من مفهوم السلطة السياسية (2 من 2 حاولت فى الجزء الاول من هذا المقال تسليط بعض الضوء على مفهوم السلطة ووظائفها والفرق بينها وبين التسلط. وفى هذا الجزء الثاني ( والأخير ) سأحاول مناقشة أهم شروط تحقيق السلطة وأنواعها ومواقف المواطنيـن تجاهـها. |
خامسا: شروط تحقيق السلطة
لكي تُحقق السلطة أهذافها وتزداد مشروعيتها في أي مجتمع لابد من توفر شروط سياسية معينة لعل من أهمها: (1) حق الإختيار: بمعني حق المواطنيين في إختيار حكامهم وإقتناعهم بالسلطة وإعتبار قراراتها وتصرفاتها مقبولة بغض النظر عن محتواها. (2) وجود دستور: بمعني ضرورة وجود ميثاق أوعهد يعتمده ويتفق عليه جميع المواطنيين ويصبح المرجعية النهائية لكل أمور وتصرفات الافراد في الدولة. و(3) بناء مؤسسات: بمعني ضرورة وجود مؤسسات قوية ومستقلة وذلك لان السلطة ليست مجرد المقدرة علي الحًكم وإنما أيضا تأسيس علاقات بين المواطنيين وحُكامهم وبناء مؤسسات مستقلة وقادرة علي القيام بذلك. وليس كفاية أن يكون للشعب الحق في الاختيار وإنما من الظروري الإتفاق علي ميثاق يحدد نوع وطبيعة وغرض علاقات الافراد مع بعضهم البعض.
سادسا: أنواع السلطة
يمكن التعبير عن السلطة بأساليب مختلفة لعل من أهمها التصنيف الذي قام به عالم الاجتماع السياسي الالماني ماكس فيبر في مطلع القرن العشرين عندما قام بتصنيف السلطة الي ثلاث أنواع (1) سلطة تقليدة: وهي تقوم علي أساس إن السلطة تُستمد من العادات الراسخة والتقاليد السائدة والهياكل الاجتماعية الموجودة والمعترف بها في المجتمع وتنتقل من جيل إلى آخر دون إعتراض من الغالبية العظمي لأبناء الشعب. ولعل خير مثال علي هذا النوع هو عملية إنتقال السلطة في مشيخة القبائل ورئاسة العشائر وزعامة الطوائف. (2) سلطة قانونية راشدة: وهي تقوم علي أساس القواعد والقوانين الدستورية في الدولة. ولعل خير مثال علي ذلك هو السلطة السائدة اليوم في الدول الحديتة والمتقدمة. و(3) سلطة العبقرية: وهي تقوم علي أساس وجود قيادة قادرة وموهوبة تستطيع ان تلعب دورا مهم وأساسى في إكتساب القوة وتوظيفها والمحافظة عليها. وفي هذا النوع من السلطة يتحصل القائد العبقري علي قبول شعبه ورضاهم به وتأييدهم لسياساته وذلك لان موهبته وذكاءه يلعبان دور مهم وأساسي في تسيير شؤون الدولة وخدمة مصالح المواطنيين.
سابعا: مواقف تجاة السلطة
الحقيقة ان مواقف المواطنيين في أي دولة وردود أفعالهم تجاة السلطة تحددها معتقداتهم وتقافتهم واتجاهاتهم السياسية وإنطباعهم علي السلطة ودورها في المجتمع الذي يعيشون فيه. ولعله من المناسب هنا أن أُُشير بعجالة الي أهم المواقف السياسية التي يمكن وجودها -- بدرجات مختلفة ومتباينة -- في كل مجتمع.
1. المحاباة:
الموقف الأول هو وجود أفراد محابين للسلطة. ففي كل مجتمع تجد مجموعة من الافراد يمارسون أسلوب المحاباة في تعاملهم مع السلطة وإقترابهم من المسؤولين بغض النظر عن سياسات وسلوكيات هذا السلطة. والحقيقة إن هذه الظاهرة وجدت عبر التاريخ وفي كل المجتمعات ويمكن وصفها في سوق السياسة بظاهرة "النفاق السياسي." ولعل خير مثال وذليل علي هذه الظاهرة السيئة في المجتمع الليبي عبر تاريخه هو وجود أمثلة شعبية عديدة تصف هذه الظاهرة لعل من أهمها المثل الشعبي الذي يصف هذه المجموعة من الافراد علي إنهم: "ديما مع الواقف." والمثل الشعبي الآخر الذي يصف مبدأ وغرض هذه المجموعة بـ "أملى لبطينة تستحى لعوينة." ولعله من المفيد هنا أن نُشير الي ان القضية الرئيسية في هذا الصدد لا تكمن في وجود هذه الظاهرة من عدمه وإنما الخطورة تكمن في عدد وحجم هذه المجموعة ودورها السياسي في المجتمع. بمعني آخر إن خطورة هذه الجماعة هو في إزدياد عددها وتمكنها من الوصول الي أعلي مناصب إتخاد القرار في الدولة كما هو الحال اليوم في المجتمع الليبي.
2. التفاعل:
أما الموقف الثاني هو وجود افراد متفاعلين مع السلطة ومؤمنين بمباديها وسياساتها. وهذه الظاهرة يطلق عليها في علم السياسة بـ "الفعالية السياسية." وهي تنبع في العادة من إيمان وثقة الفرد في نظام الحكم وإعتقاده الخالص بأنه يستطيع التأتير في قراراته وتغيير سياساته بالإضافة لشعوره بالقدرة علي تحقيق غاياته وأهدافه الشخصية من خلال قواعد اللعبة السياسية التى يحددها نظام الحكم في الدولة. ولعل من أهم صيفات هذه الظاهرة وجود تأثير وتواصل في الاتجاهين مما يقود الي إرتباط مصالح الحُكام والمحكومين وتعاونهم مع بعض.
3. الإغتراب:
أما الموقف الثالث هو وجود مجموعة من الافراد يُطلق عليهم في علم السياسة مصطلح "الغربــاء." والحقيقة إن ظاهرة الإغتراب السياسي تنطلق من عدم ثقة الافراد في حكومتهم وسياساتها وفي نفس الوقت شعورهم بالعجز علي تغيير الواقع المُعاش. وتقود ظاهرة الإغتراب السياسي الي نفور المواطنين ورفضهم للإنقياد لإوامر السلطة وإبتعادهم عن المشاركه في العملية السياسية. والبعض منهم قد يضطر لإتخاد مواقف مجاملة للسلطة بالرغم من انهم لا يثقون ولا يرغبون في التعامل معها مباشرة. بمعني يقود الإغتراب السياسي الي وجود وإنتشار ظاهرة اللامبالاة السياسية في الدولة وهي حالة نفسية يعيشها المواطن في داخل وطنه. وتكون نتيجتهاإختيار حياة التفرد والعزلة علي حياة الجماعة والإكتفاء بإقامة الخير لنفسه وأهله دون ألإهتمام بالآخرين ولا من حوله حتى ولو كان فسادا وظلم. فمن المؤسف علي سبيل المثال انك تجد الكثير من الافراد - في وطني الحبيب ليبيا - يعيشون اليوم مرحلة الشعور بالغربة والحرمان وهم في داخل وطنهم مما قادهم الي نهج أسلوب العزلة والابتعاد عن السلطة ومؤسساتها والابعد من هذا كله عدم الثقة في كل من حولهم والامتناع عن المساهمة في خدمة وتطوير الوطن. ولعل أول من إستخدم هذه المصطلح ووظفه توظيف سياسي هو كارل ماركس (1818- 1883) الذى وصف ظاهرة نُفور العمال من أعمالهم ومنتجاتهام نتيجة لظلم ووحشية النظام الراسمالي علي انها ظاهرة إغتراب. ومند ذلك الحين أصبحت هذه الظاهرة من أهم القضايا السياسية التى لابد من الأهتمام بها ومعرفة كيفية التعامل مع هذه المجموعة من الافراد التى إنعزلت عن بقية أبناء الشعب وتشعر بالإغتراب في داخل وطنها.
4. التمرد:
أما الموقف الرابع والآخير هو وجود بعض افراد متمردين عن السلطة ورافضين لها. والمقصود بالمتمرد هنا هو الشخص الرافض للسلطة القائمة ويعتقد إنها علي خطأ ويسعى من خلال تصرفاته وأعمالة لتغيير وتحسين الظروف السياسية في وطنه. بمعني هو الشخص الذى يدافع علي ما يعتقد أنه صحيح وصواب -- وليس بالضرورة ضد ما هو حق وعدل. وبمعني آخر هو الشخص المستقل في أفكاره وتصرفاته والرافض للوضع القائم والساعي لمعارضته بكل الوسائل الممكنة والمشروعة.
الخاتمة
في الختام لعله من المناسب أن أختم هذا المقال بإعادة التأكيد علي: (1) ضرورة فهم السلطة علي إنها أداة سياسية تقوم علي أساس حق الإختيار ومبدأ القبول , وأنها من جهة علاقة سياسية مشروعة بين الحاكم والمحكوم , ومن جهة آخري مقدرة الحاكم علي تنفيد ما أقره الشعب. (2) ضرورة التفريق بين مفهوم السلطة وأداة التسلط ودعوة كل الخيّرين للمطالبة بحقهم في السلطة المشروعة ورفضهم لكل أداوات التسلط مهم كان نوعها ومن أي شخص أتت. (3) ضرورة التمسك بشروط تحقيق السلطة وعناصرها الرئيسية الثلاث – الإختيار والدستور والمؤسسات وذلك لأن غياب أي عنصر من هذه العناصر يُفقد السلطة مشروعيتها ومقدرتها وتتحول الي مجرد علاقة ضارة وأداة تسلط علي الشعب والمجتمع معا. (4) ضرورة تشجيع المواطنيين علي التفاعل والعمل علي توظيف وإستغلال كل الفرص المتاحة والممكنة للمساهمة في بناء الدولة الحديتة والنهوض بالمجتمع. (5) ضرورة العمل علي محاربة ظاهرة المحاباة السياسية وكل ما يؤدي اليها وذلك لإنها من أخطر الظواهر السياسية في كل مجتمع. و(6) ضرورة تعاون كل القوي الخيّرة في الدول التى تحكمها أنظمة مستبدة – وخصوصا وطني الحبيب ليبيا – لتشجيع المواطنيين علي المشاركة الإيجابية والبناءة من أجل تغيير الحُكم المستبد بكل الطرق والوسائل المشروعة والسلمية , والعمل علي إعادة بناء الثقة بينهم واستعدادهم للمساهمة في تأسيس سلطة شعب حقيقية -- تنطلق من حق الاختيار وتكون مرجعيتها الدستور وتقوم علي مؤسسات عصرية يقودها حاكم محدود الصلاحيات ولايجوز له البقاء في السلطة أكثر من عشر سنوات (بمعني لمدة خمس سنوات ويمكن انتخابه ثانية بصورة متوالية لدورة واحدة فقط) مهما كانت كفاءته أوتقواه.
ختاما يا أحباب مرة آخر لا تنسوا إن هذا مجرد راي ... أدعو الله عز وجل ان اكون قد ساهمت فى تسليط بعض الضوء علي هذا المفهوم المهم في حياة الشعوب ....
والله المستعان.
د. محمد بالروين
Berween@hotmail.com
No comments:
Post a Comment