Saturday, December 08, 2018

المُفلســــــون

المُفلســــــون

د. محمـد بالروين

المُفلس , في السياسة, هو شخص غير قادر علي تأدية واجباته ودفع مُستحقاته, ولا يستطيع أنجاز ما يجب إنجازه. بمعني المُفلس هو شخص عجز علي الالتزام بالتعهدات التي تعهد بها عند بداية حملته الانتخابية أو سعيه للحصول علي منصب قيادي في الدولة, وهو شخص يفتقر للافكار والمشاريع التى تمكنه من التفاعل او حتي التناغم مع أفكار ومتطلبات الآخرين وخصوصا المعارضين له في الراي. وبمعني آخر هو شخص لا يُجيد الا ممارس التحايل والتدليس والإباحية السياسية لإيهام الآخرين بمؤهلاته وكفاءته وقدرته, والعمل على تحقيقكل  ما لا يستطيع تحقيقه بالطرق المشروعة.

أنواع المُفلســــين  
يمكن القول ان هناك أنواع عديدة للإفلاس لعل من أهمها:

1. المُفلس إقتصادياً   
وتعريفه العام هو عملية التحول من اليُسر إلى العُسر، بمعنى عدم القدرة على تسديد الالتزامات المالية المترتبة على شخصٍ ما. ويتحدد ذلك عندما يُعلن هذا الشخص أنه غير قادرعلى الوفاء بالتزاماته أمام الدائنين, وحينها يقوم بتصفية كل أملاكه وحساباته  لتسديد أكبر قدر ممكن من هذه الالتزامات كما يحددها قانون الدولة المتواجد بها, وكنتيجة لذلك يخرج هذا الشخص من سوق العمل.

2. المُفلس فكرياً 
في هذا النوع من الإفلاس يصبح الشخص عاجزاً عن تقديم الردود العلمية والموضوعية التي تؤيد فكرته أو برنامجه عند احتدام الحوار والنقاش مع الآخرين, وفي العادة, تجده يحاول اللجؤ إلى وسائل أخري للتعبير عن نفسه - كرفع الصوت أو السب أو الاتهام والتخوين أو الهروب من ساحة المعركة الفكرية. وهذا السلوك هو نتيجة لإصابة الشخص بالجمود والسكون تحت مظلة أوهام الماضي وعدم مقدرته لتجاوزه بالتجديد والإبداع والنظرة المستقبلية للحياة. وبمعني آخر الافلاس الفكري عبارة عن عجز ونُضوب يصيب شخص ما في أفكاره وإبداعاته ويجبره الي اللجوء للتقليد والتكرار والابتعاد عن التفكير وألابتكار.

3. المُفلس أخلاقياً 
يحدث هذا النوع من الإفلاس عندما تكون سيئات الشخص أكثر من حسناته, وبذلك يكون شخص غير مرغوب فيه في أي مكان يذهب له. ويكون هذا الشخص فاقد للقيم الحميدة , وفاسد السلوك والمنطق. والمؤشر علي هذا النوع من الأفلاس هو أنتشار أشخاص ليس لذيهم منطق ولا حديث الا المُبالغة والكذب واللف والدوران وتوجيه التهم والشتائم البذيئة  التي تعكس تربيتهم وأخلاقهم.

4. المُفلس سياسياً 
هو عجز الشخص علي تقديم الافكار أو الحلول أوالمشاريع العملية والمناسبة لمواجهة التحديات والاشكاليات التي تُوجه مجتمعه, أي عجز هذا الشخص عن إنتاج بدائل ومشاريع جديدة تساهم في تغيير مجتمعه للإحسن. وبمعني آخر, دور السياسي الحقيقي هو بيع الأمل للمواطنين ووعهدهم بغدِ أفضل، فإذا وصل إلى السلطة ولم يكن قادرا علي تنفيذ او تحقيق ما تعهد به, فإن ذلك هو الافلاس بعينه. ومن ابرز مظاهر الإفلاس السياسي أنتشار الجدل العقيم بين النخب, وعدم قدرة السياسي على الانسجام والتناغم مع أفكار ومتطلبات ناخبيه,  وسعيه وراء تحقيق مكاسبه الشخصية بأنانية مفرطة.

أدوات المُفلســين
الحقيقة ان هناك العديد من الادوات التي يمكن للمُفلسين السياسيين أستخدامها, لعل من أخطرها:

1. الاحتيال 
الشخص المُفلس هو شخص مُتحايل في سلوكياته وقدراته وخبراته, ويحاول دائما استعمل الحِيل المُتاحة له للوصول الي أهدافه وتحقيق مآربه بأستخدام أساليب عديدة أهمها اللف والدوران. والحيلة في مفهومها القانوني تعني افتراض أمور مختلفة للواقع المُعاش لمحاولة تغيير احكام ومعاني القانون دون التعرض إلى نصوصه. وهنا لابد من التذكير بأن كلمة "حيلة" في العموم لا تعني - جانبها السلبي فقط - كما قد يتبادر إلى ذهن البعض. وبمعني آخر , يمكن القول ان الحيلة ليست مجرد أستخدام طرق الكذب والنفاق والمراوغة لخداع خصم ما، بل على العكس من ذلك، فكلمة الحيلة, في العموم, لها بُعد إيجابي أيضا, فهي لغوياً تعني الحذق والذكاء ودقة التصرف. فالإنسان, علي سبيل المثل, يستطيع بعقله أن يصل إلى حيلة تخرجه من بعض ما يقع فيه من المآزق، وهذا شيء إيجابي ومرغوب. وفي هذا الصدد يقول الامام القرطبي “... جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف الشريعة ولا تهدم أصلاً، ..."(للمزيد راجع: النادي , 2016). بمعني آخر لابد ان نعي بان الانسان في حاجة الي أستخدام وممارسة الحيلة الايجابية أحيانا بشرط ان تكون هذه الحيلة شرعية (بمعني عير داخلة في النهي ولاهي باطلة) وأخلاقية ونافعة له وللآخرين. ويقول ابن القيم رحمه الله عن الحيلة "... إن كان المقصود أمرا حسناً كانت الحيلة حسنة. وإن كان المقصود أمرا قبيحاً كانت الحيلة قبيحة. وإن كان طاعة وقربة كانت الحيلة عليه كذلك. وإن كانت معصية وفسوقاً كانت الحيلة عليه كذلك."(الجريدان, 2015). والخلاصة ان هناك نوعين من الحيل - الحيلة المحمودة (أوالمشروعة) والحيلة المذمومة (أو المُحرمة), والفرق بينهما هو ان الحيلة المذمومة يشترط فيها القصد إلى المفسدة، فالمحتال عند مباشرة الحيلة يقصد المفسدة, بمعني أستخدام كل الطرق والاساليب المُعلنة والخفية التي يتوصل بها الشخص إلى الغرض المذموم  شرعاً أوعقلاً أوعرفاً،.

2. التدليس 
 أى ان الشخص المُفلس يعمل دائما علي أخفاء وتزوير حقيقة قُدراته ومؤهلاته وخبراته في المجال الذي يريد العمل فيه، أوعن امتناعه من تقديم أوراق أوإيضاحات مع علمه بما يترتب على  ذلك الامتناع. وقد عرف التقرير الثالث للجنة القانون الدولي التدليس علي انه "العرض الخاطي للمعلومات وكافة المناورات التي تستهدف الخداع والتضليل مثل التصريحات الكاذبة وعرض وقائع سواء شفافة او كتابة أو بأستخدام خرائط أو خطط أو صور أو مسودات علي الرغم من علم الدولة كونها غير حقيقية  أو إعتقادها بعدم دقتها أو ان الدولة لم تبذل العناية الواجبة للإتأكذ من صحتها وذلك بقصد إيقاع الغير في الغلط وحمله علي إبرام المعاهذات أوالأنظمام اليها"(راجع: شبكة    المنصور, 2008). ومن المؤسف القول ان جُلّ  
 النخب السياسية في ليبيا مند 2011, قد مارست (ولا زالت تمارس للأسف الشديد) التدليس على الشعب الليبي مما قاد لأستمرار الفوضي والفساد في كل ربوع الوطن.

3. الإباحية 
 ما اقصده هنا هو الإباحية السياسية التي يبدأ المُفلس السياسي في أستخدامها بمجرد تسلمه مقاليد الأمور في عمله! وبمعني آخر هي أعتقد المُفلس السياسي ان "كل شيء مُباح له," وأن السياسة في تعريفه, هي مُجرد "فن الممكن," وان كل ماهو ممكن في نظره مُباح ومُتاح! وكنتيجة لهذه النظرة الخاطئة في السياسة فقد اصبحت ليبيا في نظر هؤلاء المُفلسين "بلد الاباحية السياسية!"
من هذا الفهم انطلق هؤلاء المُفلسين السياسيين والمُتقلدين للمناصب السيادية في الدولة للبحث علي المثيرات والعيوب والاخطاء عند الآخرين وخصوصا منافسيهم لتحقيق أهدافهم الشخصية حتي ولو كانت علي حساب الوطن والمواطن! والأخطر من كل ذلك, في نظري, ليس أنتشار وتصاعد الإباحية السياسة، وانما في ذلك القبول الواسع لهذه الظاهرة السيئة من قِبل شريحة كبيرة من المواطنيين, وخصوصا أنصار هؤلاء السياسيين, تحت دريعة "شرعية الامر الواقع," وقبولهم للتعريف الخاطيء لبعض المفاهيم السياسية , وبما يتمشي مع مصالح هؤلاء السياسيين مثل: التلاعب بمفهوم "الجلسة الرسمية ومدتها!" ومفهوم "النصاب لإنعقاد الجلسة الرسمية!" و "التصويت عن طريق التوقيع دون الحظور للجلسة!" و تعريف معني "التوافق السياسي," ومعني "الحكومة المؤقتة" و "حكومة الوفاق!" وأعتماد ميزانية الدولة في آخر شهر من السنة كما فعل مجلس النواب هذه السنة!  
  
الخاتمة 
يمكن ان أختم هذا المقال بالأشارة الي ان الوضع الراهن في بلادي يُشير الي ان َ السياسيين المتصدرين للمشهد السياسي, هذه الايام, مُفلسين سياسياً وفكرياً, ولا يملكوا ما يقدمونه للشعب, وليس لديهم رغبة ولا أستعداد حتي فى الحوار والاستماع للآخرين (الا الاجانب), والاغرب من ذلك انهم لا يتمتعوا بعقد أجتماعاتهم الا في خارج الوطن. وفي أعتقادي لم يمر الشعب الليبي في تاريخه الحديث بنخب مُفلسة مثل النخب السياسية المُتقلدة لزمام الامور هذه الايام!

والاسوأ من ذلك كله, ان بعض هذه النخب السياسية تعيش حالة إفلاس سياسي شبه كامل الأبعاد، ويتعاملون مع الواقع من خلال أصرارهم علي انهم جزء (لا يتجزأ) من الحل. ولكن هم, في الحقيقة و الواقع, أحد الأسباب الرئيسية في خلق وأفتعال الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية, وخلط الأوراق, وتقسيم المؤسسات, وخلق الأجسام الموازية, واستغلال كل المناسبات المُتاحة لتبرير تصرفاتهم وأستمرارهم في التمسك بالسلطة والتحكم في زمام الامور تحت درائع عدة منها -  ما أسموه بــ "شرعية الامر الواقع," وتسويقهم لفكرة "أعتراف المجتمع الدولي بهم," وايضا "علاقاتهم بسفراء دول غربية !"

وعليه فعلي كل نشطاء المجتمع المدني وكل الخيَّرين في كل ربوع الوطن:

أولا: ان يعوا ويدركوا ان الإفلاس السياسي هو أشد وطأة على الوطن والمواطن من أي إفلاس آخر, وذلك لان هذا النوع من الإفلاس تغذّيه الرغبة الانانية الجامحة في الاستغلال والاستعلاء والتسلط ولو كلّف ذلك كل شيء للمُتسلق.  

ثانيا: ان يعوا ويدركوا باننا جميعا نعيش, هذه الايام, في "بلد مُفلس سياسياً." وان عدم الاعتراف بهذه الحقيقة لن يزيد الامور الا تعقيدا, ولن يدفع بدولتنا الا نحو المزيد من الفشل.

ثالثا: ان يعوا ويدركوا بان من تسبب في هذا الإفلاس, هم هؤلاء النخب السياسية التي تقلدت زمام الامور القيادية في الدولة مند انطلاق ثورة 17 فبراير 2011. بمعني آخر, علي كل الخيَّرين ان يعترفوا بان جُلَّ من شارك في قيادة البلد منذ إنطلاق ثورة 17 فبراير في 2011,  يتحملون مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع في الوطن, وان عجزهم في ممارسة الحكم, وإعادة هيكلة الدولة وتدبير الشأن العام, وتشجيعهم علي الفساد والرشوة والسرقة, وعدم مُحاسبتهم لمن أهدر اموال الخزينة العامة, وعمل البعض منهم الممنهج لتأسيس دولة فئوية وجهوية يقودها أصحاب الولاءات لا أصحاب الكفاءات! والاسوأ من كل ذلك هو عجزهم علي (حتي البدأ) في تأسيس دولة المواطنة التي قامت من أجلها الثورة, والتي تقوم علي ثوابت مشتركة بين كل أبناء الشعب.

رابعا وأخيرا: يمكن القول ان الحقيقة التي لا غبار عليها انه, عندما يصل المُفلسون للسلطة يضيع الوطن, وتتحول الوطنية, عند هؤلاء المُفلسين, الي مجرد شعار للمُزايدة علي الشرفاء, وملجأ يلتجوا له عند الخطر من أجل حماية مصالحهم الخاصة والانانية! ويمكن ان نطلق عليهم  "الوطنيون الذين ضيعوا الوطن!" وينطبق عليها بذلك ما قاله الأديب البريطاني (في القرن الثامن عشر) صمويل جونسون في عبارته الشهيرة عن خطورة الوطنية حين تصبح "الملجأ الأخير للأوغاد". أليس هذا هو حالنا هذه الايام؟ الا تجد اليوم المفلسين يسيطرون علي المشهد السياسي ويصفون أنفسهم بالوطنيين الحقيقيين! ويتهموا كل من يخالفهم بالجهل وعدم معرفة الواقع السياسي , بالرغم من ان جميع المواطنيين (بغض النظر عن أتجاهتهم السياسية) يعلم جيداً ان السبب الرئيسي في فشل الدولة وتوسيع الفجوة بين فئات الشعب هم هؤلاء المفلسين الذين سيطروا (في غفلة من الزمن) علي مقاليد الامور ويرفضون مغادرة المشهد السياسي! وعليه يمكن القول انه لن يكون هناك وطن حقيقي, أساسه العدل ويحكمه القانون وترفرف فيه رايات الحرية ويسعي فيه كل مواطن للوصول الي السعادة التي يبحت عنها الا بعد غياب (أو تغييب بإسلوب ديمقراطي) هؤلاء المُفلسين عن المشهد السياسي.

وأخير... لا تنسوا يا أحباب أن هذا مجرد رأي للتذكير والتفكير أعتقد أنه صواب, فمن أتى برأي أحسن منه أخذناه , ومن أتى برأي مُختلف عنه احترمناه .. أدعو الله أن أكون بذلك قد ساهمت في خدمة أمتي وإصلاح وطني.


والله المسـتعان.
د. محمـد بالروين 
08 – 12 – 2018
berween@gmail.com


==========                                                     
المراجع

شبكة المنصور, " الســياســة الأمريـكيــة بــين ..الــتــدليـس والــتسـييس," الموافق 25 / اكتوبر / 2008 م http://www.alarabi2000.blogspot.com

 , "فن الحيلة والدهاء" , 07 ديسمبر, 2016, 
https://islamonline.net/19332

http://shamela.ws/browse.php/book-10353/page-13المكتبة الشاملة,

د. نايف بن جمعان الجريدان, الفرق بين الحيل المذمومة والذريعة الجائزة, 2015/12/30 - http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=11643

د. نايف الجريدان, الحيل المحمودة والحيل المذمومة وطرق التعرف عليه,  2015/05/07 - http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=10294

أبن القيم , إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، 1/ 385

Friday, November 02, 2018

القائمة المغلقة المطلقة والدائرة الانتخابية الواحدة: هل هي حـلول أم حِيل؟


القائمة المغلقة المطلقة والدائرة الانتخابية الواحدة:
هل هي حـلول أم حِيل؟

د. محمـد بالروين
 

أصدر المجلس الرئاسي , يوم 10 اكتوبر 2018, قرار رقم (1363) لسنة 2018, يقضي باعتماد ما أسماه لائحة الأسس والضوابط الخاصة بانتخابات المجالس البلدية. وبهذا القرار تم إلغاء قرار مجلس الوزراء رقم (161) لسنة 2013 الخاص أيضا باعتماد الأسس والضوابط الخاصة بانتخاب المجالس البلدية.
فما هو الجديد في هذه اللائحة؟ وهل هي محاولة صادقة وجادة لإصلاح أخطاء وعيوب القرار الملغي رقم (161) لسنة 2013؟!! أم هي شيء آخر جاءت في الوقت, الخطاء ولإغراض آخري لا نعرفها؟!!! ولماذا الان وبعد ان تم إعادة أنتخاب العديد من المجالس المحلية (مثل مدينتي درج و بن وليد) وفقا للقرار الملغي؟!! وما هي الدوافع الحقيقية وراء هذه التعديلات؟!!
وكمحاولة لفهم هذه اللائحة وما ورائها, دعونا نحاول فهم, وبإختصار شديد, بعض المصطلحات والتعديلات الجديدة في هذه اللائحة التي تضمنت 10 فصول، مفصلة في 54 مادة, لعل من أهمها وأخطرها الآتي:
1. أستخدام آلية "القائمة المغلقة المطلقة" -  فقد نصت المادة (4) من هذه اللائحة،  علي ان "يتم انتخاب المجالس البلدية وفق نظام القائمة المغلقة المطلقة."

2. أستخدام "نظام الأغلبية النسبية" -  وفقا للمادة (5) “يتم انتخاب أعضاء المجلس البلدي، على أساس نظام الأغلبية النسبية، ونظام التصويت، بحيث يمتلك الناخب حق التصويت لقائمة مغلقة مطلقة واحدة، ويفوز بالمقاعد القائمة التي تتحصل على أعلى الأصوات بالدائرة وفي حال تساوي عدد الأصوات لقائمتين أو أكثر يتم إجراء القرعة بينهم."
3. أعتبار المدينة "دائرة أنتخابية واحدة" –  فقد اعتبرت المادة (7) “كل بلدية دائرة انتخابية واحدة."

فماذا يعني كل ذلك؟ ... وماهي المبررات لذلك؟  دعونا نحاول فهم ما يمكن فهمه!!!

نظام الانتخاب بالقائمة يعني ببساطة قيام الناخب في دائرته الانتخابية بالتصويت لصالح قائمة واحدة, تضم أكثر من مرشح, من بين عدة قوائم يحق له ان يختار منها. وفى هذا النظام تقسم البلاد, في العادة, إلى دوائر انتخابية كبيرة نسبياً (كأن يكون تقسيم هذه الدوائر على أساس الولايات أو المحافظات أوالاقاليم). ولكي تتضح الصورة أكثر لعله من المناسب في هذه العجالة توضيح أهم أنواع القوائم وخصوصيتها.

أنواع القوائم                                                                   
يمكن تقسيم القوائم الي نوعين رئيسيين هما: القوائم المغلقة والقوائم المفتوحة كالآتي:

أولا: القوائم المغلقة                                                            
القائمة المغلقة هي قائمة ثابتة لا يمكن للناخب تغيير ترتيب المرشحين الذي تم اعتماده من الحزب (اوالكتلة السياسية) صاحبة القائمة. وهنا يمكن التمييز بين ثلاث أنواع من القوائم المُغلقة كالآتي:

1. القائمة المغلقة المطلقة                                                                       
في هذا النوع  يكون الناخب بالتصويت على قائمة واحدة فقظ دون امكانية تعديل اوحتي إعادة تلرتيب المرشحين فيها. بمعنى أن ترتيب المرشحين على القائمة يكون ثابتاً وحسب ما يعتمده الحزب (اوالكتلة السياسية) الذي يقوم بتسمية القائمة. بمعني آخر لا يمكن للناخبين التعبير عن أية خيارات أو تفضيل أي من  المرشحين عن غيرهم أو تعديل ترتيبهم. وعليه فان الناخب يقوم بتحديد موقفه بشكل كلي اما بقبوله للقائمة كليا كما هي ، او برفضه لها كليا. وستفوز بمقاعد الدائرة الانتخابية القائمة التي ستتحصل علي أكثر الاصوات. والغريب اكثر ان بعض القوائم المغلقة المطلقة تحدد مُقدما من هم الأحتياط في حالة إستقالة أو عزل أو موت أحد أعضاء القائمة المنتخبين, كما نصت علي دلك اللائحة الجديدة التي أصدرها المجلس الرئاسي الشهر الماضي. فقد اشترطت المادة (6) من هذه اللائحة بأن تضم القائمة “ما لا يقل عن ثلاثة مرشحين احتياطيين، يتم ترتيبهم تصاعديا، من حيث أولوية شغلهم للمقاعد التي قد تشغر خلال فترة عمل المجلس البلدي."

وعلى الرغم من سهولة نظام القائمة المغلقة المُطلقة, الا انها لا تتيح للناخب فرصة اختيار أفضل المرشحين من بين القوائم المتنافسة، والأسوأ من ذلك انه لايجوز له حتى إعادة ترتيب أسماء المرشحين الواردة في القائمة التي ينتخبها. فهي على خلاف القوائم الآخري, لا تسمح للناخب باختيار مُجرد مرشحه أو مرشحيه المفضلين في القائمة، بل تفرض عليه التصويت للقائمة ككل, وهذا يعني ان صوته يذهب إلى القائمة ومن ثم يحتسب هذا الصوت لأعضائها كلهم حسب تسلسلهم الذي رتبتهم القائمة فيه. والنتيجة تكون أن يفوز بعض المرشحين مما قد لا يعرفهم الناخب أو لم ينتخبهم لعدم قناعته بهم (وربما حتي يرفضهم) وهذه من أهم الثغرات والعيوب التي تؤخذ على نظام القوائم المغلقة المطلقة.

وقد أتبثت التجارب الانتخابية الحديته في العديد من الدول, ان اعتماد هذا النوع من القوائم يقلل بدرجة كبيرة من نسبة مشاركة الناخبين في العملية الانتخابية, وذلك لعلمهم المُسبق بأن إرادتهم غائبة في الاختيار مقابل إرادة القوائم والكتل السياسية. ومن المعلوم ان انخفاض المشاركة في العملية الانتخابية يُضعف النظام السياسي في الدولة ويجعله عُرضة للمزيد من التحديات والتهديدات.

2. القائمة النسبية المغلقة                                                                    
التمثيل النسبى يقوم على مبدأ ان كل حزب (اوالكتلة سياسية) يتحصل على نسبة من المقاعد في المجلس تساوى النسبة الى تحصل عليها فى الانتخابات. فمثلا لو تحصلت قائمة ما على 40% من عدد الاصوات, فان نسبة المقاعد التى سوف تتحصل عليها هذه القائمة هى 40% من مقاعد المجلس. وبالتالي يعطي كل مجموعة (ولتكن حزباً (او كثلة سياسية) تمثيلاً في المجلس يتناسب مع حجمها (للمزيد راجع:  بالروين, 2008). بمعني آخر ان القائمة التي تحصلت على أغلبية الأصوات لا تحصل على كافة المقاعد لهذه الدائرة وإنما علي عدد من المقاعد يتناسب مع نسبة ما تحصل عليه من أصوات. والحقيقة ان الانتخاب بالقوائم النسبية قد يتخذ شكل القائمة المغلقة, أو القائمة المفتوحة. والنقطة المهمة الآخري هي ان توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين سيكون وفقا للترتيب التصاعدي الوارد في القائمة . فعلى سبيل المثال : اذا كانت القائمة (أ) تضم ثمان (8) مرشحين, علي سبيل المثال، قد تحصلت على 50 % من أصوات الدائرة الانتخابية التي خصص لها ثمان (8) مقاعد في المجلس ، فإن الفائزون من هذه القائمة هم نصف مقاعد الدائرة, وهم أيضا أول أربع (4) مرشحين وردت أسمائهم بالتسلسل التصاعدي في هذه القائمة.

3. القائمة التفضيلية المغلقة
في هذا النوع من القوائم ، يقوم الناخب باختيار احد القوائم ، مع جواز قيامه بإعادة ترتيب أسماء المرشحين الواردة فيها, او مجرد الاكتفاء بالتصويت علي بعضهم فقط. بمعني آخر, عند تطبيق التصويت التفضيلي يمكن للناخب ان يضع علامة على الاسم اوالأسماء الواردة في القائمة والتي يريد ان يصوت لها، أي ان الناخب في هذه الحالة ليس مُلزم للتصويت علي القائمة كلها وانما يستطيع التصويت لأحد المرشحين او لبعض مرشحي القائمة فقط. ويكون توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين وفقا للترتيب الذي وضعه الناخبون لمرشحي القائمة, ووفقا لحصلولهم علي  أكثرية الأصوات ضمن إطار القائمة الفائزة.

ثانيا: القوائم المفتوحة                                                                           
في هذا النظام يقوم الناخب بالاقتراع لمرشحه المفضل أو لعدة مرشحين بدل التصويت للأحزاب أو الكثل السياسية. ويمكن للناخب أختيار العدد المقرر للدائرة من عدة قوائم او افراد دون قيد او شرط. وفي هذه النوع  يفوز بالمقعد المترشح الذي يتحصل على اعلى الاصوات مهما كان ترتيبه بالقائمة ثم الذي يليه فالذي يليه, وبذلك تتوزع المقاعد على القوائم حسب نسبتها من الاصوات. ومن هذا يمكن القول ان القوائم المفتوحة هي أفضل وأسمى وسيلة للممارسة الديمقراطيّة والمشاركة السياسية, وأحسن آلية لإيصال صوت ورأي الناخب, حيث تزيل كلّ العقبات الّتي تضعها الكيانات السياسيّة أمامه, وتمنح له نطاقاً واسعا من الحريّة لاختيار من يريدهم من المرشّحين. وفي هذا الصدد يمكن الأختيار بين نوعين من القوائم المفتوحة كالآتي:

1. القائمة المفتوحة بالكامل (أوالحرة)                                                           
في هذا النظام يحق للناخب ان ينتخب عدد من المرشحين ولو من عدة قوائم مختلفة (أو حتي مستقلين) على أن لا يتجاوز العدد المقرر لتمثيل دائرته الانتخابية. وللناخب أن يشكل قائمة جديدة لنفسه وان يضع فيها من يشاء من المرشحين من أي قائمة يرغب الاختيار منها. ففي سويسرا, علي سبيل المثال, يتمتع الناخب بعدد من الأصوات يساوي عدد المقاعد التي يجب انتخابها في دائرته، مما يمكنه من أختيار المرشحين الذين يرغب إختيارهم، سواء كانوا يتبعون حزبه (أو كثلته السياسية) أو أي أحزاب أخري، أي أن الناخب غير مقيد بالاقتراع لصالح قائمة حزبه (أو كثلته) فقط. بمعني آخر يكون للناخب الحق في إعداد قائمة خاصة تتضمن أسماء مرشحين من مختلف القوائم المقدمة عن طريق المزج بينها. ، وبالتالي يكون للناخب الحق   في تغيير القائمة اما بحذف احد الأسماء المرشحة في القائمة او ان يُضيف اليها اسم مرشح اخر اواكثر من القوائم الأخرى. وتفوز بمقاعد الدائرة الانتخابية القائمة التي تتحصل علي أكثر الاصوات.

2. القائمة النسبية المفتوحة
في هذا النظام, يكون الناخب غير مُقيد ايضا باختيار قائمة مُعينة بل يمكنه الإختيار من عدة قوائم بالعدد المطلوب, وبالطبع يفوز فبها المترشحين الذين يتحصلون علي أعلى الاصوات من كل قائمة. ولعل من أهم مزايا الانتخاب بهذه القائمة أنها تساهم في تنمية الحياة السياسية واختيار كفاءات وكوادر سياسية قادرة على مواجهة التحديات, ومكافحة للفساد, ورقابة المسؤولين, وطرح المبادرات والحلول للمشاكل التي تواجه الدولة, وانها بالدرجة الاولي تساعد في تغليب الصالح العام على الخاص, وتساعد علي ظهور وتبلور التعددية السياسية. ويكون توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين، وفقا للترتيب الذي وضعه الناخبون لمرشحي القائمة, والذين حصلواعلي  أكثرية الأصوات ضمن إطار القائمة. 

الخـاتمة                                                                          
بعد هذا العرض المُختصر لأهم أنواع القوائم, يحق للمرء ان يسأل رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي المحترمين. علي أي أساس تم إشتراطكم لإستخدام آلية "القائمة المغلقة المطلقة" بدلا من القوائم الآخري؟!!! وماهو الغرض الاساسي من أشتراطكم أعتبار البلدية "دائرة أنتخابية واحدة" كما نصت علي ذلك المادة (7) من هذه اللائحة؟!!!
يا سادة يا كرام, عليكم ان تعوا ان نظام الانتخاب بالقوائم, وخصوصا بالقائمة المغلقة المطلقة, قد يكون مرغوب فيه, عندما يكون هناك, في الدولة, أمن وأستقرار, وأحزاب وتكثلات سياسية قوية, وكيانات سياسية ذات أرضية شعبية قادرة على التفاعل مع الشارع وتحظى بثقته، والاكثر من كل ذلك عندما يكون لها برامج ومشاريع واضحة ومُعلنة, ولها أيضا قواعد شعبية فى كل أنحاء الوطن. وعليكم ان تعوا أيضا ان الناخب, في هذا النوع من االقوائم, يقوم بالدرجة الاولي بانتخاب برامج وليس افراد, فهل  يوجد في ليبيا اليوم كل هذا؟!!!

الواضح من هذه اللائحة, ان الذين شاركوا في أعدادها يُفضلوا أن تُجرى الانتخابات المحلية علي أساس نظام القائمة المغلقة المطلقة! وليس علي أساس أي قوائم أخري, ولا علي أساس نظام الانتخاب الفردي الذي يقوم فيه الناخب بالتصويت لصالح مرشح واحد. ويثم فيه تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية صغيرة الحجم وبما يساوي عدد أعضاء المجلس المطلوب انتخابه. وفي هذا الصدد يطبق نظام الانتخاب الفردي أسلوب الأكثرية لتحديد الفائز بالمقاعد في المجلس, حيث يفوز المرشح الذي يحصل على أكثر الأصوات.

وزاد هؤلاء السادة الكرام , الطين بلة كما يقول المثل, بإصرارهم علي أعتبار كل بلدية "دائرة أنتخابية واحدة," بدلا من تقسيم البلدية (وخصوصا البلديات ذات الكثافة السكانية الغالية) الي دوائر متعددة لإنتخاب أعضاء المجلس البلدي حتي يمكن تمثيل البلدية التمثيل المناسب والعادل.

يا سادة يا كرام, عليكم ان تعوا أيضا ان أختيار القوائم المغلقة المطلقة لإنتخاب المجالس البلدية (أو اي مجالس أخري) وخصوصا في مرحلة تأسيس الدولة ستكون له نتائج كارثة, ولن يساهم في تأسيس دولتنا الديمقراطية المدنية المنشودة, وذلك لإسباب عديدة لعل من أهمها ان هذا النظام يقود الي ان القائمة المنتصرة ستأخد كل المقاعد, كما نصت علي ذلك المادة (5) من اللائحة التي تقول ".. ويفوز بالمقاعد القائمة التي تتحصل على أعلى الأصوات بالدائرة وفي حال تساوي عدد الأصوات لقائمتين أو أكثر يتم إجراء القرعة بينهم."

وهذا يعني, وبأختصار شديد, انه لو أفترضنا ان هناك قوائم مغلقة مطلقة فى انتخاب ما وكانت نتيجة الانتخابات كلآتي:
 
ماذا يعني هذا؟ هذا ببساطة يعني انه وفقا لنظام الأكثرية الذى نصت عليه هذه اللائحة فان القائمة التي ستفوز, بغض النظر عن النسبة, وبناءا على النتائج كما وردت فى الجدول (1), فانه من الواضح ان القائمة (أ) التي تحصلت على 30% من الاصوات ستعتبر الفائزة فى هذا الانتخاب بالرغم من ان 70% صوتوا ضدها (للمزيد راجع: بالروين , 2008). وهذا يعني انها وسيلة إنتخابية تقود الي تسلب إرادة الناخب ، والي إهدار الكثير من أصوات الناخبين. ورفضها العديد من القانونيين والسياسيين في الوطن العربي. ففي مصر, علي سبيل المثال, تم رفضها عدة مرات و"لأول مرة فى الحياة النيابية يتم الأخذ بنظام القائمة المطلقة كان  فى انتخابات برلمان 2015 " (للمزيد راجع: الشاهد, 2015). 
   
يا سادة يا كرام, كان الاجدر بكم ان تعلنوا أنطلاق "مبدأ اللامركزية الادارية," وان تتركوا البلديات والمحلات تختار مجالسها بالطرق المناسبة, والتي يختارها المواطنيين المقيمين فيها. يا سادة, مع أحترامي الشديد لكم, ان ما تقومون به هو تكلايس وتجسيد للامركزية, وأرباك للمشهد السياسي, والاكثر من ذلك, ان ما تقومون به لا يمكن أعتباره حلاً للإشكاليات والتحديات الادارية التي تواجه البلديات هذه الايام!!!

وأخيرا, واذا كان لابد من أستخدام نظام القوائم (بدلا من نظام الانتخاب الفردي), فانني أقترح عليكم  
تطبيق نظام القائمة النسبية المغلقة أو نظام القائمة النسبية المفتوحة, بدلا عن القائمة المغلقة المطلقة. ولابد ايضا من تطبيق نظام تعدد الدوائر الانتخابيه بدلا من 
أعتبر “كل بلدية دائرة انتخابية واحدة" كما نصت علي ذلك المادة (7) من هذه اللائحة. وذلك لان نظام القوائم النسبية هو الأكثر عدالة من حيث التمثيل والاختيار, وهو نظام انتخابي يناسب الدول التي تعيش في مراحلها الانتقالية, وخصوصا مرحلة التأسيس. فنظام القائمة النسبية هو نظام انتخابي يناسب الدول التي لا تكون الحياة الحزبية فيها قد تطورت واستقرت بعد. بمعني آخر يمكن القول ان القوائم المغلقة المطلقة قد تنجح فقط إذا كانت الساحة السياسية, في دولة ما, قد تشكلت واستقرت على بضعة أحزاب أو تكثلات سياسية رئيسية, وقادرة على فرض قوائمها وإلزام كوادرها وأعضائها وجمهورها بها, ولديها رؤي ومشاريع واضحت المعالم والخيارات... فهل لدينا كل ذلك, وهل ساستنا وصُناع قرارتنا مُدركون لما يقومون به.... أدعو الله ان يكون ذلك,


وأخير... لا تنسوا يا أحباب أن هذا مجرد رأي للتذكير والمناشدة أعتقد أنه صواب , فمن أتى برأي أحسن منه أخذناه , ومن أتى برأي مُختلف عنه احترمناه .. أدعو الله أن أكون بذلك قد ساهمت في خدمة أمتي وإصلاح وطني.


والله المسـتعان.
د. محمـد بالروين 
 03 – 10 – 2019
berween@gmail.com
=============
مـراجع
                                                                     لمعرفة المزيد راجع مقال: د. محمـد بالروين, "من النظم الانتخابية." في موقع ليبيا وطننا,      
الأثنين 6 اكتوبر 2008                                                                              http://www.libya-watanona.com/adab/mberween/mb06108a.htm

إيمان الشاهد, "نونيـون:القائمة المطلقة تهـدر 50% من الأصـوات." الاهرام, 

3 فبراير 2015  السنة 139 العدد 46829   

 http://www.ahram.org.eg/NewsQ/361604.aspx

 

أخر مقالات نشرتها