Tuesday, November 15, 2011

من أنظمة الحكم السياسية ( 2 من 3 ) التوزيع الهيكلى (أوالاداري) للسلطات


فى المقال الاول حاولت تركيز حديتى على البعد الاول من توزيع السلطة والذى أطلقت عليه "التوزيع الوظيفى للسلطة" بمعنى كيف يجب أن تكون العلاقة بين السلطات الثلات: التشريعية، والتنفيدية، والقضائية فى الحكومة الواحدة." وفى هذا المقال سوف أناقش بأذن الله البعد الثانى والذى سأطلق عليه "التوزيع الهيكلى (أوالادارى) للسلطات." والذى أعنى به الكيفية التى يتم بها الفصل بين الحكومات وتوزيع السلطات بينها. بمعنى لابد على كل دولة عصرية الاهتمام بالبعد الاقليمى (أوالجغرافى) والعمل على اثقان ادارتة وحسن التعامل معه. والحقيقة التى لا جدال فيها ان نجاح هذة الادارة يتوقف على الهيكلية التى ستختارها الدوله.

ومن الاشياء المتعارف عليها ان الدستور يحدد الوظائف التى يجب على الحكومة القيام بها وأيضا يحدد المؤسسات الاساسية التى يجب ان تقوم بهذة الوظائف وكيف يتم توزيعها بين هذة المؤسسات. بمعنى هل يمكن تركيز هذة المؤسسات فى مكان واحد أم لابد من استخدام الاسلوب اللامركزى فى ادارتها؟ وفى الاجابة على هذا السؤال أختلفت اّراء المفكرين وعلماء السياسة. وهذا المقال هوعرض مختصر جدا لأهم ثلات أنظمة سياسية مقترحة فى هذا الخصوص:
1. النظام الاتحادى
2. النظام الكونفدرالى
3. النظام الفدرالى


أولا: النظام الاتحادى 
الانظمة الاتحادية هى التى تجمع فيها كل السلطات فى يد الحكومة المركزية وان كل من حكومات الاقاليم والحكومات المحليه تستمد سلطاتها من الحكومة المركزية. بمعنى فى النظام الاتحادي كل القوانين تصدر من الحكومة المركزية ويترك أمر تنفيد هذة القوانين لحكام الاقاليم وتقوم الحكومة المركزية بتعيين هؤلاء الحكام. وقد تسمح للاقاليم بتشكيل مجالس تشريعية منتخبة (أومعينة) تساعد الحكام فى تسيير شئون الاقاليم. وسلطات الحكومة المركزية لا تقتصر على القضايا الرئيسية مثل أعلان الحرب والتجارة الخارجية والعلاقات الدولية بل تشمل تقريبا كل القضايا المحلية والاقليميه كالتعليم والصحه والاسكان والمواصلات ... الخ. والامثلة على هذا النظام كثيرة لعل من أهمها الصين، وبريطانيا، واليابان، وفرنسا. فعلى سبيل المثال فى فرنسا يمكنك ان تجد فى أى يوم من أيام العام الدراسى كل الاطفال فى كل أنحاء فرنسا يتعلمون نفس المناهج ويقومون بنفس النشاطات الداراسية. والرسم التوضيحى التالى يشرح كيفية العلاقة بين الحكومة المركزية والمقاطعات والشعب فى هذا النظام..

مزايا النظام الاتحادى

لعل من أهم مزايا هذا النظام (1) تركيز السلطات فى مكان واحد يسهل عمليه أدارة الدولة ويقود الى سرعة اتخاد القرارات. (2) فى هذا النظام كل الاقاليم والادارات المحلية فى الدولة هى من صنع الحكومة المركزية ولها حق ايعادة تنظيم شكل نظام الحكم فى البلاد. (3) هذا النظام قد يكون الانسب للدول الصغيرة فى الحجم. و(4) هذا النظام هو أكثر الانظمة أنتشارا اذ نجد ان أكثر من 90% من دول العالم تتبنى هذا النظام.

عيوب النظام الاتحادى

لعل من أهم عيوب هذا النظام هو ان تركيز السلطة فى مكان واحد قد يسهل عملية السيطرة على مؤسسات الدولة وقد يقود الى الاستبداد. فكل الانظمة الدكتاتورية هى فى الاصل أنظمة مركزية.

ثانيا: النظام الكونفدرالى

الكونفدرالية هى المؤسسة التى تقوم فيها مجموعة من الاقاليم (أوالولايات) بتفويض الحكومة المركزية بالقيام بمجموعة من الوظائف دون ان تخسر هذة الاقاليم أستقلالها. بمعنى ان كل اقليم يبقى مستقلا داتيا وما دور الحكومة المركزية الا دور تنسيقى وتعاونى لخدمة مصلحة كل الاقاليم. وبمعنى اّخر فالكونفدرالية هى عبارة عن تجمع ضعيف ومحدود ما بين مجموعة من الدول المستقلة. يقوم كل عضو فى هذا التحالف بالمشاركة فى نشاطات الحكومة المركزية والالتزام بما يتم الاتفاق عليه. ولهذا فانه فى أغلب ألاحيان يشترط فى الانظمة الكونفدرالية لكى تنجح أن تتخد قراراتها بأسلوب الاجماع. ولعل خير مثال على هذا النظام هو الامارات العربية المتحدة والاتحاد الاوروبى ومنظمة الامم المتحدة والجامعة العربية وغيرها من المنظمات الدولية. والرسم التوضيحى التالى يشرح كيفية العلاقة بين الحكومة المركزية والمقاطعات والشعب.

مزايا النظام الكونفدرالى

لعل من أهم المزايا للكونفدرالية هى كيف يمكن لمجموعة من الاقاليم المستقلةعن بعضها البعض أن تبدا الحركة الجادة نحو توحيد هذة الاقاليم وهى بمعنى أخر اللقاء على سياسة الحدّ الادنى. أما الميزة الثانية لهذا النظام فهى تمكين الاقاليم من تحقيق أهدافها التى لا تستطيع القيام بها منفردة كما هو الحال فى الاتحاد الاوروبى من أجل تحقيق أهذاف أقتصادية، أوكما هوالحال فى منظمة أتفاقية الشمال الاطلسى المعروفة "بالنيتو." من أجل تحقيق أهذاف عسكرية.

عيوب النظام الكونفدرالى

أما عن عيوب هذا النظام فعديدة لعل من أهمها: (1) غياب الاّليات لتحقيق الالتزام بالواجبات ما بين الاعضاء فى هذا النظام. بمعنى فى حالة رفض بعض الاقاليم الالتزام بواجباتها فلا توجد اى اّليات لدى الحكومة المركزية لأجبارها على ذلك. وهذا بالفعل ما حدت فى تجارب عديدة لعل من أشهرها عجز الحكومة الكونفدرالية الامريكية (1776 - 1787) عن القيام بأعمالها عندما رفضت الولايات دفع الضرائب التى كان من الواجب دفعها للحكومة الاتحادية مما قاد ذلك الى فشل الكونفدرالية. (2) فى حالة عجز الحكومة المركزية فى النظام الكونفدرالى قد تتحول هذة الحكومة الى عائق من أجل تحقيق الوحدة والاندماج بين الاقاليم. ولعل خير مثال على ذلك ما اّلت اليه مصير الجامعة العربية اليوم؟ (3) فى النظام الكونفدرالى لاتستطيع الحكومة المركزية القيام بأى شىء الا بموافقة حكومات الاقاليم علية. و(4) فى النظام الكونفدرالى تستطيع أى ولاية (أوأقليم) ألانسحاب من هذا الاتحاد متى أرادة على العكس من النظام الفدرالى الذى لا تستطيع فيه أى ولاية الخروج من الاتحاد بعد دخولها فيه.

ثالثا: النظام الفدرالى

النظام الفدرالى هو الذى توزع فيه السلطات على أساس مبدا المشاركة بين الحكومة المركزية وحكومات الاقاليم (أوالولايات). وهذة الفكرة الفدرالية هى محاولة للجمع ما بين اعطاء المواطنين فى أقاليمهم الحرية الكافية لأدارة شئونهم المحلية من جهة وتمكين الحكومة المركزية من أدارة الشؤون العامة للدولة من جهة أخرى. بأختصارالنظام الفدرالى هو الحل الوسط ما بين المركزية الكلية (الملك المطلق) من جهة واللامركزية الكاملة (أستقلالية الاقاليم). والحقيقة اننى عندما أتحدت على نظام الحكم الفدرالى فاننى لا أتحدت على نمودج واحدا أوهيكلية واحدة وذلك لان هناك أشكالا مختلفة للانظمة الفدرالية تختلف فى الكيفية التى يتم بها توزيع السلطات بين الحكومات المختلفة فى الدولة. فعلى سبيل المثال هناك نمادج فدرالية يتم فيها تحديد وتفصيل سلطات الحكومة المركزية فقط وتترك بقية السلطات لحكومات الاقاليم وهذا النوع يتم تطبقه اليوم فى كل من السويد وألمانيا ووماليزيا والولايات المتحدة. وعلى النقيض من هذا النمودج من الانظمة الفدرالية هناك نمودج أخر يقوم على أساس تحديد وتفصيل سلطات حكومات الاقاليم مع ترك ما تبقى من سلطات للحكومة المركزية ولعل خير مثال على هذا النمودج الفدرالى هو ما يطبق اليوم فى كل من الهند وكندا. ولعل الرسم التوضيحى التالى يشرح كيفية العلاقة بين الحكومة المركزية والمقاطعات والشعب فى هذا النظام.

مزايا النظام الفدرالى
الحقيقة ان هناك العديد من المزايا للنظام الفدرالى لعل من أهمها: (1) أن النظام الفدرالى كفكرة يمكن أعتباره من أعظم عمليات الهندسة السياسية. وذلك لانه حاول أن يوفق بين هدفين سياسيين يبدو متناقضين: الهدف الاول هو تكوين حكومة مركزية قويه وفاعلة، والهذف الثانى هو المحافظة على أستقلالية (أو شبه أستقلالية) حكومة الولايات. بمعنى أخر يمكن القول بأن النظام الفدرالى يقوم على أساس فكرة توزيع السلطات بين الحكومة المركزيه والحكومات الأخرى فى الدولة. (2) يتميز هذا النظام بأعطاء الحق لكل اقليم (أوولاية) بأن تكون لها سياساتها الخاصة بها بما لا يتعارض مع الدستور الفدرالى ولا يتعارض مع سياسات أو أثفاقيات الدولة الاتحادية. بمعنى يمكن أن يكون للولايات سياسات تعليمة أواسكانية أوصحية أوثقافية مختلفة عن بعضها البعض بما لايتعارض مع الدستور الفدرالى وسياسات الحكومة الفدرالية. (3) هذا النظام يمكن أعتبارة من أحسن الاجابات لحل مشكلة الحكم فى الدول كبيرة الحجم جغرافيا. والحقيقة أن كل الدول كبيرة الحجم جغرافيا والناجحة سياسيا قد تبنت هذا النظام مثل الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا و كندا والبرازيل ونيجيريا وجنوب أفريقيا وكندا. (4) هذا النظام هو الانسب للدول صغيرة الحجم جغرافيا وبها العديد من الاختلافات العرقية أواللغوية أوالدينية أوالجهوية ....الخ. ولعل أحسن مثال على هذا هو دولة سويسراالتى يقطنها حوالى 7,523,934 مواطن حسب احصائيات 2006 والتى لا تزيد مساحتها عن 41,290 كيلومتر مربع. وفى هذة المساحة الصغيرة يسكن ثلات شعوب: ايطالليون والمان وفرنسيون. وببساطه فان سر نجاحهم وتعايشهم مع بعض البعض هو نظامهم السياسى الفدرالى. (5) النظام الفدرالى يسمح لكل النشظاء السياسيون على المستوى المحلى والاقليمى من تحقيق مصالحهم وحاجاتهم المختلفة من خلال الدستور. (6) هذا النظام يحقق المبدا السياسى القائل: "التنوع من خلال الوحدة." بمعنى السعى من أجل ايجاد حكومة مركزة قوة ومتماسكة مع السماح بالتنوع وشى من اللامركزية فى الدولة. وبمعنى اخر هذا النظام يساعد على تحقيق الوحدة بين أبناء الدولة دون التشاكل (أوالثماثل). (7) هذا النظام يشجع على تجربب المشاريع على مستويات صغيرة قبل تبنيها كسياسات شاملة ومكلفة. (8) هذا النظام يجعل السلطات قريبة من المواطنين. (9) وأخيرا هذا النظام سيحد من أمكانية أنتشار الاستبداد والطغيان ومنع أمكانية سيطرة مجموعة صغيرة على شؤون الحكم ببساطة.

عيوب النظام الفدرالى

لعل من أهم عيوب هذا النظام الاتى: (1) بطء العملية السياسية فى هذا النظام وفى بعض الاحيان أستحالة تحقيق الاهداف الكبيرة. فعلى سبيل المثال لايزال السياسيون فى الولايات المتحدة يناقشون قضية التأمين الصحى ومن المسئول عليه. بمعنى هل يجب على الدول الفدرالية توفير التأمين الصحى لكل المواطنين أم لا؟ ومن العجيب ان هذا النقاش قد بداء بصورة جدّية عام 1944 عندما أللقاه الرئيس الامريكى روزفلت خطابة المشهور والذى عرف بخطاب: "الحريات الاقتصادية فى أمريكا." مند ذلك الحين والسياسيون فى نقاش حاذ حول هذا السؤال وحتى الان لم يتفقوا على حل ولا أعتقد أنهم سيصلوا الى اى حل فى القريب العاجل. (2) النظام الفدرالى قد يشجع الجماعات الجهوية والعنصرية أن تنموا وتقوى أذا لم يوضع لها ضوابط. وهذة الحرية فى النظام الفدرالى قد تقود أيضا الى اضعاف النظام وزعزعة أسسه والامثلة على ذلك كثيرة لعل أشهرها اليوم هو مثال كندا. ففى كندا يحاول مواطنوا أقليم "كوبك" المتحدتون بالفرنسية الخروج من الاتحاد باستخدام الاساليب القانونية لتحقيق أهدافهم وتأسيس دولتهم المستقبلية. والمثال الثانى هو ما تقوم به بعض الجماعات فى الهند من محاولة الخروج من السيطرة الهندية. ولعل من أشهر هذة الجماعات: "التامل نادو" و"البنجاب" و"الجامو" و"كشمير." (3) خروج بعض القيادات العنصرية أو الجهوية التى قد تسبب الكثير من الازعاج للحكومة المركزية ويصعب عليها التعامل معها. (4) النظام الفدرالى قد يشجع على ثكاثر المؤسسات الحكومة وأزدواجية الاّليات الحكومية مما قد ينتج عنه الكثير من الاسراف والتبدير. (4) والنظام الفدرالى نظام معقد سياسيا بطبعه ونتيجة لهذا التعقيد قد يكون من الصعب فى أغلب الاحيان محاسبة ومراقبة السياسين المحاسبة الدقيقة.

رابعا : ليبيا الى أين؟
ان أول قرار سياسى أتخدته الجمعية الوطنية التى أعدت دستور 1951 هو ألاعلان بالاجماع يوم 2 ديسمبر 1950 على أن تكون: "ليبيا دولة ديموقراطية، فدرالية، ذات سيادة ...." وما ان ثم الاتفاق على هذه الاهداف حتى بداء النقاش بين أعضاء الجمعية فى معانيها. ولعل من أهم الافكار التى أثارت الكثير من النقاش والجدل هى فكرة الفدرالية. وحول الفكرة الفدرالية انقسم المؤسيسين فى هذا الشأن الى قسمين: قسم كان ينادى بنظام أتحادى قوى يقوم على أساس حكومة مركزية قوية. وتزعم هذا الجناح كل من المؤثمر الوطنى بزعامة الشيخ بشير السعداوى وجمعية عمر المختار بزعامة عبدالعزيز الساقزلى وكان تخوف هذا الفريق هو ان النظام الفدرالى ربما يعيق اتحاد ليبيا فى المستقبل وأنه يرسخ الجهوية (للمزيد أنظر بلت 1970 أو الخدورى 1963). أما الفريق الثانى بزعامة السيد ادريس السنوسى فكان لا يختلف مع الفريق الاول من حيت الهدف وأنما كان يؤمن بسياسة التدرج من أجل الوصول الى الوحدة الكاملة. والذى حل الاشكال هو الرسالة التى وجهها السيد أدريس السنوسى والتى بعتها للجمعية الوطنية يتعهد ويؤكد فيها بضرورة تكوين نظام فدرالى قوى تكون فيه للولايات الثلاث دور ادارى لا أستقلال ذاتى. وكنتجة لهذا الالتزام الادبى الذى تعهد به أدريس السنوسى ثم الاتفاق على تكوين نظام فدرالى يقوم على أساس الولايات الثلات: برقة وطرابلس وفزان كما هو موضحا فى الخريطة رقم (1)


الخريطة (1) : الولايات الثلات حتى عام 1963
وبناءا على هذا الاتفاق ثم تكوين نظام فدرالى برلمانى ثمتل فيه كل ولاية من الولايات بثمانية (8) أعضاء فى مجلس الشيوخ الذى كان يتكون من أربع وعشرين عضوا يعينهم الملك كما نصت المادة (94) من دستور 1951 التى تنص على أن:"يؤلف مجلس الشيوخ من أربعة وعشرين عضوا يعينهم الملك." وبعد حوالى أثنى عشر (12) عام من هذا الحكم ثم تعديل الدستور وفقا للقانون رقم 1 لسنة 1963 ونتج عن هذا التعديل اعادة صياغة المادة (176) من الفصـل العاشـر المعنون "بالإدارة المحلية" من الدستور لتقرأ كالاتى: "تقسم المملكة الليبية إلى وحدات إدارية وفقا للقانون الذي يصدر في هذا الشأن ، ويجوز أن تشكل فيها مجالس محلية ومجالس بلدية ، ويحدد القانون نطاق هذه الوحدات كما ينظم هذه المجالس." وكنتيجة لهذا التعديل ثم اعادة تقسيم ليبيا الى عشر (10) محافظات كما هو موضحا فى الخريطة رقم (2).


الخريطة (2): المحافظات العشر ما بين 1963 الى 1993
وأستمر هذا التقسيم الادارى لليبيا الى عام 1993 عندما قام حكم القدافى بأعادة تقسيم ليبيا الى خمس وعشرون (25) منطقة ادارية (أطلق عليها أسم الشعبية) كما هو موضحا فى الخريطة رقم (3).


الخريطة (3): التقسيم الادارى مند عام 1993 الى الان
خامسا : ليبيا ومبدأ الفدرالية
والسؤال الان هو: ما هو نظام الحكم الذى يناسب ليبيا ويلبى رغبات شعبها؟ بمعنىأى نوع من التوزيع الهيكلى (أوالادارى) للسلطات الذى دكرته أعلاه يتناسب مع ظروف ليبيا والتحديات المستقبلية التى تواجهها؟ فى تصورى المتواضع ان كل من ينظر فى الخيارات التى ذكرت أعلاه يمكن أن يستخلص الاتى: (1) ان ما قام به حكم القدافى بأعادة تقسيم ليبيا الى خمس وعشرون (25) منطقة ادارية (شعبية) مند عام 1993 الى الان لايمكن الاعتماد عليه لتاسيس دولة ليبيا الحديته والعصرية وذلك لانه تقسيم أدارى يهدف فى الاساس الى ترسيخ شىء واحد فقط هو قيام نظام حكم مركزى تسلطى ودون أعتبار الى أى مكونات علمية وموضوعية أخرى. بمعنى هذا التقسيم ثم القيام به لسبب واحد فقط هو أن تكون الاداة التى يمكن ان يتم بها تمكين وترسيخ حكم القدافى وأستمراره فقط . (2) من جهة أخرى فى تصورى ان أى محاولة للرجوع بليبيا الى مرحلة الولايات الثلات هى محاولة غيرعملية ولا توافق وتتماشى مع تحديات هذا العصر. بمعنى اخر ان تلك الفترة من تاريخنا هى فترة قد تجاوزها شعبنا ولايمكن أن تكون الحل الجاد للتحديات التى تواجهنا اليوم. فاذا كانت أوروبا على سبيل المثال والتى بها عشرات اللغات وعشرات الاقوام وشنت الحروب ضذ بعضها البعض لمئات السنيين هاهى اليوم تسعى الى تشكيل دولة واحدة يحلموا أن يكون أسمها: "الولايات المتحدة الاوروبية."
وأذا كان هذا هو الواقع اليوم فى كل بقاع الارض وفى ثقافة كل الشعوب المتحضرة فما هو الداعى بالرجوع الى الخلف والاصرار على الجهوية بدل من الوطنية. وعليه فالرجوع والاعتماد على الولايات الثلات كأساس لنظام الحكم فى ليبيا المستقبل هو رجوع الى الخلف ولا يمكن أن يكون حلا للاشكال السياسى فى ليبيا ولن يكون خطوة نحو توحيد وترابط وتألف الشعب الليبى وسوف تكون محصلته خسارة الجميع. (3) فاذا سلمنا بهذا فان الخيار الاحسن والامثل فى أعتقادى لحكم ليبيا على الاقل فى المدى القريب هو تبنى ما سأطلق عليه النظام الفدرالى – الاتحادى الادارى كما نصت عليه المادة رقم (176) من الفصـل العاشـر المعنون "بالإدارة المحلية" من دستور دولتنا الدستورية الاولى (1951 – 1969) والتى تنص على الاتى: "تقسم المملكة الليبية إلى وحدات إدارية وفقا للقانون الذي يصدر في هذا الشأن ، ويجوز أن تشكل فيها مجالس محلية ومجالس بلدية، ويحدد القانون نطاق هذه الوحدات كما ينظم هذه المجالس."

ولعله من الاشياء المهمة والرائعة فى هذة المادة أنها تنص على ان تقسيم ليبيا الى وحدات أدارية وفقا للقانون. بمعنى ان هذا المادة لم تنص على شكل معين ولاعدد للوحدات الادارية وأنما تركتها متغيرة وفقا لما ينص عليه القانون. الذى تقره الحكومة المركزية.

وأنطلاقا من هذا الفهم وتأكيدا على هذه المادة، وايمانا بمبذا الفدرالية – الاتحادية الادارية التى نادى بها دستور دولتنا الدستورية الاولى (1951 – 1969) أدعو الى تبنى هذة الفكرة مع محاولة تطبيقها بما يتمشى والتحديات التى تواجه بلادنا اليوم. ولعل من أهم ما يمكن التركيز عليه هو الاتى:

أولا: أذا كان القانون الذى أصدرته الحكومة المركزية عام 1963 قد نص بأن تقسم ليبيا الى عشر أقاليم (محافظات) بذلا من ثلات ولايات كما توضحه الخريطة رقم (2) أعلاه، فاننى أقترح تبنى هذة الفكره مع أقتراح زيادة عدد الاقاليم (المحافظات) الى خمسة عشر (15) أقليم (أومحافظة) أو أكثر كما هو واضح فى الخريطة رقم (4)

أننى أقترح ضرورة زيادة عدد الاقاليم (أو المحافظات) الى - على الاقل خمس عشر (15) – كما هو واضحا أعلاه وذلك حتى نتمكن من تحقيق التوازن الادارى الامثل والفعال فى كل أنحاء الوطن وخصوصا زيادة ثمتيل المناطق الجنوبية والوسطى فى مجلس الشيوخ.

ثانيا: لكى يمكن تطبيق مبدأ الفدرالية الادارية التى نادى بها مؤسيسو دولتنا الدستورية الاولى لابد من تبنى فكرة مجلس الامة المؤسس من مجلسين: مجلس شيوخ ومجلس نواب كما نصت على ذلك المادة(93) من الفصل السابع التى تقول: "مجلس الامة يتكون من مجلسين: مجلس شيوخ ومجلس النواب."

ثالتا: واذا ثم قبول مبدا الثمتيل الجغرافى والادارى المتجسد فى مجلس الشيوخ فلابد اذا من اعادة صياغة المادة (94) من دستور 1951 والتى تنص على ان: "يؤلف مجلس الشيوخ من أربعة وعشرين عضوا يعينهم الملك." وذلك بأن يمثل كل محافظه (أوأقليم) بثلات (3) أعضاء فى مجلس الشيوخ على أن يتم أنتخاب كل عضو فى المجلس لمدة ست (6) سنوات، ويجدد اختيار ثلث (3/1) أعضاء مجلس الشيوخ كل سنتين، ومن أنتهت مدته من الآعضاء يجوز أعادة ترشييحه.

رابعا: لمجلس الشيوخ حق نقد كل السياسات والقوانين التى تتطلب (أو تشترط) على الاقاليم تنفيدها كالتعليم والصحة والضرائب وغيرها. وفى حالة اعتراض مجلس الشيوخ على اى مشروع لايصبح هذا المشروع قانونا الا اذا وافق عليه مجلس النواب بأغلبية الثلتين وأعتمده الرئيس. أما فيما يتعلق بالقضايا الاخرى فلمجلس الشيوخ الحق فى الاعتراض على اى قرار اّخر ولكن لمجلس النوب الحق فى الغاء هذا الاعتراض (أو النقد) بالاغلبية البسيطة.

خامسا: فيما يتعلق بالعلاقات الدولية والسياسات المالية وسياسات الدفاع والمحافظة على الوطن فهى من مهام الحكومة الفدرالية فقط. بمعنى هذة السياسات ليست من مهام الحكومات الاقاليم الا اذا قررت الحكومة الفدرالية عكس ذلك.

سادسا: يتم أقتراح مشروعات القوانين من قبل أى عضو فى البرلمان أو الحكومة أو رئيس الجمهورية. ومن حق مقدم الاقتراح أن يقترح الكيفية التى بها يجب على البرلمان أتخاد القرار، كأن تشترط ان يتم التصويت على المشروع بأسلوب "نعم" أو "لا" فقط.

سابعا: لابد من التأكيد على ان السيادة فى هذا النظام الفدرالى - الاتحادى هى فى النهاية هى للدستور ولقوانين الحكومة الفدرالية ولآثفاقياتها ومعاهداتها الدولية. بمعنى أى قرار أو أجراء يقوم به أى أقليم أو مواطن يتعارض مع الدستور وقوانين الحكومة الفدرالية ومعاهداتها الدولية يعتبر ملغى ولا يجب العمل به.

ثامنا: يحق لكل ولاية (أو أقليم) الحق فى ان يكون لها مجلسها التشريعى (يمكن ان يسمى مجلس الاقليم) وقد يتم انتخاب هذة المجالس لفترة معينة ولتكن مثلا أربع (4) سنوات. ولعل أهم دور لهذة المجالس هو ادارة ومراقبة القوانين الفدرالية بالدرجة الاولى.

تاسعا: يثم تعيين حكام (أومحافضى) الاقاليم (أوالمحافظات) من قبل رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس التشريعى المنتخب عليه.

عاشرا: يجب أن يسعى هذا النظام لتحقيق المبدا السياسى القائل: "التنوع من خلال الوحدة." بمعنى السعى من أجل ايجاد حكومة مركزة قوية ومتماسكة مع السماح بالتنوع وشى من اللامركزية فى الدولة. بمعنى اّخر السعى من أجل تحقيق الوحدة بين أبناء الدولة دون التشاكل (أوالثماثل).

الخاتمة
فى الختام هذة بعض الافكار حول مفهوم التوزيع الهيكلى (أوالادارى) للسلطات والذى أعنى به الكيفية التى يتم بها الفصل بين الحكومات وتوزيع السلطات بينها. أدعو الله عز وجل أن أكون قد وفقت. والحقيقة أننى لا أملك الا أن نؤكدهنا بان هذا مجرد راى أعتقد انه الصواب فمن أتى برأى أحسن منه قبلناة ... فدعونا نبدء الحوار الجاد والبناء من أجل بناء ليبيا الغد.

يتبع ... والله المستعان.

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________
المراجع :
1. Adrian Pelt, Libyan Independence and the United Nations: A Case of Planned Colonization, New Haven: Yale University Press for the Carnegie Endowment for International Peace, 1970, p. 61
2. Majid Khadduri, Modern Libya: A Study in Political Development, Baltimore: The Johns Hopkins Press, 1963, p. 114

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها