موت العالم العربي**
د. محمد بالروين
بروفسور فخري في السياسة والإدارة،
جامعة تكساس إي آند إم الدولية،
لاريدو، تكساس، الولايات المتحدة الأمريكية
قد يتساءل المرء، ماذا نعني بمفهوم "العالم العربي"؟ كيف نشأ؟ وما هو مستقبله؟ للإجابة على هذه الأسئلة، دعوني أنظر إليه من ثلاثة مناظير: جغرافيًا، وديموغرافيًا، وسياسيًا.
أولا: جغرافيًا
يمتد العالم العربي على قارتين، آسيا وأفريقيا. ويتكون من خمس مناطق فرعية متميزة: المغرب (أو شمال أفريقيا). النيل (أو نهر النيل)، المشرق (أو بلاد الشام)، الخليج (أو الخليج)، والجنوب (أو القرن الأفريقي وشرق أفريقيا). داخل هذه المناطق الفرعية الخمس هناك اثنان وعشرون دولة على النحو التالي:
(1) دول المغرب تشمل ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
(2) دول النيل تشمل مصر والسودان.
(3) دول المشرق تشمل العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين.
(4) دول الخليج تشمل السعودية واليمن وعمان والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والبحرين.
(5) دول الجنوب تشمل جيبوتي والصومال وجزر القمر.
تمتد هذه المنطقة الواسعة عبر أكثر من 13 مليون كيلومتر مربع (أو 5 ملايين ميل مربع)، وتحتوي على العديد من المواد الخام اللازمة للنمو الاقتصادي والتنمية، ولديها أكثر من ربع احتياطيات الغاز والنفط في العالم.
ثانياً: ديموغرافيًا
إنها منطقة تضم العديد من الشعوب ذات تاريخ وثقافات مُتنوعة وغير عادية, ومعظم سكانها من المسلمين والعرب. وتشمل كلمة عربي هنا جميع الناس المُقيمين في المنطقة - مسلمين ومسيحيين ويهود الذين يتحدثون اللغة العربية ويتماهون مع تقاليد وأساليب الحياة في المنطقة. بعض هؤلاء السكان من نسل مجموعات لغوية وعرقية تسبق وصول العرب إلى المنطقة. فعلى سبيل المثال، يشكل الأمازيغ في شمال إفريقيا ما بين 15 و 30 مليونًا من سكان المنطقة تقريبًا[i], ويمثلون جزءًا كبيرًا من سكان الجزائر والمغرب، والغالبية العظمى منهم مسلمون يفضلون التحدث بلغتهم الخاصة والحفاظ على ثقافتهم ولا يريدون أن يطلق عليهم اسم العرب؛ كما يمثل التنوع العرقي واللغوي في السودان أكثر من 40 مجموعة عرقية غير عربية وحوالي 60 في المائة فقط من سكان السودان يعتبرون اللغة العربية لغتهم الأم؛ والأغلبية العظمى من الأكراد في العراق وسوريا مسلمون ولكن ليسوا عرب: ففي العراق يمثلون حوالي 15%-20% من السكان[ii]، وفي سوريا يمثلون حوالي 3 إلى 5%[iii]. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مجموعات غير عربية أخرى في المنطقة، مثل التركمان والآشوريين (في العراق وسوريا)؛ الأرمن واليونانيين (في لبنان)؛ المصريين والنوبيين (في مصر)؛ الشركس (في الأردن)؛ السود والبجا (في السودان)؛ الموريتانيين (في موريتانيا)؛ وغيرهم[iv] مثل الشركس والأتراك والطوارق والتبو واليونانيين (في ليبيا).
ثالثاً: سياسياً
كان مفهوم العالم العربي هو "الشعار الرئيسي" الذي استخدمته الحركات القومية العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لتحرير الشعب العربي من الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحكم المنطقة في ذلك الوقت.
ويعتقد البعض أن هذا المفهوم هو مجرد فكرة "ولدت ميتة"، فمنذ البداية لم يكن قصد أولئك الذين قدموها أن تنجح. لقد كان مجرد "شعار استراتيجي" تم رفعه خلال مرحلة الإمبراطورية البريطانية، من أجل استخدامه لطرد الحكم العثماني من المنطقة. بعبارة أخرى، كان "فكرة خاطئة" ولم يكن موجوداً تاريخياً في السياق الذي نعرفه اليوم.
نعم، طوال تاريخ المنطقة، كان هناك "شعب عربي"، لكنه لم يُشكل أبداً أمة موحدة - من الخليج إلى المحيط - أي من دول الخليج في الشرق إلى ساحل المغرب الأطلسي في الغرب. فعلى سبيل المثال، خلال الحكم العثماني الذي دام قرونًا، أي من القرن الثالث عشر حتى الحرب العالمية الأولى ونهاية الإمبراطورية العثمانية في عام 1924، تمتعت المنطقة الكردية بقدر كبير من الحكم الذاتي وتحالف الأمراء الأكراد مع السلطان العثماني.
لقد أصبح هذا المفهوم السياسي شائعًا أثناء ظهور مفهوم "القومية العربية"، الذي كان مجرد "مفهوم فكري افتراضي", وكان نتاجًا لرفض عصر الاستعمار والاستياء من الاحتلال الغربي واستمره في الهيمنة على السياسة العربية من الحرب العالمية الأولى إلى الهزيمة العربية على يد إسرائيل في عام 1967. وكنتيجة لهذه الهزيمة المهينة والغير متوقعة، فقد شعار "القومية العربية" جاذبيته في الشوارع العربية وأصبح مجرد أداة سياسية للديكتاتوريين العرب لإضفاء الشرعية على أنظمتهم، وخاصة للجنود الذين وصلوا إلى السلطة من خلال الانقلاب.
بعض الحقائق والوقائع
يمكن القول أن الحرب على غزة قد أكدت العديد من الحقائق القبيحة والمحزنة، وأظهرت وقائع واضحة تؤكد النية الحقيقية الأميركية والأوروبية تجاه الشعوب العربية. وفيما يلي بعض هذه الحقائق والوقائع:
أولاً: يواجه الشعب الفلسطيني لوحده، للأسف الشديد، عدواناً إسرائيلياً همجياً ووحشياً، في حين فشلت الأغلبية العظمى من الشعوب العربية فشلاً ذريعاً في مساندته، والأدهى من ذلك أنه وجد أن الأنظمة العربية تدعم وتشجع الإسرائيليين سراً للتخلص من المقاتلين من أجل الحرية في غزة, وفيما يلي بعض الاقتباسات من ردود أفعال الحكام العرب على السابع من أكتوبر 2023، كما ذكرها بوب وودورد، الصحفي الاستقصائي الأمريكي، في كتابه "الحرب"، حيث ذكر:
(1) عندما زار بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، الملك الأردني عبد الله الثاني في عمان، في 13 أكتوبر 2023، قال له الملك: "قلنا لإسرائيل ألا تفعل هذا، قلنا لهم ألا يثقوا في حماس، حماس هي جماعة الإخوان المسلمين، ويجب على إسرائيل هزيمة حماس. لن نقول هذا علنًا، لكننا ندعم هزيمة حماس ...".
(2) وعندما زار بلينكن أبو ظبي والتقى محمد بن زايد في 14 أكتوبر 2023، قال له: "يجب القضاء على حماس، لقد حذرنا إسرائيل مرارًا وتكرارًا من أن حماس هي الإخوان المسلمين، ويمكننا أن نعطي إسرائيل الوقت للقضاء على حماس، لكن يجب عليها أولاً مساعدتنا في تهدئة مواطنينا من صور العنف والدمار في غزة، من خلال جلب المساعدات، وإقامة مناطق آمنة، والسيطرة على عنف المستوطنين في الضفة الغربية. فلتساعدنا مع مواطنينا وسنمنحها مساحة للقضاء على حماس".
(3) وعندما زار بلينكن الرياض والتقى أولاً بوزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في 14 أكتوبر 2023، قال له: "كان ينبغي لإسرائيل ألا تثق في حماس، وقد حذرنا نتنياهو مرارًا وتكرارًا، بان حماس هي الإخوان المسلمين".... ثم تابع قائلاً: "إن الجماعات الإرهابية لا تحاول القضاء على إسرائيل فحسب، بل إنها تريد الإطاحة بزعماء عرب آخرين... وما يأتي بعد حماس قد يكون أسوأ... ولن ندفع دولاراً واحداً لإعادة بناء غزة بعد الفوضى التي أحدثها نتنياهو".
(4) عندما التقى بلينكن بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في 15 أكتوبر 2023، قال له: "أريد أن تختفي المشاكل التي أحدثها السابع من أكتوبر. يجب إقامة دولة فلسطينية قبل التطبيع مع إسرائيل. لا أريد ذلك، لكنني أحتاجه لتبرير التطبيع... مع إسرائيل" (وودوارد، 2024).
هذه الاقتباسات هي مجرد عينة مما يقوله الحكام العرب في السر! فماذا يتوقع الشعب العربي من هؤلاء الحكام الذين يتحكمون في مستقبلهم؟ هل يتوقع منهم أن يعملوا على تحقيق الوحدة العربية وتحقيق حلم العالم العربي في نهاية المطاف؟!
ثانياً: لقد كشفت الحرب على غزة لجميع محبي الحرية في العالم أن القضية الفلسطينية هي قضية حرية وعدالة وحقوق إنسان، أكثر من كونها قضية عرق أو منطقة أو دين. بعبارة أخرى، إنها قضية نضال من أجل الكرامة، والمساواة، وحق تقرير المصير.
ثالثاً: لقد أظهرت الحرب الفلسطينية ضد المعتدين والمحتلين أن كل ما يهم الحكام العرب، وبلا خجل، هو بقاءهم في السلطة لأطول فترة ممكنة وبأي ثمن، وانهم على استعداد للتحالف حتى مع الشيطان لتحقيق هذا الهدف.
رابعاً: يمكن اعتبار الحرب على غزة بمثابة النهاية الرسمية لعصر ما كان يسمى بالعالم العربي، ويجب اعتبارها أيضاً نقطة انطلاق جديدة في تاريخ المنطقة.
خامساً: وكنتيجة لهذه الحرب الوحشية على غزة، أصبحت الغالبية العظمى من شعوب المنطقة وفي جميع أنحاء العالم مقتنعة بأن السياسات الخارجية الأمريكية والأوروبية كانت بعيدة كل البعد عن التناغم مع القضية الفلسطينية وكذلك مع هموم ومصالح الشعوب العربية بشكل عام. وكانت كل الشعارات التي يعلنها الساسة الأميركيون والأوروبيون - مثل الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة للجميع، ليست سوى غطاء لإضفاء الشرعية على تحقيق مصالحهم, والدفاع عن اسرائيل وتصرفاتها المتهورة، وتأمين تدفق الغاز والنفط العربي الرخيص، وايضا لمواصلة هيمنتها على المنطقة لسنوات طويلة قادمة.
بعض الأدوات والسياسات
وهنا لابد من الاشارة الي العديد من الأدوات والسياسات التي استخدمها الساسة الأميركيون والأوروبيون لعرقلة تطبيق مفهوم العالم العربي بنجاح، مما أدي في نهاية المطاف إلى موته. وفيما يلي بعض منها.
1. رموز وذكريات تاريخية
لقد استخدموا العديد من "الرموز والذكريات التاريخية" لإهانة شعوب المنطقة وقادتها، فعلى سبيل المثال:
(أ) عندما اقتحم الجنود الأميركيون والأوروبيون بدباباتهم وسط بغداد، في التاسع من إبريل/نيسان 2003، ورفعوا العلم الأميركي على تمثال صدام في ساحة الفردوس، جعل الناس في المنطقة يشاهدون أجهزة التلفاز في حالة من عدم التصديق واليأس، وذكّرتهم تلك اللحظة بهزيمة البيزنطيين في عام 1071، والتي كانت الدافع وراء الحروب الصليبية. كما ذكّرتهم بهزيمة الإمبراطورية العثمانية على أبواب فيينا في عام 1683، والتي كانت بمثابة بداية الاستعمار الغربي للدول الإسلامية.
(ب) هناك رمزية أخرى استخدمها الأميركيون في 15 ديسمبر 2003، عندما أسر الجنود الأميركيون صدام حسين، ونشروا صوره عمداً في أنحاء العالم، وفحصوا شعره بحثاً عن القمل، وفحصوا أسنانه، وأخذوا عينة من لعابه من فمه. وكان الأميركيون يقصدون بذلك تدمير غموض صدام وكل الخوف الذي أحاط به في العراق وبقية العالم العربي.
(جـ) هذه المعاملة المهينة والمذلة، في نظر أغلبية الناس في المنطقة، حتى أولئك العراقيين وغيرهم الذين كرهوا صدام وسعدوا بالتخلص منه شعروا بالحزن الشديد وتمنوا أن تكون نهايته مختلفة عن الطريقة التي أسر بها، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فتمنى لو أنه قتل نفسه بدلاً من الاستسلام بهذه الطريقة دون قتال، فقد اعتقدت الغالبية العظمى من الناس في المنطقة أن استسلامه أذل كل العرب والمسلمين وغير المسلمين في المنطقة.
2. الحق في الدفاع عن النفس
هناك سياسة أخرى يستخدمها الساسة الأميركيون والأوروبيون، وهي الحق في استخدام كل الوسائل اللازمة لتدمير الخصم من اجل الدفاع علي النفس. على سبيل المثال، عندما حلقت طائرات إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وحركت دباباتها وزحفت بجنودها إلى قطاع غزة، وبدأت في تدمير كل ما صادفته وقتل كل إنسان وجدوه بغض النظر عن عمره أو دينه! كانت ردود أفعالهم أن إسرائيل "لها الحق في الدفاع عن النفس"، وتعهدوا بالوقوف إلى جانبها طوال الوقت ومنحها كل الأسلحة التي تحتاجها لتحقيق أهدافها.
3. سياسة الخوف
من الادوات الاخري التي يستخدمها الساسة الأميركيون والأوروبيون هي "سياسة الخوف", فقد استخدمت لتخويف وتهديد أي قوة إقليمية محتملة قد تشكل تهديداً لإسرائيل أو مصالحها في المنطقة. على سبيل المثال، في عام 2003، عندما هاجمت الولايات المتحدة والدول الأوروبية العراق، أثار ذلك رد فعل غاضب في الشوارع العربية وفي المنطقة بأسرها، وكان رد فعلهم: "اليوم العراق، وغداً بقية الدول العربية", بينما كان رد فعل الساسة الأميركيين والأوروبيين هو استخدام "المزيد من الخوف" كأداة سياسية لتحقيق أهدافهم. والغريب ان العديد من المفكرين في الولايات المتحدة، وخاصة المحافظين الجدد أثناء إدارة الرئيس بوش، قد دافعوا عن هذه الأداة السياسية (أي سياسة الخوف). ففي إحدى مقالاته بعنوان: "لا نهاية للحرب: وصفة فروم-بيرل من شأنها أن توقع أميركا في صراع لا نهاية له"، ذكر باتريك جيه بوكانان، وهو كاتب أميركي محافظ ومعلق سياسي وسياسي، ما يلي: "إن المحافظين الجدد لا يريدون تضييق قائمة أعدائنا، ولا يريدون حصر حرب أميركا في أولئك الذين هاجمونا، بل يريدون توسيع قائمة أعدائنا لتشمل أعداء إسرائيل. إنهم يريدون تصعيد وتوسيع ما يسميه كريس ماثيوز "حرب رجال الإطفاء" إلى حرب من أجل الهيمنة في الشرق الأوسط. "كانوا يأملون في استغلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر لإقامة إمبراطورية، ولكن عندما رأوا أن هذه الرؤية تتلاشى، لم يعد يأسهم يعرف حدوداً" (بوكمان، 2004). بعبارة أخرى، فإن الخوف من أن يصبح كل شيء أميركياً، كان من قِبَل العديد من الخبراء والسياسيين الأميركيين. على سبيل المثال، زعم مايكل وولف، كاتب العمود الإعلامي في مجلة نيويورك، أن: "هذا جزء من هذا الإيمان الهائل، هذا الإيمان الذي لا يرقى إليه الشك، بأن الناس في الشرق الأوسط عندما يتعرفون على القيم والأسلوب الأميركي، والمظهر والشعور الأميركي، سوف يصدقون ذلك،... وهذا أمر لا يتحدثه أحد تقريباً. إنه أشبه بالتبشير" (بيركمان، 2003).
4. المعايير المزدوجة
لقد استخدم الساسة الأميركيون والأوروبيون أيضاً "سياسة المعايير المزدوجة" عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. على سبيل المثال، يقدم الساسة الأميركيون والأوروبيون دعماً مباشراً وغير مشروط لإسرائيل للدفاع عن النفس ويسمحون لها بفعل ما يحلو لها ضد الشعب الفلسطيني، في حين يرفضون حق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس ويقفون ضد منحهم دولة مستقلة، ويعتبرون كل مقاتل فلسطيني إرهابياً ويعتقدون أنه يجب قتله.
البديـل
في اعتقادي يجب اعتبار الحرب الإسرائيلية على غزة دليلاً واضحاً على إعلان موت العالم العربي، وبالتالي فقد حان الوقت لجميع المثقفين والسياسيين (بغض النظر عن أعراقهم) في المنطقة للبدء في البحث عن بديل جديد لهذه الفكرة الميتة, علي أن يكون هذا البديل الجديد أداة بسيطة وعملية لتوحيد جميع الشعوب في المنطقة على أسس القواسم المشتركة, وأعتقد أن المظلة السياسية البسيطة والعملية التي قد توحد الشعوب في المنطقة هي ما أسميه "الولايات الكونفدرالية في الشرق الاوسط". إن هذا النموذج الجديد سوف يسمح للأقاليم الفرعية الخمس المختلفة والمتميزة (وهي المغرب، والنيل، والمشرق، والخليج، والجنوب) بالتحالف والتعاون الوثيق وإعطاء الفرصة لجميع الشعوب لتحقيق هدفها المشترك والنهائي، الا وهو "الاتحاد في أمة واحدة". ولكي يتحقق هذا الهدف المشترك، لابد ان يتم إنجازه تدريجياً وعلى مراحل متتالية على النحو التالي:
المرحلة الأولى
إن الخطوة الأولى في هذه العملية هي تشجيع الدول الفردية داخل الأقاليم الفرعية الخمس المختلفة والمتميزة على العمل معًا بشكل وثيق لإنشاء "الكونفدراليات الخمس للمناطق الفرعية" قوية ومزدهرة, والخريطة التالية توضح هذه المناطق الفرعية الخمس:
المرحلة الثانية
وبمجرد إنجاز المرحلة الأولى بنجاح، وبدء الدول داخل المناطق الفرعية الخمس في العمل والتعاون بشكل وثيق وقوي مع بعضها البعض، وتمكنها من إنشاء "الكونفدراليات الخمس للمناطق الفرعية" قوية ومزدهرة. عندها، وعندها فقط، يمكن لهذه المناطق الفرعية الخمس أن تبدأ في العمل معًا لإنجاز المرحلة الثانية على أسس القواسم المشتركة لتحقيق هدفها النهائي الا وهو إنشاء كونفدرالية بينها قوية وناجحة.
والمقصود بالكونفدرالية هنا هو إنشاء تحالف قوي بين المناطق الفرعية الخمس من أجل تحقيق الوحدة التي تسمح لكل دولة عضو (في هذا التحالف) بحكم نفسها وفي نفس الوقت التعاون مع الآخرين لتحقيق أهداف مشتركة لا يمكنها تحقيقها بشكل فردي. بعبارة أخرى، الكونفدرالية هي تحالف دول ذات سيادة لتحقيق التعاون، وليس اتحاد ذو حكومة مركزية قوية,ولعل الشكل التالي يوضح هذا النوع من الكونفدرالية.
الخلاصة
لعله من المناسب ان أختم هذه المقالة بالتاكيد على بعض النقاط الرئيسية التي ذكرتها أعلاه، وهي:
أولاً: نهاية حلم بعيد المنال
الأمر الأكثر حزناً هو أن المفهوم الفكري الافتراضي الزائف للعالم العربي جعل الغالبية العظمى من العرب، وخاصة الشباب، خلال الأجيال الماضية يعيشون حلماً بعيد المنال، وتحول أخيراً إلى أداة لعرقلة أي محاولة جادة للتقارب والتعاون بين مختلف شعوب المنطقة.
ثانياً: مجرد شعار
الأمر الأكثر حزناً هو أن الحرب الوحشية والهمجية في غزة أظهرت أنه لا وجود لما يسمى "العالم العربي"، وأقرت بأنه ليس سوى شعار فارغ وعائق كبير أمام تحقيق الوحدة الحقيقية بين دول المنطقة. لذا فقد حان الوقت للتخلص منه والعمل الجاد لاستبداله بمفهوم آخر بسيط وعملي يوحد كل شعوب المنطقة.
ثالثاً: فشل الأغلبية
الأمر الأكثر حزناً هو أن الشعب الفلسطيني، للأسف الشديد، وجد نفسه يواجه عدواناً إسرائيلياً همجياً ووحشياً بمفرده، وقد فشلت الأغلبية العظمى (باستثناء قلة قليلة) من الشعوب العربية فشلاً ذريعاً في مساندته.
رابعاً: نفاق حكام العرب
الأمر الأكثر حزناً هو أن الحرب الوحشية والهمجية في غزة أظهرت نفاق الحكام العرب وأتبثت أن كل ما يهمهم, بلا خجل, هو البقاء في السلطة ما داموا قادرين وبأي ثمن، وأنهم على استعداد للتحالف مع الشيطان لتحقيق أهدافهم، فضلاً عن أنهم يدعمون الإسرائيليين ويشجعونهم سراً للتخلص من أخوتهم المقاتلين من أجل الحرية في غزة.
خامساً: إزدواجية المعايير
لقد أظهرت الحرب الإسرائيلية الوحشية والهمجية على غزة بوضوح أن الإنسان الأميركي والأوروبي والإسرائيلي في نظر الزعماء الأميركيين والأوروبيين هو أفضل ويستحق أكثر من الإنسان العربي أو المسلم.
سادساً: حتمية النضال
الأمر الأكثر حزناً هو أن الحرب الإسرائيلية الوحشية والهمجية علي غزة أظهرت لكل محبي الحرية في أنحاء العالم أن الشعب الفلسطيني رغم تعرضه للقمع ومحاولة طرده من أرضه، الا انه مُصر علي مواصلة النضال ولن يتخلى عن مواصلة الكفاح لتحقيق حريته واستقلاله مهما كلفه ذلك.
سابعاً: الولايات الكونفدرالية في الشرق الأوسط
بمعني أن الوقت قد حان لكل الوطنيين في هذه المنطقة للتعاون من أجل إنشاء مظلة سياسية جديدة، يمكن أن نطلق عليها "الولايات الكونفدرالية في الشرق الأوسط". هذا النظام السياسي الجديد سيمكن كل دولة من تحقيق سيادتها وحكم نفسها بشكل مستقل، وفي الوقت نفسه، ستكون قادرة على العمل مع الدول الأخرى في القضايا التي لا تستطيع تحقيقها بشكل فردي.
ثامناً: هوية عربية شاملة
لقد أثبتت الحرب على غزة بما لا يدع مجالا للشك أنه لا وجود لما يسمى "الهوية العربية الشاملة"! ومن هنا نستطيع أن نستنتج أن نشطاء "مشروع الوطن العربي" قد فشلوا فشلا ذريعا في محاولتهم التي استمرت لأكثر من مائة وخمسين (150) عاما لتحقيق هذا الهدف. بمعني لقد فشلوا في تحديد "من هم؟!" وما هي أهم القواسم المشتركة والقضايا التي تجمعهم؟ فحتي "القضية الفلسطينية" التي كانت الشعار الرئيسي (ومن أهم الأهداف) لكل تغيير سياسي شهدته الدول العربية منذ عام 1948، أصبحت هذه قضية لا تعني الكثير منهم! أو بعبارة أخرى، يمكن القول, إن الحرب على غزة أسقطت ما يسمى "ورقة التين" التي كانت تغطي عورتهم! والأسوأ من ذلك كله، فيما يتعلق بالقواسم السياسية المشتركة, التي كان من المفترض أن تحدد معنى "الهوية العربية الشاملة"، نجد أن النخب والحكام العرب هم أكثر من استخفوا بها, فعلي سبيل المثال, نجدهم قد استخفوا بلغتهم! وحتى بعد أن اعترفت الأمم المتحدة ـ في سبعينيات القرن الماضي ـ باللغة العربية واعتبارها اللغة الرسمية السادسة على المستوى الدولي (من بين أكثر من ستة آلاف لغة ولهجة في العالم)، تجد هؤلاء الحكام والمسؤولين العرب يخجلون من التحدث بلغتهم العربية، بل يفضلون التحدث باللغات الأجنبية الأخرى، وخاصة الإنجليزية، حتى وإن كان أغلبهم لا يجيدها للأسف!
تاسعا وأخيراً: ضرورة توحيد شعوب المنطقة
لعله من المناسب أن أنهي مقالي هذا بتقديم أحر التعازي لكل الوطنيين والمخلصين العرب في هذا الفقيد – "الوطن العربي" ، الذين ناضلوا بجد واجتهاد من أجل تحقيق هذا الحلم، خلال العقود الماضية، وأرجو منهم أن لا يستسلموا، وأن يواصلوا نضالهم لتحقيق التحالف والتعاون المنشود بين كل شعوب المنطقة. بمعني أخر, لقد اصبح من الضروري تحقيق وحدة كل شعوب المنطقة, لان ذلك ما تتطلبه المرحلة القادمة.
========
المراجع:
[i] http://www.iridis.com/glivar/Berber
[ii] http://www.cia.gov/cia/publications/factbook/geos/iz.html
[iii] http://www.cia.gov/cia/publications/factbook/geos/mr.html
Buchanan, J. Patrick (2004), ““No End to War: the Frum-Perle prescription
would ensnare America in endless conflict.” In the American Conservative,
March 1, 2004.
Burkeman, Oliver. “Arab world now faces invasion by American TV.”
In: The Guardian, April 24, 2003)
Bob Woodwrd, “War”, an American investigative journalist, New York,
Publisher Page and Simon, 2024.
[iv] http://www.cia.gov/cia/publications/factbook/geos/mr.html
** لقراءات المقال باللغة الانجليزية, اذهب الي:
The Death of the “Arab World.”
Dr. Mohamed Berween, Emeritus Professor of Politics and Administration.
Texas A&M International University, Laredo, Texas, USA
https://www.libyanexpress.com/wp-content/uploads/2024/11/Professor-Mohamed-Berween_The-Death-of-the-Arab-World_2024.pdf