Monday, June 24, 2019

رسـالة مفتوحة الي السيد غسان سلامة,

مع السلامة .. يا سلامه 
مع فائق القدير والاحترام

رسـالة مفتوحة الي السيد غسان سلامة,
مبعوث الامم المتحدة ورئيس بعثة الدعم الي ليبيا


24 – 06 – 2019

السيد المحترم غسان سلامة                             
تحية طيبة وبعد       

لقد أستبشر الليبيين خيرا عند بداية قدومك لليبيا وأستلامك لمهمة مبعوث أممي ورئيس لبعثة الدعم الي ليبيا, خصوصا وانك عربي تتحدث لغتهم وتعرف تاريخهم وعايشت تجاربهم السياسية, ولك تجارب عديد لمحاولة حل الصراعات في هذه المنطقة, وخصوصا في لبنان والعراق وسوريا. وبالاضافة لكل ذلك أعتقادهم في:

(أ)
  أنك كمبعوث اممي جديد, تختلف عن الخمس مبعوثين السابقين, وبذلك أنك ستسعي جاداً في مساعدتهم ودعمهم لإيجاد الحلول العملية والمناسبة للتعامل مع التحديات التي تواجههم.

(ب)
  أنك كمبعوث اممي جديد, قد تساعدهم في الوصول الي شاطي الامان, وذلك بالعمل علي إشارك كل الفرقاء السياسيين, والسعي لفتح قنوات التعاون والتشاور بينهم.

(جـ) 
 أنك كمبعوث اممي جديد, تدرك جيداً بأن دورك مُنحصر في مجرد "الدعم" لتحقيق  أهداف ثورة الشعب الليبي التي إنطلقت في 17 فبراير 2011, والتي تهدف بالدرجة الاولي لتحقيق مبادي الحرية والإستقرار والعدالة وقيام دولة ديمقراطية مدنية مزدهرة.

(د)
  أنك كمبعوث اممي جديد, قد أدركت – ومند زياراتك الأولي لليبيا - أن جُل الليبيين قد تعبوا وسأموا من هذه الظروف الصعبة والمُزرية التي يعيشونها هذه الايام, وأصبحوا مستعدين ومُصرين علي الوصول لحلول مناسبة للخروج من هذا الوضع مهما كلف الثمن.

ولكن ... وللأسف الشديد!!!
بدلا من إنتهازك وأستثمارك لهذه الفرص التاريخية والظروف المناسبة للقيام بدورك الحقيقي, والمُكلف به من قِبل الأمم المتحد, وذلك بدعم الجهود المبدولة من النخب الوطنية, ومساعدة كل الليبيين الذين كانوا ينتظرون في أقتراحاتك ومبادراتك, وقيامك بلعب دور الحياد بين كل الاطراف المتنافسة والمتصارعة ومحاولة تقريب وجهات النظر بينها, بدلا من كل ذلك تحولت وبقدرة قاد للإسف الشديد: (أ) من طرف "مُحايد"و "داعم" الي سياسي "مُتحيز!" وتحمل "أجندة خفية." و(ب) من مجرد موظف يمثل الامم المتحدة الي لعب دور "الحاكم الفعلي," بإسلوب فوقي وأملائي! مليء بالوعظ والاشاد والتوجية!

ويبقي السؤال؟ 
                                                                                يبقي السؤال المهم الان – عند جُلّ الليبيين هذه الايام هو: هل فقد السيد غسان سلامة "حياديته" و "مصداقيته" وبذلك أنتهاء دوره كممثل فعلي وحقيقي للإمم المتحدة؟ بمعني آخر هل يستطيع السيد سلامة – بعد أنتهاء هذه الحرب القدرة الدائرة علي أسوار طرابلس, وبعد هذه الأخطاء الكارثية التي أرتكبها في التعامل معها, وبعد ان فقد ثقة الكثيرين من أبناء الشعب الليبي خاص النخب - ان يكون وسيطاً مُحايدا (أي علي مسافة متساوية من كل الاطراف المتصارعة), وداعما لكل الجهود المبدولة لإعادة بناء الدولة, وهل فعلا مستعداً وقادراً علي ان يقف علي مسافة واحدة من كل أطراف النزاع بغض النظر عن أنتمائتهم ومعتقداتهم وعلاقاتهم الداخلية والدولية؟!!

الاجابة
في أعتقادي المتواضع, ومع احترامي الشديد لك يا سيد غسان سلامة, ان الأجابة علي السؤال أعلاه هي - بالنفي. وهذا يعني وبأختصار شديد , انه لم يبق أمامك يا سيادة المبعوث الأممي الا الرحيل. بمعني أخر ان ترحل وتترك المشهد الليبي لليبيين أنفسهم, وذلك لإسباب عديدة لعل من أهمها:

أولا:
 يبدو انك يا سيد سلامة (كغيره من المبعوثين الخمس السابقين للامم المتحدة) لم تكن "جاداً" في السعي لتحقيق السلام والامن والاستقرار في ليبيا بقدر ما كنت تسعي لتحقيق مكاسب شخصية لتضيفها الي سيرتك الذاتية, وبذلك لم تكن مستعدا للعب دور الحياد وعدم الانحيازلإي طرف من اطراف الصراع دون الآخر! وهنا يمكن الاستنتاج بأن جُلّ ما حققه المبعوثين السابقين الذين جاءوا الي مساعدة و دعم الشعب الليبي (بما فيهم انت) – وللإسف الشديد - هو زيادة تعقيد المشهد السياسي والازمة الراهنة وأستمرار الفوضي وارتفاع درجة العدائية والاحتقان بين الفرقاء في الشارع الليبي, وما الهجوم الاخير علي العاصمة طرابلس الا أكبر ذليل علي ما نقول!!

ثانيا:
 عجزك يا سيد سلامة الواضح (أوعلي الأقل عدم جديتك) في إيقاف التدخلات الخارجية السافرة في الشؤون الداخلية الليبية, وخصوصا تدخلات مصر والامارات والسعودية وفرنسا لمساعدة حفتر من جهة, وتدخلات قطر وتركيا في مساعدة بعض القوي السياسية في المنطقة الغربية من جهة آخري!

ثالثا:
 من المؤسف حقا انك يا سيد سلامة قد نسيت (وربما تناسيت) دورك الحقيق "كداعم," وهو الدور المُكلف به رسمياً من قبل الامم المتحدة, وتقمصت –  للإسف -  أدوار آخري كــ: "لعب دور الأستادية" و "الوصاية" والادعاء بأنك تعرف ماهي مصلحة الشعب الليبي أكثر  من الليبيين أنفسهم! وإنطلاقاً من ذلك قامت بإختيار من يجب ان يمثلهم, وكيف يجب ان يكون مستقبلهم!! ولعل محاولتك الفاشلة الآخير في عقد ما أسميته بــ "المؤتمر الجامع" لأكبر ذليل علي ما أقول. فبدلا من ان تُشرك كل شرائح الشعب الليبي الفاعلة علي الارض, حتي ينجح هذا المؤتمر ويكون فعلاً مؤتمر وطنياً جامعاً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني, قامت بتحويل هذا الاجتماع الي مُجرد لقاء سري ومغلق ونخبوي! ليس هذا فقط بل قمت بإختار الأعضاء المدعوين لهذا اللقاء, وحددت عدد أعضائه, ووضعت (دون أستشارة القوي الفاعل) الاجندة التي سيتم مناقشتها فيه, وحددت مكان أجتماعه, وتاريخ ومدة أنعقاده, والاسؤ من كل ذلك هو انك قمت بتوزيع الادوار والمناصب السيادية بين مجموعة صغير من المشاركين الذين تعاونوا معك, وحددت النتائج المتوقعة من هذا اللقاء سلفاً, أذ قامت بإختيار (بالتعاون مع هذه المجموعة السرية الصغير) من سيكون رئيس للمجلس الرئاسي القادم, ومن سيكون رئيسا للوزراء, ومن سيكون القائد العام للجيش الليبي! وأتفقتوا علي يتم تمرير هذه الاجندة في جلسة قصيرة وسريعة وتحت شعار مبدأ "التوافق!" فهل يُعقل هذا الاستخفاف بالشعب الليبي ومُكوناته يا سيد سلامة!!! والحقيقة التي لا جدال فيها انه لولا حماقة حفتر, وقيامه بالهجوم المفأجي علي العاصمة طرابلس قبل موعد إنعقاد هذا المؤتمر الجامع, لتحققت لك يا سيد سلامة ما كانت تحلم به, ولدخلت ليبيا الي مرحلة أنتقالية جديدة لا احد يعرف ماذا ستكون نتائجها النهائية!

رابعا:
  في الوقت الذي هاجمت فيه الطبقة السياسية في ليبيا لمرات عديدة, وإتهمتها بكل أنواع الفساد, وبأنها تنهب في أموال الليبيين وتقوم بأستثمارها خارج ليبيا, وأنها طبقة تسعي من أجل مصالحها الشخصية الضيقة. وان هؤلاء السياسيين الفاسدين متمسكين بمناصبهم لأنها تسمح لهم بنهب الثروة وإستغلالها.  

وفي الوقت الذي قمت فيه يا سيد سلامة بفتح النار على مُتصدري المشهد السياسي وقولك: ".. لا أريد أن أطمئن الفئة الحاكمة؛ أريد أن أطمئن الليبيين بأن مصلحتهم هي النجمة التي تشير إلى كيف أسير.. لا أريد أن أطمئن الطبقة السياسية في ليبيا الي لديها مستوى عالٍ من الفساد، والتقاتل على الكيكة، ومن عدم الاهتمام بمواطنيها الفقراء البؤساء بشكل يندى له الجبين," في هذا الوقت نكتشف بان جُلّ الذين كنت تنوي دعوتهم لمؤتمرك الجامع الذي كان من المفترض ان ينعقد في مدينة غدامس يوم 14 مايو 2019, هم من هذه الطبقة السياسية التي وصفتها بالفساد والانتهازية وتحقيق المصالح الشخصية الضيقة, وتجاهلت السواد الاعظم من أبناء الشعب الشرفاء, وكأن ليبيا في نظرك يا سيد سلامة لم تنجب الا هؤلاء؟ وان الازمة الليبية لا يمكن حلها الا بالتوافق بين هؤلاء!!

الخلاصة
                                                                                          مما ذكرته أعلاه وغيره الكثير, يمكن لكل العقلاء الوصول الي نتيجة واحدة و وحيدة مفادها ان السيد المحترم غسان سلامة, بصفته مبعوث أممي ورئيس لبعثة الدعم في ليبيا, قد فقد مصداقيته بين جُلّ الليبيين وتحول من داعم ووسيط صادق وأمين ومُحايد الي سياسي منحاز لإحد الاطراف المتصارعة وبذلك يكون قد فقد فرصة ثمينة وحيوية لإنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا والمساهمة في إيجاد حل للازمة السياسية وإعادة بناء الدولة الليبية المنشودة... وفي أعتقادي المتواضع, لم يبقي للسيد غسان سلامة المحترم الا خيار مُشرف و وحيد هو مغادرة منصبه مشكورا , وترك القضية الليبية لإبناءها الوطنيين الشرفاء لمحاولة حلها بإنفسهم, وانا علي ثقة بأنهم قادرون علي تحقيق ذلك ...

والله المستعان.

                                                          د. محمـد بالروين

أخر مقالات نشرتها