Tuesday, November 15, 2011

من مفهوم جماعات المصالح السياسية (1 من 2)


 من مفهوم جماعات المصالح السياسية (1 من 2

من أهم سيمات الدول الحديتة اليوم هو ظهور جماعات منخرطة فى العملية السياسية وساعية لتحقيق مصالحها الخاصة ومدافعة عليها بقوة. وعلى كل من يريد ان يتعاطى السياسة ان يعى هذه الظاهرة التى اصبحت جزء لا يتجزى من تكوين كل الدولة العصرية والمتقدمة. ونظرا لأهمية هذا الموضوع سأحاول فى هذه العجالة ان نقدم تعريفات بسيطة ومختصرة لطبيعة ودور هذه الظاهرة وذلك من باب تعميم الفائدة واثراء النقاش. ولعل من المفيد فى هذا الشان ان نحاول الاجابة على الاسئلة التالية:
1. ماذا نعنى بجماعات المصالح؟
2. ما هى طبيعة جماعات المصالح؟
3. ما هى أهم أغراض جماعات المصالح ؟
4. ما هى أهم مصادر قوة جماعات المصالح ؟
5. ما هى أهم الوسائل التى تستخدمها جماعات المصالح لتحقيق أهذافها؟
6. ما هى أهم وظائف جماعات المصالح ؟
7. ما هى أهم عيوب جماعات المصالح ؟

أولا: ماذا نعنى بجماعات المصالح؟
لعلنا نتفق بداية بان الدولة العصرية اليوم تشمل مكونات أساسية وضرورية عديدة لعل من أهمها: الافراد والجماعات والمجتمع. وان هذه المكونات مرتبطة ببعضها البعض ارتباط سياسى واقتصادى واجتماعى وثقافى وتنظيمى. وعليه فالجماعات هى مكون أساسى وضرورى فى الدولة سوى أعترفت السلطة الحاكمة بذلك أم لم تعترف. ولعل من أهم الجماعات فى الدول المتقدمة اليوم هى ما يعرف فى بعض البلدان كالولايات المتحدة الامريكية بجماعات المصالح, و يعرف فى بلدان آخرى كالمملكة المتحدة البريطانية بجماعات الضغط. ان هذه الجماعات توجد اليوم فى كل الدول التى يسمح نظامها السياسى لمواطنيها بتنظيم انفسهم لتحقيق مصالحهم والدفاع عليها بشرط ان يثم ذلك وفقا للأجراءات والقواعد التى يحددها القانون. وما اعنيه هنا بجماعات المصالح هى كل مجموعة من الافراد الذين تجمعهم رؤى واهذاف مشتركة وقرروا العمل معا للضغظ على السلطات الحاكمة والتاثير فى سياساتها لتحقيق مصالحهم والمحافظة عليها. بمعنى آخر ان جماعات المصالح هى: (1) أفراد تجمعهم أهذاف ومصالح مشتركة, (2) لهؤلاء الافراد هيكل تنظيمى يجمعهم, (3) هؤلاء الافراد يشكلون جماعة ضاغطة ويسعون للضغط والتاثير على العملية السياسية فى الاتجاه الذى يخدم مصالحهم, و(4) هؤلاء الافراد لا تهمهم الا مصلحتهم فقط ويعملون من أجل تحقيقها بكل الوسائل المشروعة.

ثانيا: طبيعة جماعات المصالح؟
الحقيقة ان طبيعة هذا النوع من الجماعات يقوم على عدة مبادى سياسية لعل من اهمها: (1) الايمان بمبدا الصراع السلمى بين الجماعات فى المجتمع وان هذا الصراع هو صراع دائم ومستمر وحتمى. (2) يجب على كل من المنتصر والخاصر فى هذا الصراع احترم قواعد اللعبة وما تؤدى اليه من نتائج. (3) الاثفاق على ان العملية التنافسية هى جوهر الصراع, (4) ان قواعد اللعبة يجب ان يثم الاتفاق عليها سلفا, (5) ان مصلحة الجماعة أهم من مصلحة الفرد وعليه فمن الواجب على كل من تجمعهم مصالح مشتركة ان يتنظموا انفسهم ويسعوا الى تحقيق مصالحهم, وما السياسة الا عبارة عن صراع من أجل السيطرة والقوة بين جماعات المصالح فى الدولة, (6) ان الدولة تتكون من مراكز قوة عديدة وانه لاتوجد مؤسسة واحدة ولا شخص واحد يمكن ان يتحمل كل المسؤوليات فى الدولة. وان الحكومة يمكن الضغط عليها لتحقيق المصالح الخاصة, (7) ان جماعات المصالح تعمل فى الخفاء وبعيدا عن انظارالمواطنيين, ولهذا السبب فقد أطلق عليها بعض علماء السياسة أسم: "الحكومات الخفية." يمعنى ان هذه الجماعات تفضل استخدام أسلوب الضغط والتاثير (وليس المشاركة المباشرة فى النشاطات السياسية) على مؤسسات النظام الحاكم من أجل تحقيق مصالحها. و(8) تختلف جماعات المصالح على الاحزاب السياسية فى ان هذه الجماعات تهتم بمصالح اعضائها فقط وفى العادة لا يهمها من يحكم بقدر بكيف يحكم, بينما تهتم الاحزاب باللمصالح التى تخدم جميع المواطنين وهذفها ان تحكم وتسير شؤون البلاد.

ثالثا: أغراض جماعات المصالح؟
لكى نعرف أهم أغراض جماعات المصالح لابد ان نتعرف على الاسباب الاساسية التى تدفع بالافراد للاشتراك فيها. والحقيقة ان الافراد فى اى دولة يشاركون فى الجماعات التى يرغبون فيها لعدة أسباب يمكن حصرها فى ثلاث أصناف رئيسية هى:: (1) مصالح أقتصادية: بمعنى ان الدافع الاساسى فى انتماء بعض الافراد الى جماعات معينة هو بالدرجة الاولى لانها تقدم لهم فوائد اقتصادية محددة. فعلى سبيل المثال مشاركة العمال فى الاتحادات العمالية, ومشاركة الاساتدة فى اتحاد المدرسين ... وغيرها من الجماعات الاخرى. (2) مصالح نفسية واجتماعية: بمعنى ان هناك شريحة من الافراد يشاركون فى بعض الجماعات لا من اجل مصالح اقتصادية ولا مادية وانما لأغراض يمكن وصفها بالنفسية: كتحسين الوضع الاجتماعى, أوالشهرة, أواحترام الذات, أوالاحساس بالانتماء, أو الحصول على مكانة اجتماعية عالية, ... أوغيرها. و(3) مصالح غرضية وهى المتعلقة بغاية الفرد والاحساس بتحقيق الهدف الاعلى الذى ينتمى له. فعلى سبيل المثال هناك افراد يشاركوا فى جماعات معينة لتحقيق رغبتهم الذاتية فى جعل العالم احسن ولخدمة البشرية كاعضاء منظمة أطباء بلا حدود والعاملون فى الهلال الاحمر. أوكالافراد الذين يضحون بانفسهم من اجل القضية التى أمنوا بها ولعل خير مثال على ذلك الفدائى الذى يضحى بنفسه دفاعا عن الارض والعرض.

رابعا: مصادر قوة جماعات المصالح؟
لجماعات المصالح مصادرعديدة لقوتها ومقدرتها على الثاتير لعل من أهمها: (1) حجم الجماعة: بمعنى كم هو عدد المواطنيين التى تدعى الجماعة ثمتيلهم وتتحدت بسمهم. وبمعنى اخر اذا كانت جماعة ما تتحدت باسم شريحة كبير من المواطنيين فهذا يعنى انها مجموعة قوية. فعلى سبيل المثال لو أفترضنا ان كل العوامل الاخرى ثابتة فان حجم الجماعة سيكون هو أهم مصدر من مصادر قوتها. بمعنى كلما كانت الجماعة كبيرة فى الحجم كلما أزدادت قوتها والعكس صحيح. فعلى سبيل المثال فى الولايات المتحدة الامريكية تعتبر جماعة ما يعرف "المؤسسة الامريكية للاشخاص المتقاعدين" أكبر بل ويمكن القول أقوى جماعة من جماعات المصالح فى أمريكا خصوصا فيما يتعلق بالضمان الصحى وفؤائد التقاعد. والسبب فى ذلك بسيط هو انها ثمثل حوالى 35 مليون عضو وفقا لاحصائيات 2008 (راجع: جانده, 2008, ص306). (2) العضوية: أما المصدر الثانى من مصادر قوة (اوضعف) جماعات المصالح فهو عامل العضوية. بمعنى ان العديد من الجماعات تشترط شروط محددة للاشتراك والعضوية (كدفع رسوم الاشتراك, وحضور الاجتماعات, والمشاركة فى النشاطات, ... الخ) وكل من لم يلتزم بهذة الشروط لا يعتبر عضوا. بمعنى ان القضية ليست فيما تدعى جماعة ما انها ثمثلة أو تتحدت بسمه بل فى كم لذيها من أعضاء نشطين وفاعلين وملتزمين باهدافها. فلو أستخدمنا نفس المثال أعلاه لوجدنا ان سر نجاح "المؤسسة الامريكية للاشخاص المتقاعدين" يكمن ايضا فى نوعية أعضائها. ففى هذه الجماعة لكى تكون عضوا لابد ان تلتزم بمجموعة من شروط العضوية التى لعل من أهمها أشترط ان يكون العضو قد بلغ من العمر خمسين (50) عاما وان يكون قادرا على دفع رسوم العضوية والتى تقدر بحوالى 16 دولارا أمريكيا. وفى نفس الوقت لو نظرنا الى جماعات مصالح آخرى فى الولايات المتحدة الامريكية تدعى انها تتحدت باسم أعدد كبير تقدر بالملايين الا انها ضعيفة جدا ولا دور سياسى يذكر لها. ولعل من أهم هذه الجماعات هى الجماعات التى ثمتل المكسيكان-الامريكيين, والجماعات التى ثمتل الافريقيين-الامريكيين, وايضا الجماعات التى ثمتل المسلمين-الامريكيين. وهنا قد يسأل سائل فيقول: لماذا هذه الجماعات ضعيفة برغم من انها تتحدت بسم الملايين؟ والاجابة ببساطة هى ان الملايين الذين تدعى هذه الجماعات انها تتحدت باسمهم هم فى الحقيقة ليسوا أعضاء فاعلين سياسيا فى هذه الجماعات. فعلى سبيل المثال ان المكسيكان-الامريكيين والذين يقدرعددهم بحوالى (13% من مجموع عدد السكان الذى يقدر بحوالى: 303,824,840 نسمه) حسب تقديرات احصائيات السكان لعام 2007 ( راجع: جانده, 2008, ص511), الا ان الاغلبية الساحقة من هؤلاء ليسوا أعضاء فاعلين فى الجماعات التى يفترض انها ثمتلهم. ونتيجة لهذا نجد ان قوتهم السياسية لا ثمتل حجمهم السكانى وانهم أضعف من جماعات كثيرة أصغر منهم عددا. فعلى سبيل المثال لا يوجد اى ثمتيل لهم فى مجلس الشيوخ, وثمتيلهم فى مجلس النواب لا يزيد على 4% من مجموع اعضاء المجلس الذى يتكون من 435 عضوا. (3) القيادة: بمعنى ان جماعات المصالح تتعامل مع الحكومة وصناع القرار من خلال قياداتها وممثلها. وعلية فان وجود القيادة الفاعلة والمؤثرة تعتبر شرط اساسى وضرورى لنجاح أى جماعة. (4) التنظيم: بمعنى لكى تكون جماعات المصالح مؤثره وفاعلة يجب ان تكون منظمة تنظيم علمى ومتطور. (5) التوزيع الجغرافى: بمعنى ان قوة جماعات المصالح يتوقف ايضا على مدى انتشار اعضاءها (اوعدمة) فى كل انحاء الدولة. وبمعنى آخر ان جماعات المصالح التى لها اعضاء فى كل انحاء البلاد سوف تكون اقوى واكثر ثاتيرا من الجماعات التى ينحصر اعضاءها فى منطقة جغرافية معينة. (6) الخبرة والمعلومات: بمعنى ان الجماعات المهنية والتخصصية فى اغلب الاحيان تكون قوية لانها جماعات متخصصة وتقوم باحتكار تخصصها واستغلاله لخدمة مصالحها الذاتية. ولعل خير مثال على ذلك فى الولايات المتحدة الامريكية هى جماعات الاطباء والمحامين. فكل من هذه الجماعات أحتكرت مهنتها وخبرتها واستغلال ذلك لخدمة مصالحها. و(7) المال: وكلنا يعلم دور المال فى تسيير اى عمل او نشاط سياسى او غير سياسى. فالمال فى اغلب الاحيان يجعل الناس يهرولون ... ويبتسمون ... ويرقصون, ويجعلهم ايضا ينظرون للقصير طويل ... وللضعيف قوى ... وللقبيح جميل ... وللمخطىء مصيب!

فى الجزء الثانى (والآخير) من هذا المقال باذن الله سوف أحاول الاجاب على الاسئلة الاتية: ما هى أهم الوسائل التى تستخدمها جماعات المصالح لتحقيق أهذافها؟ ما هى أهم وظائف جماعات المصالح ؟ وما هى أهم عيوب جماعات المصالح ؟

يتبع ... 

والله المستعان

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________________________________
: المراجع
Challenge of Democracy : Government in American
M. Janda, Geffrey M. Berry, and Jerry Goldman (2008)
New York: Houghton Mifflin Company, 9/e.

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها