الدعوة وفى عام 1943 أصدر بيان آخر يدعو فيه العرب الى إنشاء جامعة الدول العربية. وفى هذه السنه "طُلب من الوزير المصري مصطفى النحاس - وكانت مصر تحت الاحتلال الانجليزي - أن يتبنى الفكرة وكان رئيساً للوزراء، وبالفعل بعد شهر من مناداة إيدن طلب الوزير المصري الدول العربية لتبني مشروع جامعة الدول العربية وتمت المشاورات بين قادة العرب ..." (الجزيرة نت, 2009). وفي 7 من أكتوبر 1944 عقدت اللجنة التحضيرية اجتماعًا في الإسكندرية اختتم بإصدار ما يعرف "بروتوكول الإسكندرية" الذي إنشاء جامعة الدول العربية. وفي 22 من مارس 1945 وقّعت كل من مصر والسعودية والأردن والعراق ولبنان وسوريا واليمن على هذا الميثاق. ولعل من أهم معالم الهندسة السياسية لهذه الفكرة الاتى:

(1) رفض فكرة الدولة العربية الواحدة أو اى آلية تقود اليها. فقد "برزت خلال المؤتمر عدة إتجاهات أهمها اتجاه لتكوين وحدة تضم عددًا من الدول في دولة واحدة تسمّى سوريا الكبرى، وبرز اتجاه آخر يرى ضرورة توحيد دول الهلال الخصيب في دولة واحدة، وكان هناك اتجاه ثالث يرى إيجاد جامعة تضم جميع الدول العربية المستقلة حينذاك وتكريس التعاون بين هذه الدول، دون أن تفقد سيادتها واستقلالها"(جامعة الدول العربية , 2009).

(2) تبنى أليه للتصويت في مجلس الجامعة يؤكد مبدا الاجماع فى أتخاد القرارات. إذ تنص "المادة السابعة من الميثاق على أن ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزما لجميع الدول المشتركة في الجامعة وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله. غير أن الميثاق لا يشترط الإجماع في كل الحالات المعروضة لأن الإجماع غير مطلوب إلا عند اتخاذ التدابير اللازمة لدفع العدوان على إحدى دول الجامعة أوعند اتخاذ قرار حول فصل أحد الأعضاء من الجامعة" (الجزيرة نت, 2009).

والخلاصة ان بهذه الهندسة السياسية أستطاعت بريطانيا أن تجمع الدول العربية حولها وأن تحقق هذفها القائم على مبدأ "تجميع العرب من أجل تفريقهم." بمعني لقد إستطاعت بريطانيا ان توفر للعرب مؤسسة يجتمعوا فيها ولكن لن توحدهم ولن تسهل لهم الاجماع على اي شىء مهم ومفيد لهم. ومن ذلك الحين تحول حلم الوطن العربي من أمنية يريدها كل العرب الى مجرد تعبير جغرافي أكثرمنه وطن حقيقي. وكنتيجة لهذه السياسة الخبيته ماتت هذه الفكرة قبل أن تولد. ليس هذا فقط بل وللأسف الشديد تحولت هذه الفكرة اليوم الى مجرد شعار وربما نقول "وهم" لا يحمل أى مصداقية حتى عند الاغلبية الساحقة ممن ينادون به.
 
الخاتمة

لعل خير ما أختم به هذا المقال هو التأكيد علي ما دكرته أعلاه بأن الهندسة السياسية تعني ان الانسان يستطيع بإسلوب علمي ومنهجي تغيير مجتمعه عن طريق تغيير المؤسسات والقوانين والعمليات السياسية فيه. وعن طريقها يستطيع الانسان أيضا الانتقال من عالم الشعارات الى عالم البرامج ومن حالة الفوضي الى حالة المهنية والتنظيم. وهذا يتطلب عدم ترك الاشياء الى الصدف وانما لابد من الاهتمام بالاسباب والمعطيات والظروف المتاحه وتسخيرها لتحقيق الاهذاف المنشودة. ولابد من قيام المجتمع على أساس مؤسسات وآليات وقوانين حضارية ومتطورة وذلك لما لهذه المؤسسات وألآليات والقوانين من دور أساسي ومهم فى تشكيل وتطوير الوعى والسلوك الانساني.

وعليه فعلى النخب الحاكمة فى كل بلد يريد أن ينهض ويتقدم (وخصوصا العقلاء منهم فى وطني الحبيب ليبيا) أن تعيء بأن الدعوة والتبشير بالأفكار الميته والتمسك بالمؤسسات العاجزة وتكرار تنفيد السياسات الفاشلة هو فى الحقيقة إصرار على إستمرار التخلف والفقر والجهل. ولا يمكن فهم وتصنيف هذه الاعمال والتصرفات الا على إعتبارها جريمة فى حق الشعب والوطن. وعلى هذه النخب أن تعىء بانه لا مخرج من هذا المأزق الا بالاعتماد على الهندسة السياسية لإعادة بناء وتنظيم وترتيب كل ما ثم إفساده. ولابد على هذه النخب أن تعىء أيضا بأن ذلك لن يتحقق الا بدعوة كل الخيريين فى داخل الوطن وخارجه للبحت على أفكار حية ومفيدة ... وإستخدام آليات حديتة ومتطورة ... وإصدار قوانين دستورية وعادلة ... وإعداد كوادر مؤهلة وقادرة بواسطتها يستطيع المجتمع بإذن الله تغيير أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى قد تعرقل مسيرته نحو النمو والتقدم والازدهار ...

فى الختام يا أحباب مرة آخرى لا تنسوا ان هذا مجرد راى ....

والله المستعان

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________________________________

المراجع:

أحمد الرشيدي الجامعة العربية: 55 عاما على طريق العمل العربي المشترك (2009):
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/63D83575-8A31-497B-8B72-F64F974535F5.htm

الجزيرة نت، قسم البحوث والدراسات (2009):
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/EAB3B2ED-931D-4CD1-9258-5F06F355034C.htm

تاريخ جامعة الدول العربية (2009):
http://mousou3a.educdz.com/0/014695_1.htm

القدس توك (2009): جامعة الدول العربية )
http://www.arabsummitsyria.org/index.php?m=203

الجامعة العربية فكرة بريطانية March 9th, 2009, 07:39
http://www.alqudstalk.com/forum/showthread.php?t=594

فتحى يكن, "المسألة اللبنانية: من منظور إسلامى." المؤسسة الاسلامية للطباعة والصحافة والنشر, بيروت. الطبعة الاولى, 1979.

منتديات منسوبي المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني (اكتوبر 17 , 2009)
http://www.tvtc.tc/vb/showthread.php?t=15545

محمد بالروين (2007) " من أنظمة الحكم السياسية (2/3) التوزيع الهيكلي (أوالإداري) للسلطات"
ليبيا جيل. 24 فبراير 2007

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها