Monday, February 19, 2024

 غيبوبة النخب

النخب مرآة المجتمعات وكيفما تكون تُحكم الدول.;
ونحن ... ازمتنا في نخبتنا
 
د. محمـد بالروين


النخب, في المجتمعات الحديثة, هي مقياس للحيوية, وهي من تصنع قواعد السلوك الاجتماعي والسياسي في الدولة, وهي من تراقب الحكام والمسؤولين, وهي من تكشف العلل والامراض في المجتمع ويحاربها. اما النخب الحاكمة في وطني فهي تعيش, هذه الايام, غيبوبة سياسية انستها انها منتخبة من الشعب ولخدمته, وانستها ان مدتها القانونية للبقاء في السلطة قد انتهت وانستها انها غير قادرة علي الاستجابة للتحديات التي تواجه الوطن والمشاكل التي يعاني منها المواطن. بمعني اخر, ان النخب في وطني, وبكل اطيافها – الاسلامية, والعلمانية, والليبرالية والقومية, والجهوية – تعيش حالة من الغيبوبة السياسية الضارة بالوطن والمواطن. وفي اعتقادي لكي نفهم هذه الحالة المرضية ونشخصها, لابد من الاجابة علي الآتي:

1. ماهية النخبة السياسية؟
2. ما المقصود بالغيبوبة السياسية؟
3. ما هي أعراض هذه الغيبوبة؟
4. ما هي أسباب هذه الغيبوبة؟
 
اولا: النخبة السياسية؟

هي مجموعة من الاشخاص المسيطرين على آليات صُنع القرار في الدولة, وهي العنصر
الحاكم في المجتمع. وهي مجموعة صغيرة نسبيا من الذين يمتلكون قدرًا كبير من الثروة أو
الامتيازات أو النفود اوالسلطة أو المهارة في المجتمع, ويعتقدون أنهم يستحقون معاملة تفضيلية بحكم موقعهم السياسي, او ذكاءهم المعرفي, أو مكانتهم الاجتماعية, أو ثرواتهم المالية, او اختيار الشعب لهم

ثانيا: الغيبوبة السياسية

هي حالة فقدان الوعي السياسي وعدم قدرة النخب على التجاوب والتفاعل مع البيئة المحطة بها مما يؤدي الي زيادة الهوة بينها وبين الاخرين وخصوصا المواطنين البسيطاء. وتصبح بذلك لا تبصر حقيقة الواقع المحيط بها ولا تذرك ما يدور حولها.

ثالثا: اعراض الغيبوبة السياسية

للغيبوبة السياسية العديد من الاعراض لعل من اهمها: (1) اقتصار جهود النخب الحاكمة على الحفاظ على مصالحها وامتيازاتها الخاصة. (2) افتقار الساحة السياسية للنشاطات الفكرية والتنظيمة الفاعلة والمؤثرة في الحياة العامة. (3) عدم استعداد النخب, التي فشلت خلال السنوات الماضية, للابتعاد عن مواقع المسئولية وتمسكها بمناصبها واستعدادها لتحالف مع اي قوي محلية او دولية لشرعنة وجودها. (4) الفشل الكامل للبرلمان بسبب تعطيل جلساته وغياب نصابه, واستغلال سلطاته. (5) اصرار النخب علي عدم الاعتراف باخطائها ورفض كل محاولات التقييم الجدّي لنجاحها او فشلها. (6) الشعور المتزايد بين المواطنين بان النخب الحاكمة التي تسيطر علي مفاصل الدولة لا تمثل ارادته ولا تهتم بمطالبه. و(7) اقتناع الكثير من النشطاء بان الفشل والانهيار الذي تعيشه الدولة هذه الايام انما هو نتيجة للاخطاء الكارثية التي ارتكبتها النخب الحاكمة في ادارة الازمة وحالة الغيبوبة السياسية التي تعيشها.

رابعا: أسباب الغيبوبة السياسية

يمكن القول ان اغلب النحب في وطني تعيش حالة غيبوبة سياسية لاسباب عديدة لعل من اهمها
 
(1) غياب المشروع الوطني الموحد لكيفية مواجهة التحديات التي تواجه المواطن. بمعني اخر تجاهل النخب الحاكمة اوعدم قدرتها على تبني مشروع وطني موحد والدفاع عنه وخصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة والحرجة. 
 
(2) غياب الوعي الشعبي بخطورة التحديات التي

تواجه الوطن, وعدم مقدرة النخب الحاكمة علي خلق وعي جديد يواكب التحديات ويساهم في حل المشاكل. بمعني اخر, لا تزال النحب تعتمد علي وعيها القديم وتستخدام في ادواتها القديمة وفي هذا الشان يقول ألبرت إينشتاين
 
لا تستطيع ان تحل المشاكل الجديدة بوعي قديم.; (3)
اثبتت النخب بكل شرائحها عدم قدرتها على بناء حالة من ;التعددية السياسية; التي يتم من
خلالها التنافس السلمي علي السلطة, وممارس قواعد اللعبة الديمقراطية التي لا يتحول فيها
الخصوم الي اعداء يحاول فيها القوي اقصاء الضعيف.
 
 و(4) بدلا من سعي النخب الحاكمة
لتأسيس مؤسسات حديثة تقوم علي المقدرة والكفاءة والجدرة والنزاهة, لجاءت للاسف الي
الجهوية والقبلية واللاثنية والمحسوبية والمحاصصة, واعتبرتها المعايير الاساسية لإعادة بناء الدولة, مما زاد من تفككها وقاد الي ضياع الوطن.
 
الخلاصة

لعله من المناسب ان اختم هذا المقال بالتأكيد على الاتي
:
أولا: من حيث المبدأ, ان ظاهرة النخب هي ظاهرة طبيعية موجودة في كل المجتمعات, وعليه يجب الا تكون مُغيبة , وان لا تختار العزلة, والا تتخلي عن دورها الطبيعي والريادي وخصوصا في الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن.

ثانيا: لابد ان نعترف بان النخبة الحاكمة قد عجزت, واتبتت انها غير قادرة على توفير
الخدمات الأساسية للمواطن، ويمكن اعتبارها السبب الرئيسي في زيادة الفقر وعدم المساواة وترسيخ المحاصصة وانتشارالفساد بكل انواعه.
 
ثالثا: لا خيار امام النخب السياسية الا التصالح مع بعضها البعض, والسعي الي عقلنة الصراع وجعله نافسي يقود الي اهداف مشترك. وبمعني اخر, يجب ان يتحول الصراع بين النخب الي صراع بنّاء بدلا من صراع صفري - يحاول فيها كل طرف شيطنة الاخر والقضاء عليهويجب الا تتحول ليبيا الي دولة مُتخصصة في صناعة الكراهية وجميع فنون الاقتتال والدمار وان يصبح من يحكم فيها هو من يملك البندقية لا القلم, وتكون الشرعية فيها لمن ينتصربصناديق الرصاص لا صناديق الاقتراع
.
رابعا: على الجميع ان يدرك انه لا بديل امام النخب الحاكمة, اذا ارادة النجاح, الا ان تتبني
هموم المواطن, وتعمل على حل مشاكله المعيشية العالقة, وتحاول ايجاد مشاريع تُلامس
طموحات جميع شرائح وفئات الشعب، وخصوصا الطبقات الهشة التي تعاني من الحرمان
والتهميش والإقصاء.
خامسا: لابد من الايمان بــ "ألية الانتخابات" واعتبارها الاداة الحقيقية التي ستعيد الثقة
والحيويةِ الى الحياةِ العامة، والعمل على انتشال الوطنِ من حالةِ الغيبوبة التي تغرقُ فيها النخب
الحاكمة. بمعني ان الانتخابات هي التي ستعلب دورًا مهمًا في اعادة تشكيل كيفية ممارسة
النخب للسلطة ، وهي الآلية الرئيسية لتغيير سيطرة النخب على اجهزة ومفاصل الدولة.
سادسا واخيرا: على الجميع ان يتذكر ان النخب الحاكمة في الانظمة الديمقراطية والدول
المدنية, تتكون من أشخاص منتخبين من قبل الشعب وتمارس سلطاتها باسمه, وان الديمقراطية
هي نظام نخبوي ;جمهوري; تمارس فيه النخب السلطة باسم الإرادة الشعبية.وفي الختام, لم يبق امام النخب الحاكمة الا ان تصحوا من غيبوبتها, وان تعي أن الوضع المعيشي للمواطن لم يعد يحتمل أي تأجيل, وانه قد آن الاوان ان ينتهي هذا العبث قبل ان
نفقد كل شي لا سامح الله.

أخيرا يا احباب، لا تنسوا ان هذا مجرد راي،
فمن أتي براي أحسن منه قبلناه،
ومن أتي براي يختلف عنه احترمناه.

والله المستعان.

د. محمـد بالروين

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها