Saturday, February 03, 2024

من الذات المفقودة .. الى الانتماء

 

من الذات المفقودة .. الى الانتماء

 د. محمد بالروين

 

إعادة النشر.. للتذكير فقط!

(لقد تم نشر هذا المقال في مواقع عديدة عام  2009)

 

في اعتقادى ان من أخطر الازمات التى تواجه المواطن فى اى دولة هى ازمة "فقدان الذات.. وضعف الانتماء" وذلك لان فقدان المواطن لذاته وضعف   انتماءه هو الذى يجعله عرضة لكل الاخطار ويصبح من السهل السيطرة عليه والاستخفاف بشؤونه والاستهتار بثرواته ومُقدراته, ويقود فى نهاية المطاف

الى استعباده.

 

انطلاقا من هذه البديهة ومحاولة لفهم اسباب هذه الازمة والسعى للمساهمة

فى علاجها لعله من المناسب ان يرتكز حديتى فى هذه العجالة على الاتى:
ماهية الذات؟
ماهية الانتماء؟
ما هى أهم عناصر اعادة بناء الذات؟

أولا: الذات؟
ان ما اعنيه بالذات هنا هو الذات السياسية وليس الذات بمفهومها العام. وهى تعنى حصيلة كل ما يملكه الانسان من قيم وافكار, وأحاسيس ومشاعر وتصورات سياسية, وبعلاقته بالاخرين الذين حوله وبالبيئة التى يعيش فيها.

 

ولعل من اهم معالم فقدان الذات هو انتشار "ظاهرة السلبية واللامبالة والخضوع المطلق لكل انواع الظلم والادلاال." بمعنى شيوع ظاهرة الانسان السلبى الرافض للمشاركة فى اى نشاط سياسى مهما كان نوعه, والغير مبالى بمن حوله ولا 

بالنتائج التى يمكن ان تحدت له. وبمعنى اخر, هو انتشار ظاهرة الانسان الانانى

والمصلحى والمُستغل, الانسان الذى يسعى دائما الى أعفاء نفسه من المسؤولية 

وبالقاء التبعية على الآخرين, والاكثر من ذلك عجزه عن البحت فى أسبابها, وتقصيره في المساهمة في وسائل علاجها.


ثانيا: الانتماء
الحقيقة ان غريزة الانتماء هى من أهم الغرائز التى وضعها الله فى الانسان. ومن هذا يمكن القول بان الله عز وجل قد جعل "الانسان منتمى بطبعه", ولا يمكن ان يعيش بمفرده. والانتماء هنا يعنى ارتباط الانسان بما يشعر انه جزء منه ومصدر اعتزاز له. بمعنى اخر, يعنى الانتماء الانتساب الى شىء (او فكر) معين والاحساس بالولاء له.

 

لعل من اهم مكونات ومستلزمات الانتماء هو الحب, اي يمكن اعتبار الانتماء والحب وجهان لعملة واحدة. اذ لا يمكن تصور وجود الانتماء فى مناخ من الكراهية والبغظ. وعليه فالانسان ينتمى فى العادة الى نفسه ومعتقداته, ثم الى

اهلة, ثم الى عشيرته (او قبيلته), ثم الى شعبه, ثم الى المكان الذى يقيم فيه.

وهنا لابد من التاكيد على ان الانتماء لا يعنى:

مجرد التقليد الاعمى لكل ما يملكه ويحبه الانسان, 

ولا يعنى مجرد قبول كل ما فى المجتمع من قيم وأفكار                  

وعادات والافتخار بها حتى ولو كانت خاطئة,

ومن جهة اخرى لايعنى ايضا مجرد الاعجاب المفرط 

بما عند الغير والتقليد الاعمى لهم.

 

فعلى سبيل المثال فى نفس الوقت الذى يجب ان نعترف فيه نحن المسلمون 

(لان الاعتراف بالمشكلة هو نصف الحل) بان الغرب قد تقدم علينا فى كل شىء, واصبح مركز لكل النشاطات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والسياسية الا ان ذلك, يجب الا يقودنا الى التشكيك فى قدراتنا ومعتقداتنا واصالتنا, ولا الى محاولة تقليدهم واتباعهم فى كل شىء, بل يجب ان نعتبر هذا التخلف الذى اصابنا هو مجرد ذليل قاطع على اننا نعيش اليوم أزمة حقيقية لفقدان الذات وضعف الانتماء. واعتبار تخلفنا مجرد "تحدي" بمعني آخر, يجب الاستجابة له بكل الامكانيات المتاحة والممكمة, والايمان بان سنة الحياة تقوم علي مبدأ

"التحدي و الأستجابة".


ثالتا: عناصراعادة بناء الذات؟
لعل من اهم العوامل المؤثرة فى شخصية الانسان وصناعة (أو اعادة صناعة) ذاته هى البيئة الثقافية التى يعيش فيها, وبذلك يمكن اعادة بناء الذات السياسية للمواطن بنشر ما يمكن ان اطلق عليه بــ "ثقافة الانتماء", وهي ثقافة تتكون 

من العديد من العناصر لعل من أهمها:

 

(1) الايمان                                                                             

بمعني الايمان الراسخ بما يعتقد الانسان انه الصواب. بمعنى ان الانسان المنتمى هو الانسان المؤمن بالقيم والافكار التى يعتنقها, وبالاساليب التى يمارسها, وبالاهداف التى ينادى بها.

 

(2) الثقة بالنفس                                                                        

تعنى اعتقاد الانسان بنفسة, ومعرفته لامكانياته, وقدرته علي تحديد اهدافه, وادراكه لمراكز قوته وضعفه. ولعل من اهم معالم الثقة بالنفس هو انفتاح   الانسان على الغير دون تردد, واعتزازه بنفسه دون تكبر, وتخلصه من كل

السلبيات والآفات الضارة به وبغيره.

 

(3) تحمل المسئولية                                                                   

 تعنى استعداد الانسان لتحمل أعباء القيام (أوعدم القيام) بما يكلف به من اعمال. بمعنى اخر, الانسان المنتمى هو الذى دائما مستعد للقيام بكل واجباته وتحمل كل المسئووليات المناطة به.

 

(4) أتباع المنهجية العلمية  

بمعني استخدام الاساليب العلمية والعملية فى العمل والتفكير والسلوك. وبمعنى ان الانسان المنتمى هو انسان منهجى بطبعة. ولعل من اهم أساليب المنهجية هو التركيزعند التعامل مع اى مشكلة على ابعادها الاساسية المتعلقة بالسبب والغرض والكيفية. وبمعنى اخر, ان الانسان المنهجى هو الذى يتعامل مع المشاكل التى تواجهه بالاجابة على أسئلتها الجوهرية التى يمكن حصرها فى:


  • ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟

 

(5) اختيار الافكارالحية                                                            

بمعنى الانسان المنتمى هو انسان قادر على التفريق بين: 

الافكارالحية, والافكارالمريضة, والافكارالميته,  

 وبمعني هو الذى يبحت عن الافكار الصالحة والمفيدة واخدها مهما كلف الثمن ومن اى مكان أتت, وهو الذى يؤمن بما يمكن ان نطلق عليه بـ "اشتراكية الافكار", والتي تعنى ان الافكار فى الاصل لا تنتمى الى ارض معينة, ولا الى جنس محدد, وليس لها لون واحدة, بل هى ملك لكل من يكتشفها ويستخدمها 

ويستفيد بها.

 

(6) العمل الصالح                                                                   

بمعنى ان الوسيلة الاساسية لتقدم الانسان المنتمى هى العمل الجاد, والالتزام به, والاصرار علي تحقيقه. فالانسان المنتمى دائما يحب العمل والاعتماد على النفس, ويكره الذين يقولون ما لا يفعلون. وشعاره دائماً قول الله تعالى:

"وفى ذلك فليتنافس المتنافسون".

وهو ذائما على استعداد للقيام بكل ما يستطيع, وبكل ما يُطلب منه, وتحمل مسئوولياته مهم كلف ذلك من التمن.



الخلاصة
فى الختام, على كل شعب يريد ان ينهض ويتقدم ان يقوم بصناعة ونشر  

"ثقافة الانتماء" التى ترسخ مفاهيم: "الهوية الواحدة", و"المشتركات الجامعة", و "التعاون لتحقيق الاهداف", و "الشعور بوحدة التاريخ  والوطن والمصير المشترك".

 

وعند تحقيق هذه المفاهيم, سوف يذرك الانسان نفسه, وقدراته, ويتمكن من بناء علاقات احترام قوية وسليمة مع كل من حوله, ويتحمل بذلك مسؤولياته, وينطلق بثقة وارادة نحو المشاركة الايجابية فى مقاومة كل انواع الفساد والظلم والعدوان, ويسعي (مع الآخرين) لبناء المجتمع النموذجي الذى يحلم به.

 

ختاما, علي كل من يريد الخير لنفسه ولمجتمعه وللأخرين:
ان يعى ذاته .. لكى ينتمى,
وان ينتمى .. لكى يكن له هوية,
وان يكن له هوية .. لكي يكون اداة خير ومشعل يضىء الطريق للحائرين.


أخيرا لا تنسوا, يا احباب، ان هذا مجرد راي,

اعتقد انه صواب، 

 فمن أتي براي أحسن منه قبلناه،

ومن أتي براي يختلف عنه احترمناه.

 

والله المســتعـان.

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها