Thursday, April 05, 2018

الوطن.. وضريبة المواطنة


الوطن .. وضريبة المواطنة**

د. محـمد بالروين

الحقيقة ان الحديت على الوطن هو حديت على أحد أبعاد الانسان الهامة والاساسية فى الحياة. وعلى كل مجتمع يريد النهوض والتقدم لابد أن يهتم بهذا البعد الانسانى, من أجل تكوين وبناء مواطن قادر, واعى, وفعال. وفى تصوري لكي نفهم هذا البعد الانساني لابد من الاجابة على مجموعة من الاسئلة لعل من أهمها الاتية:
* ما هوالوطن؟
* ما هي الموطنة؟
* ما هي حقوق المواطنة؟
* ما هي ضريبة (أو واجب) المواطنة؟
* ماذا نعني بالوطنية؟


أولا: ما هو الوطن؟
الوطن هو ذلك المكان الذى يشعر الانسان بالانتماء اليه, ولاسباب عديدة لعل من أهمها:
(1) الإرتباط بالمكان الذى ولذ به الانسان, أوكما يُقال "الارتباط بمسقط الراس." (2) حب الانسان للمكان الذى ترعرع فيه, أو للناس الذين عاش معهم وقضى بينهم وقتا طويل وممتع, مما جعله يشعر بالانتماء لهم. (3) الإرتباط بارض الاباء والاجداد. وهذا فى العادة يحدت مع الذين ولدوا خارج المكان الذى ينتمون اليه ويعتبرونه وطننا لهم. فالكثيرون من الشابات والشباب الليبين اليوم, الذين ولدوا فى المهجر يحملون هذا الشعور. فالوطن عند بعض الناس ليس مجرد مكان وانما هو جزءا لايتجزي من وجدان الانسان. فقد يعيش انسان ما, على سبيل المثال, لفترة طويلة من الزمن فى مكان ما, لا يشعر انه وطنا له, وذلك لان وطنه فى الحقيقة هو مكان آخر هاجر منه مند سنوات عديدة ولم يراه بعد, أو أُجبرعلى تركه, وقد يكون بعضهم لم يولد به. فقد روى ان الرسول (ص) حين هم بالهجرة الى المدينه, قال مخاطبا مكة, وهو واقفا بالحزورة:
"والله انكِ لخير أرض الله, وأحب أرض الله الي الله, وأحب أرض الله الىّ, ولولا ان قومك أخرجوني منك, ما خرجت." (أخرجه الترمدى وابن ماجه).

والحقيقة ان للوطن وظائف عديدة, فى حياة الانسان, لعل من أهمها: شعور الانسان بانه جزء لايتجزيء من تاريخ, وثقافة, ومعتقدات جماعة معينة. وهذا الشعور هوغريزة وضعها الله عزوجل فى كل انسان. بمعني ان الانسان مخلوق اجتماعى بطبعه - كما أثبت ذلك علماء الاجتماع, وانه يعيش وينتمي لجماعة ويرتبط بها أرتباط وجدانيا وعضويا. وقد قام أميرالشاعر أحمد شوقى بوصف هذا الموقف الوجداني كالاتي:


وطنى لو شغلت بالخلد عنه.. نازعتني اليه بالخلد نفسي.


ثُانيا: ما هي المواطنة؟
المواطنة هى الانتساب والعضوية الرسمية لنظام سياسي معين. وهى تعني العلاقة القانوني بين المواطن والدولة. وهذا المفهوم للوطنية هو في الحقيقة مفهوم ديناميكي يتغير بتغيرالازمان وطبيعة المجتمعات. وأغلب الدول تقوم بتصنيف الناس الى ثلاث مجموعات - المواطن, والمقيم, والغير قانوني (أى الانسان المقيم فى البلد اقامة غير شرعية).

وهنا لابد من التاكيد على الحقيقة التالية وهي ان المواطنة ركيزة اساسية من ركائز البناء الحضاري لأي مجتمع يريد النهوض والأزدهار. وهى تتطلب أحترام وطاعة القوانين والاقامة فى الوطن الا اذا أقتضت الضرورة لعكس ذلك. وباختصار شديد, فالمواطن هو كل شخص تعترف به الدولة وتمنحه شهادة المواطنة.

كيف يتم أكتساب أوفقدان المواطنة؟
من المتعارف عليه ان لكل دولة فى العالم شروط وقواعد مُحددة فى كيفية الحصول وفقدان المواطنة. واكتساب المواطنة هى عملية قانونية تُتيح الفرصة لكل أنسان من الحصول على المواطنة والجنسية فى دولة معينة. وشروط منح الجنسية قد تختلف وفقا لاسباب عديدة. فعلي سبيل المثال فى الولايات المتحدة الامريكية لم يتم تحديد شروط الجتسية بها, بشكل تفصيلي يمنح الحماية الدستورية الكاملة لكل أبناء الشعب, الا بعد ثمانين (80) عام من كتابة الدستور الامريكى. وفى هذا الصدد يقول البروفسور "جيمس مقريقر برنز" فى كتابة "الحكومة من الشعب,"... بأن الحق الاساسي للمواطنة فى الولايات المتحدة لم يمنح الحماية الدستورية الكاملة حتى عام 1868عندما ثم تعديل الدستور الامريكي للمرة الرابعة عشر. وقد نص هذا التعديل على أن: "... كل الاشخاص الذين ولدوا أومتجنسين فى الولايات المتحدة وخاضعين لسيطرتها هم مواطنين فيها,  وفى الولايات المقيمين فيها."

والمواطتة قد تكون بالاكتساب, أو بالولادة. فالجنسية بالولادة تعني ان كل طفل ولد فى الوطن, له حق المواطنة, بغض النظرعلى جنسية أبوية. أما الذين لم يولدوا فى الوطن, فيمكنهم أكتساب الجنسية, اذا توفرة فيهم شروط القانون. وأغلبية الدول المتحضرة اليوم تشترط شروظ محددة لعل من أهمها:

1. ان يكون شخص عاقل ولايقل عمره عن 18 سنه ويقيم فى البلد اقامة قانونية.
2. ان يكون قد اقام قى البلاد مذة لاتقل عن ( ... ) سنوات اقامة عادية.
3. ان يكون شخص ذو حسن السيرة والسلوك وليس له سوابق..
4. أن يجيد القراءة والكتابة باللغة الرسمية للبلاد.
5. ان ينجح فى امتحان الجنسية الذى يجب ان يحتوي معرفه بتاريخ وثفافة وعادات وتقاليد البلاد.
6. أن يقوم بتقديم طلب للحصول على الجنسية للمؤسسات الرسمية التى يحددها القانون.         
7. أن يعي بأنه يمكن سحب الجنسية المكتسبة منه فى حالة اثبات انه قد قام بعملية تزوير أو كذب    عند تقديم الطلب.

ثالتا: ما هى حقوق المواطنة؟
لعل من أروع ما كُتب فى هذا الشان هو ما تضمنه الباب الثاني من دستورالمملكة الليبية (1951 - 1969) تحت عنوان: "حقوق الشعب." والحقيقة ان هذا الباب من الدستور الليبي هو أول تبني كامل للإعلان العالمي لحقوق الانسان الذى أصدرته الامم المتحدة عام 1948 مع اذخال بعض التعديلات الهامة عليه بما يوافق ديننا وعاداتنا وثقافات شعبنا. وبهذا تكون ليبيا هى أول دوله مستقلة تتبني الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذى أصدرته الامم المتحدة كما هو. وفيما يلى أهم بنود حقوق المواطنة التى وردت فى هذا الباب:

1. الليبيون لدي القانون سواء وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفي تكافؤ الفرص وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الدين أوالمذهب أوالعنصر أواللغة أوالثروة أوالنسب أوالآراء السياسية والاجتماعية.

2. الحرية الشخصية مكفولة وجميع الأشخاص متساوون في الحماية أمام القانون.

3. لكل شخص الحق في الالتجاء للمحاكم وفقا لأحكام القانون.

4. عقوبة شخصية وكل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا في محاكمة, تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه, وتكون المحاكمة علنية إلا في الأحوال الاستثنائية التي ينص عليها القانون .

5. لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه أو تفتيشه إلا في الأحـوال التي ينص عليها القانون، ولايجوز إطلاقا تعذيب أحد ولا إنزال عقاب مهين به.

6. لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها، كذلك لا توقع عقوبة أشد من العقوبة التي كانت نافذة وقت ارتكاب الجريمة .

7. لا يجوز بأي حال إبعاد ليبي من الديار الليبية ولا يجوز أن تحظر عليه الإقامة في جهة ما أوأن يلزم بالإقامة في مكان معين أومنعه من التنقل في ليبيا إلا في لأحوال التي يبينها القانون .

8. للمساكن حُرمه ، فلا يجوز دخولها, ولا تفتيشها, إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه.

9. تكفل سرية الخطابات والبرقيات والمواصلات التليفونية وجميع المراسلات على اختلاف صورها ووسائلها، ولا يجـوز مراقبتها أو تأخيرها إلا في الحالات التي ينص عليها القانون.

10. حرية الاعتقاد مطلقة وتحترم الدولة جميع الأديان والمذاهب وتكفل لليبيين وللأجانب المقيمين في أرضها حرية العقيدة والقيام بشعائر الأديان على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب.

11. حرية الفكر مكفولة ولكل شخص الإعراب عن رأيه وإذاعته بجميع الطرق والوسائل ولكن لا يجوز إساءة استعمال هذه الحرية فيما يخالف النظام العام أو ينافي الآداب.

12. حرية الصحافة والطباعة مكفولة في حدود القانون.

13. لكل شخص الحرية في استعمال أية لغة في المعاملات الخاصة أوالأمور الدينية أوالثقافية أوالصحافية أومطبوعات أخرى أوفي الاجتماعات العامة.

14. حق الاجتماع السلمي مكفول في حدود القانون.

15. حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط فى اية منظمة نقابية أو سياسية حسب أختيارهم, ولا يمكن ان يوضع حد لممارسة هذة الحريات الا بمقتض القانون.

16. تتمتع جميع الاحزاب السياسية بالحرية التامة بشرط الا تناقض مبادى الدستور, ولايمكن منع أى شخص من الاشتراك فيها أو اجباره على الاشتراك فى أحداها.

17. التعليم حق لكل ليبي وتعمل الدولة على نشره بما تنشئه من المدارس الرسمية وبما تسمح بإنشائه تحت رقابتها من المدارس الخاصة لليبيين وللأجانب.

18. التعليم الأولي إلزامي لليبيين من بنين وبنات. والتعليم الأولي والابتدائي مجاني في المدارس الرسمية.

19. للملكية حرمة فلا يمنع المالك من التصرف في ملكه الا في حدود القانون ولا ينزع من أحد ملكه إلا بسبب المنفعة العامة في الأحوال المبينة في القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه وبشرط تعويضه عنه تعويضا عادلا .

20. عقوبة المصادرة العامة للأموال محظورة.

21. الأسرة هي الركن الأساسي للمجتمع وهي في حمي الدولة. وتحمي الدولة الزواج وتشجع عليه.

22. العمل عنصر من العناصر الأساسية للحياة الاقتصادية وهو مشغول بحماية الدولة وحق لجميع الليبيين. ولكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل .

23. تعمل الدولة على أن يتوفر بقدر الإمكان لكل ليبي مستوي لائق من المعيشة له ولأسرته.

رابعا: ما هى ضريبة (أوواجب) المواطنة؟
لكى يحق لأنسان ان يقيم فى بلد معين وينتمي له ويصبح عضوا من أعضائه لابد عليه ان يلتزم بكل الواجبات ويتحمل كل المسوليات التى تفرضها عليه تلك الدولة. والدولة تحدد ما يمكن ان يقوم به المواطن وما يجب ان يقوم به وايضا ما يستطيع رفضه خصوصا اذا كان يتعارض مع معتقداته. وفى مقابل ذلك تمنح الدولة للمواطن حقوقه وكل ما يستطيع طلبه من الدوله كتوفير الحماية والرعاية والصحة والتعليم. وضريبة المواطنة, بأختصار شديد, هى ما يمكن أن نطلق عليه بواجبات المواطن. فى تصوري ان اي دولة لكى تنجح لابد ان يكون شعبها واعيا متعلما ومستعدا للضحية من أجل إنجاح هذا الوطن. ولعل من أهم الواجبات التى يجب على كل مواطن فى المجتمع الالتزام بها هى الاتي:
1. المعرفة والوعي.
2. المشاركة.
3. أحترام وطاعة القوانين.
4. الضريبة.


1. المعرفة والوعي
المعرفة هى مصدر الآراء والافكار والتصورات. وبإختصار شديدو الانسان الذى ليس له معرفة بما يدور فى المجتمع لن يكن قادرا على اتخاد القرارات السليمة, ولن يكون مؤثرا فى مشاركته. فبذون توفر المعرفة والوعي وخصوصاً السياسي بين المواطنين تفتقد الدولة كل عوامل الازدهاروالتقدام, ولن تكون المشاركة السياسية مؤثمرة وفاعلة. وعليه فالوعي السياسي ضروري لنجاح وتقدم أي مجتمع. وان من اهم ما يجب على المواطنين القيام به هو أن يكونوا متعلمين, ونشطين, وعلى دراية ومعرفة بشروط ومتطلبات اللعبة السياسية فى الوطن.

فالراي العام للشعب يجب ان يكون علي مستوي التحدي وان يكون منطقي ومتماسك وعلى دراية بكل ما يدور فى الوطن. وذلك لانه اذا لم يكن الشعب واعي ومُدرك فسوف يكون من الصعب محاسبة المسؤلين السياسيين فى الوطن. والحقيقة التى لا جدال فيها ان السياسيين لا يهتمون الا بشؤون المواطنين النشطين والفاعلين والمشاركين في العملية السياسية. والوعي هو نتاج الاهتمام بقضايا الشعب وشؤون الوطن. وهنا لابد أن نتذكر ما قاله رسولنا صلى الله عليه وسلم عندمل قال: "من لا يهمه أمر المسلمين ليس منهم." وقوله (ص) ايضا: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة." وعليه فلابد ان يكون الاهتمام بأمور المواطنين واجب وأن يكون طلب العلم فرض على كل مواطن.ومواطنة.

2. المشاركة
ما اقصده هنا بالمشاركة هو كل النشاطات الى يجب على المواطن القيام بها من أجل التعبير عن رايه فى داخل المجتمع ومن أجل الثأتير فى صنع القرارت. والمشاركة الفاعلة والمؤثرة واجب على كل المواطنين لكى يمكن التحقيق من ان كل مصالح الشعب قد تحققت. فبدون مشاركة الجميع ستتحقق مصالح القلة فقط ولن يتحقق التنوع المنشود فى المجتمع. وعليه من أجل ان يستطيع افراد الشعب التأثير فى نظام الحكم فى الدولة فلا بديل لهم عن المشاركة. وهنا قد يسأل سائل: كيف تتم المشاركة فى المجتمع؟ والحقيقة ان هناك أساليب عديدة للمشاركة يمكن تقسيمها الى نوعين رئيسيين هما: 


(أ) مشاركة تقليدية: بمعنى قيام المواطن بإستخدام كل الاساليب والادوات المتفقة مع القواعد المقررة والمشروعة فى الدولة. ولعل من اهم الامثلة على ذلك: التصويت فى الانتخابات, والمشاركة فى الحملات الانتخابية, والعمل التطوعي فى المشاريع الخيرية, والاشتراك فى عضوية الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى, والمساهمة فى تكوين جمعات الضغط السياسي, والاتصال بالمسؤلين, والتعبير على وجهة نظر المواطن فيما يتعلق بالقضايا الهامة التى تواجه الدولة, .. وغيرها الكثير. 

(ب) مشاركة غير تقليدية: بمعنى قيام المواطن بإستخدام الاساليب والادوات الغير متفقة مع القواعد المقررة فى الدولة. ومن الامثلة على ذلك العصيان المدني والذي أعني به هنا هو أن تقوم مجموعة نشطة فى الدولة من محاولة تجاوز القانون من أجل تحدي دستوريته. والمثال الثانى هو القيام بالمظاهرات والاحتجاجات.

3. قبول واحترام القوانين
القانون هو باختصار شديد: "كل ما أباحته او منعته السلطة الحاكمة, ويحمل صفة الإزام فى الدولة." بمعني هو القاعدة التى شرعتها سلطات الدولة لتنظيم أو تحديد جانب من جوانب سلوكيات المواطن فى الدولة. وبمعنى اخرهو كل قرارملزم تصدره الحكومة أو الموسسات التشريعية فى المجتمع, وتكون نتيجة كل من لا يلتزم به العقاب الذى يحدده هذا القرار نفسه. والقانون هو المكون الاساسى للنظام القضائي فى اى مجتمع وهو نتاج للعملية السياسية والدستورية فى الدولة. وتطبيق القانون يقود فى العادى الى ترصيخ قيم أجتماعية تسود فى المجتمع. وعليه فقبول واحترام القوانين - حتى من الذين يرفضونها أوغير راضين عنها - هو واجب وطني على كل مواطن ومواطنة. وما على الذين يختلفون مع اي قانون اويعارضون أهدافه الا أن يسعوا جادين من خلال العملية  السياسية لتغييره, وأستبداله بما يعتقدوا انه الانسب والاحسن.

4. الضرائب
السؤال هنا: هو ما هى الحقوق التى يعطيها, والواجبات التى يفرضها, كل مجتمع لكى تتحقق سعادة أعضائه؟ ولعل من أهم الواجبات التى يجب على كل مجتمع ان يفرضها على أعضائه هى - واجب دفع الضرائب , وذلك لان الضريبة هى ثمن المواطنة. بمعني في الاصل خلق الانسان حر طليق لا ضوابط عليه, ولا حدود تردعه, ولكن هذا الاصل أصبح محدودا, ومنظبطا, عندما اختار هذا الانسان ان يعيش فى مجتمع اختاره لنفسه. وكنتيجة لهذا الاختيار اصبح هذا الانسان عضوا فى الدولة, له حقوق وعليه واجبات. وبناء على هذا المفهوم الجديد يمكن القول أن حرية الانسان فى اى مجتمع ليست مطلقة.

وبالرغم من ان الظرائب فى الاصل هى ادوات تحجيم وتقليل, أو بمعني أخرهي أدوات هدم, وهي بالثالى جزء وعقاب, ولكن فى مفهومها المدني والحضاري هي ثمن المواطنة والتحضرفى المجتمع. وهي المصدر الاساسي لأغلب موارد الدولة. ولهذا قال أحد مؤسسي الولايات المتحدة الامريكية عندما سُئل عن سبب فرض الضرائب فى الدولة قال: " شئياّن حتميان فى كل مجتمع هما: الموت والضرائب." فضريبة المواطنة هى ضريبة الاجتماع السياسى. بمعنى هى الضريبة التى يجب على كل مواطن دفعها اذا اختار ان يعيش مع جماعة او فى مجتمع معين. وعليه فكل مواطن يجب ان يدفع ضريبة المواطنة الا من أستني من ذلك. ومن منظور اّخر اذا سلمنا بوجود دولة المؤسسات فلابد ان يكون هناك مصادر مالية لتسيير وادارة هذة المؤسسات لكى تستطيع هذة الدولة ان تقوم بمسؤولياتها والتعامل مع التحديات التى تواجهها. وعليه فالسؤال السياسي الصحيح الذي يجب أن يسائله فى اي مجتمع ليس هو: هل يجب ان تفرض ضرائب ام لا؟ وانما هو: أي أنواع الضرائب يجب أن يفرضها المجتمع: التصاعدية أوالمتساوية, الدائمة أم المؤقتة, وهل تفرض على كل الناس أم على مجرد شريحة قليلة منه.

خامسا: ماذا نعني بالوطنية؟
الوطنية هى الشعور الذاتي بالانتماء وهى حب الوطن والاستعداد للتضحية فى سبيله والشعور بوضع مصالح الوطن فوق المصالح الخاصة. والوطنية درجات: فقد تكون بدرجة 1% , وقد تصل الى درجة الــ 100% , أي التضحيه فى سبيل الوطن بالغالي والرخيص. وقد تكون الوطنية سلبية, بمعني عدم المشاركة ومساعدة الوطن, وقد تصل الي درجة التخلي عن الوطن وخيانتة.

وقد أختلفلت وجهات النظر بين المفكرين فى ضرورة وثمن ومعايير وشروط الوطنية. فمن المفكرين من أعتبرها فكرة ضارة يجب التحلص منها. ومن المفكرين من أعتبرها شرط أساسي لتقدم كل مجتمع وتطوره. فعلى سبيل المثال فى خطاب بعنوان: "ما هي الوطنية؟" للفوضوية " ايما قولدمن" أللقته عام 1908 عرفت فيه الوطنية على انها: "المبذا او الاذاة التى تبرر القتل الجماعي." ويقول الاستاد جانسون ليو ثولستى (المعروف بأعظم عدو للوطنية) يقول فى تعريف الوطنية على انها: "اخر ملجىء للناس اللؤماء الذين يؤدون الغير ولايمكن الثقة بهم" أما السيد جورج بارنلد شو فكان يعتقد بأنه: "لن يكون هناك إستقرار فى العالم حتى نتخلص من الوطنية فى الجنس البشرى"

والحقيقه ان الشخص الوطني فى أعتقدي ليس هو الذي يؤمن بمقولة "انا مع وطني سوي ان كان على صح أو خطاء." ولكن الوطني الحقيقي هو الذي يؤمن بهذة المقولة ولكن كما فسرها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال:
"أنصر أخاك ظالما ام مظلوما.
قالوا الصحابة له: ننصره مظلوم , ولكن كيف ننصره ظالما؟
قال (ص): بأرجاعه للحق."

وهذا يعني ان الانسان الوطني هو الذي يقف ضدّ كل الاخطاء التى ترتكبها دولته بكل شجاعة وموضوعية وعدل. بمعني ان الوطنية
لا تعني .. الحب غير المشروط
ولا .. التأييد غير المسئول
ولا .. التضحية غير الضرورية
ولا .. الولاء الاعمي.

والحقيقة هوان من الاخطاء الشائعة هو ربط الوطنية بنظام الحاكم فقط , اوبالمعارضة فقط. والحقيقة ان الوطنية يجب ان ترتبط بشي أسمي من نظام الحكم ومن المعارضة. فهي كما يقول الرئيس الامريكي السابق جان كنذي بان الوطني هو: "الذى يسأل ماذا يستطيع ان يقوم به, من أجل وطنه, لا الذي يسأل ماذا تستطيع دولته ان تقدم له." 



فالوطنية بأختصار شديد هي "حب الوطن." وبمعنى أخر هى ان الشخص الذي لا يحب وطنه ليس بالضرورة وطني. وان أشكال هذا الحب قد تختلف بأختلاف الاسباب والظروف والازمان. فقد يكون الحب مجرد شي بسيط كالاستماع الى النشيد الوطنى أو رفع العلم, وقد يكون شي عظيم كبذل النفس فى سبيل الوطن. فقد قيل لبعض الحكماء: "باي شي يُعرف وفاء الرجل دون تجربة أو اختبار؟ فقال: بحنينه لأوطانه, وتلهفه على ماضٍ من زمانه." وبأحتصار فالوطنية هى أعظم المشاعر الانسانية التى وهبها الله للانسان وهي الاساس الذي يبني عليه كل مجتمع وبدونها يتفكك ويضعف وينهار.

خصائص (أو صفات) الوطنية
1. ذاتية: بمعني الوطنية لا يمكن فرضها. فقد تنمو بمعزل عن الدولة. وهنا قد يسأل سائل: هل الوطني يعني المواطن؟ وهل كل مواطن وطني؟ والاجابه بالطبع: لا. ولهذا يجب على الدوله ان تسعى من اجل اقناع كل المواطنين ليكونوا وطنيين. وهنا يمكن القول بان كل ابناء الشعب يتساوون فى المواطنة ولكنهم يختلفون فى درجة الوطنية. وذلك لان الوطنية هى النزعة الذاتية التي تدفع الانسان فى المجتمع لخدمة وطنه.

2. مكتسبة: بمعني الوطنية هى قيمة مكتسبة وليست موروته. بمعني ان ابن الرجل الوطني ليس بالظروة وطني. ولهذا جاء المثل الليبي ليقول: "الجمل يعقب البعر." وهي ليست بالظرورة حكرا على مجموعة ذون أخري ولا على طائفة ذون غيرها.

3. متغيرة (ديناميكية): بمعني الوطنية سلوك يزيد وينقص فمن يكون اليوم وطني ربما سيصبح غدا غير وطني والعكس صحيح.

4. التضحية الداتية: بمعني استعداد الفرد لتقديم مصلحة المجتمع قبل أهدافه الذاتية.

5. قيمة أخلاقية: بمعني الوطنية يمكن أعتبارها قيمة أخلاقية تصل الى درجة   التطرف عند البعض, فيقفوا مع بلادهم فى الصح والخطاء. يُروي ان أحد قادة السلاح البحرية الامريكية خلال الحرب الامريكية ضد بريطانيا عام 1812 وصف الوطنية كالاتى: "بلادى فى تعاملها مع الدول الاجنبية دائما على صواب. أنا مع بلادي سوي ان كانت على صح أو خطاء."

الوطنية... و ... القومية
الوطنيه قريبة للقومية. بمعنى ان الانتماء الى القوم أكثر وأقوي من الجغرافيا والدين ومن اي انتماء اخر. وبناءا على هذا يمكن القول ان الوطنية أشمل وأعم من القومية. فالوطنية قد تأخد عدت مظاهر مثل:
(أ) الافتخار بالانجازات وثقافة البلاد التى ينتمي لها الانسان. و(ب) المحافظة على عادات وتقاليد الشعب الذى ينتمي له الانسان حتى ولو كان مقيما فى مكان آخرغير وطنه. فكل المهاجرين , على سبيل المثال , بالرغم من أبتعادهم عن أوطانهم قد يزدادو حبا وشوقا لثقافتهم وتاريخهم. بمعني آخر ان الوطنية قد تتجاوز حب الانسان للارض الى حبه الى العادات والتقاليد والناس الذين ينتمي لهم والقيم التى يعتز بها.

الوطنية.. و .. التعصب
وهنا لابدا ان يُنظر الى الوطنية على انها فى الحقيقة سلاح ذو حذين. فقد تستخدم لتحفيز المواطنين للقيام بما يمكن القيام به. ولكن من جهة اخري, قد تستخدم كأذاة هدم ودمار. فهتلر وموسولينى على سبيل المثال سخرا الوطنية لشن الحووب على الناس وقتل الابرياء. وهنا لابد من التذكير على الفرق بين هذين المصطلحين: حب الوطن من جهة , وتعصب الانسان لقومه من جهة آخري. فقد روي فى الحديت الشريف ان ابى كعب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ فقال (ص): لا, ولكن من العصبية ان ينصر الرجل قومه على الظلم." (العربى). وفى حديت اّخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: "ليس منا من دعا الى عصبيه, وليس منا من مات على عصبية." (رواه أبوداود).

الوطنية.. و .. الانتماء المزدوج:
هل من الممكن أن يكون هناك وطنين (أو أكثر) للانسان فى اّن واحد؟ بمعني هل الوطنية المزدوجة أوالانتماء المزدوج ممكننا؟ أو بمعني اّخر: هل من الممكن أن يكون للشخص أكثرمن انتماء واحد فى نفس الوقت؟ وما الذي سيحدت اذا وقع تناقضا وتصادما بين هذة الانتماءات؟!

الخاتمة
ختاما لهذا المقال يمكن القول بأن المواطنة حق لكل انسان يعيش فى الوطن وتمنحه الدولة حق المواطنة. . وهى ركيزة من ركائز البناء الحضاري والنهوض المجتمعي. ولكن , علينا ان نعي بان المواطنة ليست كفاية لتأسيس الدولة وإنجاح المجتمع, بل لابد ان يكون المواطن وطنى لكي يتحقق ذلك. ولابد أن نعي أيضا ان الوطنية لا تعني, باي حال من الأحوال, اننا أحسن من الاخرين.  ولا تعني الوطنية انها مجرد احياء المناسبات الوطنية, ولكنها تعني احترام القانون ودعم السلطة, وفى نفس الوقت تعني محاسبة كل من لا يقوم بواجبة أو لا يحترم القانون, وقد تقتضي الظروف للتغييروربما الثورة وحمل السلاح ضدّ السلطان الجائر أوالحاكم المتسلط من أجل تحرير الوطن. بمعني آخر الوطنية تعنى أن تسأل: ماذا يمكن القيام به؟ لا أن تسال: ما هى مصلحتي فى هذا الشأن؟ .. والوطنية لابد ان تكون معتدلة (أونقطة الاعتدال) ما بين العجز والاسراف.. وعلينا ان نعي بان الوطنية هى احد الفضائل الحسنة التى يجب الاهتمام بها. فكما هو صحيح ومناسب للفرد ان يحترم ويحب اهله واولاده , فمن المناسب ان يحترم المواطن وطنه. والوطنية تعنى حق القربى ... وحق الجار ... وحق المكان... وكم حقا جميل ان يموت الانسان شهيدا دفاعا عن أهله ... ووطنه... وماله .. وعرضه.. وأخيرا فان شعار المواطنين الحقيقين يجب ان يكون: "نعم, نحن نحب أنفسنا.. ولكننا لا نكره الاخرين."  


والله المستعان.

د. محـمد بالروين
berween@hotmail.com
___________________

المراجع:
محمد متولى شعراوى (1977) "قضايا أسلامية." دار الشروق. ص 79
محمد العربى. من كتاب "النظم الاسلامية." الجزء الثانى
فهمى هويدى (1985) "مواطنون لا ّميون: موقع غير المسلمين فى مجتمع المسلمين." الطبعة الاولى. القاهرة: دار الشروق.
عبد الكريم زيدان ص 140.
راشد الغنوشى (1989) "حقوق المواطنة: حقوق غير المسلم فى المجتمع الاسلامى." المعهد العالمى للفكى الاسلامى. فيرجينيا: الولايات المتحدة الامريكية.
أنظر ماقاله جيمس مقريقر برنز:
James MacGregor Burns and Others (2000), “Government by the People.” 18/e. New Jersey: Prentice Hall. P.129
أنظر ما قاله جانسون ليو ثولستى:
Samuel Johnson, “Patriotism.” Wikiquote. April 7, 1775.
http://en.wikiquote.org/wiki/patriotism
Or: http://www.quotationspage.com/subjects/pariotism
أنظر ما قاله: السيد جورج بارنلد شو:
The Quotations Page. http://www.quotationspage.com/subjects/pariotism
أنظر ما قاله: الرئيس الامريكى السابق جان كندى:
The Quotations Page. http://www.quotationspage.com/subjects/pariotism

--------------------------------------------------------------------

** لقد سبق لي نشر هذا المقال (عام 2007) في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي, منها "ليبيا وطننا, للسيد الدكتور أبراهيم أغنيوه" أنظر:
                    http://www.libya-watanona.com/adab/mberween
/mb09017a.htm

أخر مقالات نشرتها