Tuesday, November 15, 2011

من مفهوم الاستخفاف السياسي


من مفهوم الاستخفاف السياسي

من المحزن حقا ان يشاهد الانسان شعب يعيش حالة من أسوأ حالات الاستبداد. هذه الحالة يمكن ان نطلق عليها إصطلاحا "الاستخفاف السياسيِِى." فى هذه العجالة سأحاول تسليط بعض الضوء على هذه الظاهرة المنتشرة اليوم فى أغلبية الدول العربية وإلاسلاميٍة من أجل محاولة معرفة أسبابها وكيفية علاجها والتخلص منها. ولعله من المناسب ان نحاول الاجابة على الاسئلة التالية:

1. ماهو الإستخفاف السياسيِى؟
2. ماهى أهم مظاهر الاستخفاف السياسيِى؟
3 . ماهى أهم ادوات الاستخفاف السياسيِى؟
4. ماهى أهم نتائج الاستخفاف السياسيِى؟

"أولا" معنى الإستخفاف:

ما أقصده هنا بالاستخفاف السياسيِى هو باختصار شديد عبث الحاكم بثروات ومقدرات وقيم شعبه دون رقيب ولا حسيب ودون إكِتراث بالنتائج. وهو أقصى درجات الاستبداد واسوأ نوع من أنواع التحكم والاذلال والسيطرة السياسية على شعب ما. فالحاكم المستخف يقوم بالسيطرة على شعبِِه والاستهتار بهم وبعقولهم وبطموحاتهم وأحلامهم. وينظر لابناء شعبه على انهم لا يستحقون الاهتمام وليس من واجبه ان يؤدى لهم حقوقهم. والاسوأ من كل ذلك انه يتوقع منهم ان يكونوا مجر خدم ينفدون آوامره دون نقاشا ولاسؤال. وبالاضافة لذلك يتوقع منهم ان ينعتوه بكل النعوت الحسنة وان يطلقوا عليه كل الصيفات الحميد والعظيمة كالاخ والمعلم والفيلسوف والملهم والقائد والمهندس والشاعر والعميد والملك بل وحتى لقب ملك الملوك!

"ثانيا" مظاهر الاستخفاف:

يمكن القول ان للاستخفاف السياسى أشكال عدة ومظاهر مختلفة لعل من أهمها:

1. التكبر: بمعني ان اول وأخطر مظاهر الاستخفاف السياسى هو تكبر الحاكم المستخف على ابناء شعبه واعتقاده بانه فوق الجميع فى كل شىء. وهو أسوأ ما يصيب الانسان من أمراض إجتماعيِة وآفات أخلاقية. يصف الشيخ حسن أيوب رحمه الله الانسان المتكبر على انه: "... لا يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه, ولا يقدر على التواضع, ولا يتخلص من الحقد ولا يتغلب على الغضب والغيظ , ولا يستطيع دفع الحسد عن نفسه , ولا يقبل نصيحة ناصح , ولا تعليم عالم , ولا يعامل الناس إلا بالازدراء والاحتقار, وإذا مشى اختال , واّذا تكلم افتخر , وإذا نصح سخر من الناس وحقـّرهم, وإذا تحدث تقعر فى الكلام وتشدق, وإذا جالس الناس غضب إذا لم يكن له صدر المجلس , وأول الكلام, وغاية التعظيم والاحترام" (أيوب, 1974, ص 101).

2. اللاأمبالاة: وتعنـى إهمال الحاكم المستخف لشعبه وعدم الاهتمام والاكتِراث بمصالحهم والاستهتار بحقوقهم ومقدراتهم. ورفضه لتحمل اىّ مسئولية على اىّ عمل او تصرف يقوم به. كل هذا يقود فى النهاية الى عدم تقدير حجم النتائج النهائية والى اتخاد المواقف السلبية تجاة القضايا الهامة فى المجتمع.

3. الارتياب: ويعنـي عدم ثقة الحاكم فى كل أبناء شعبه مهما كانوا مخلصين له وذلك نتيجة لخوفه منهم والشعور الدائم بالاشتباه فيهم وإساءة الظن بهم. وتجده يعيش حياة مملؤة بالهوس والشكوك فى كل شىء بل حتى من أقاربه وأهله. والمصدر الاساسى للارتياب فى العادة هو النفوس اللئيمة والنزعات الشريرة. فالحاكم المرتاب لا يستطيع ان ينظر الى أعمال الآخرين وتصرفاتهم ببراءة وثقة. وباختصار فالحاكم المرتاب هو إنسان لا يثق فى أحد (حتى أولادة) ودائما يشك فى كل شىء. وهذا المرض النفسانى يقود صاحبه الى الانانية والعدوانية والاستخفاف بالآخرين.

4. السخرية: وتعنـي قيام الحاكم المستخف بالاستهزاء والاستهانه والتحقير لابناء شعبه وإنزالهم منازل أقل من منازلهم. من أجل إدلالهم والتقليل من شأنهم. وهو مرض اجتماعى خبيت ونتاج لخلل فى نفسية الحاكم. ومصدره الرئيسى شعور هذا الحاكم بالنقص والحرمان

"ثالثا" ادوات الاستخفاف:

ان للحاكم المستخف العديد من الاساليب والادوات التى يستخدمها فى تحقيق أهدافة لعل من أهمها:

1. الاستبداد: وهو استخدام الحاكم المستخف للسلطة من أجل فرض ارادته وهيمنته على أبناء شعبه دون قيود ولا شروط وباستخدام كل أساليب القمع ومصادرة كل أنواع الحرية. أو كما يعرفه الكواكبيِ رحمه الله (1848 – 1902) "تصرف فرد او جماع فى حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة"(أدونيس , 1982 , ص 28). ويصف هذه الظاهرة على أنها: "داء أشد وطأة من الوبا , وأكثر هولا من الحريق, وأعظم تخريبا من السيل , وأذل للنفوس من السؤال"(أدونيس , 1982 , ص 82). ويقول فى مكان آخر "... لو كان الاستبداد رجلا واراد ان يحتسب وينتسب لقال: انا الشر, وابى الظلم .. وأمى الاساءة, .. وأخى الغدر , وأختى المسكنة , وعمى الضر , .. وخالى الذل , وابنى الفقر , وبنتى البطالة, ووطنى الخراب, وعشيرتى الجهالة" (تابيرو, 1988, ص 32). أما الدكتور احمد كمال ابو المجد فيقول واصفا النظام الاستبدادى: "فاذا كان النظام نظام قهر .. انكمش الصدق .. وانزوى الوفاء .. وتوارت الشجاعة ونكس رأسه .. واستعدت الرحمة للرحيل .. وارتفعت هامات الكذب والخيانة .. وتعالت أصوات النفاق والمداهنة .. وغنت النفوس قصائد المدح الوثنـى الذى يمتهن إنسانية الانسان .. ويزرى بالمادح والممدوح على السواء .. والذى قال فيه النبى (ص) : إذا رأيتم المداحين فاحثوا فى وجوههم التراب... واذا طال زمن القهر .. ونسيت البراعم الناشئة من جيل الشباب طعم الحرية تحول النفاق الى طبع مغروس, وعادة تمارس بلا تفكير .. وصار الدرهم والدينار قبلة الناس وكعبتهم .. فخرجوا – وهم لا يشعرون – الى وثنية حقيقية تتسلل الى نفوسهم مع أنفاس كل يوم يعيشونه فى ظلال الخوف والقهر .. حتى ينتهى بهم الأمر إلى عبادة فرد أو أفراد .. والى اسقاط كل القيم الموضوعية التى ترتبط بها حياة الاحرار والمواقف والمشاعر والأفكار ... وهذا منتهى التدنى وقاع الهبوط ..."(أبوالمجد , 1988 , ص 265). من كل ما تقدم يمكن ان نستخلص وفى عبارة واحدة أن الاستبداد هو ظاهرة مرضية خطيرة تؤدى الى شيوع كل الامراض الاجتماعية الخبيثة وفى النهاية الى استخفاف الحاكم بشعبه وبكل من حوله.

2. التجهيل: الحقيقة التى يتفق عليها الجميع هى ان العلم هو أكبر الاخطار التى يخافها كل حاكم مستخف. فليس من مصلحة اىّ حاكم مستخف أن يتعلم شعبه التعليم الصحيح والمفيد ولا أن ويثثتقف الثقافة الحضارية الراقية. وبالتالى تصبح سياسات التجهيل والدعاية والتضليل هى من أهم وأفضل الوسائل التى يستخدمها هذا الحاكم للسيطرة على الحكم والاستمرار فيه. يقول الكواكبى فى هذا الصدد: "ان أخوف ما يخافة المستبد فى بلاد العرب من أن العلم هو ان يعرف الناس حقيقة ان الحرية أثمن من الحياة" (تابيرو , 1988 , ص 30). وهنا لابد من التأكيد على الفرق بين "ظاهرة الجهل" و"آفة التجهيل." فالجهل ليس عيبا ولكن التجهيل مرض بل فى إعتقاديِى يجب اعتباره جريمة يعاقب عليها القانون. وما اقصده بالتجهيل هو العملية المنظمة والمُبرمجة لإخفاء الحقائق وإنكار الادلة وتضليل الناس. فالاغلبية الساحقة من ابناء وبنات الشعب الليبيِى فى بداية الاستقلال عام 1952 - على سبيل المثال - كانت جاهلة ولكنها إستطاعت ان تؤسس دولة دستورية كان بالامكان ان تنجح وتزدهر لو اتيحت لها الفرصة. بينما الذى ينظر الى ليبيا اليوم وبالتحديد مند عام 1969 يستطيع أن يرى وبكل وضوح سياسات التجهيل والتضليل التى اتبعها حكم القذافى الظالم مند اليوم الاول للانقلاب. ولعل من أهم معالم التجهيل فى ليبيا اليوم هو طمس الحقائق وتزييف التاريخ والاستهتار بالتعليم وإهانة المثقفين واحتكار الاعلام وتجريم حق الاختيار. ولعله من المناسب ان نذكر هنا بان التجهيل والاستبداد وجهان لعملة واحدة هى الاستخفاف. وانه كلما اجتمعت هاتان الرذيلتان فى مجتمع كلما زادت درجة الاستخفاف فيه.

3. الافساد: وما أعنيه هنا بالافساد هو قيام الحاكم بأخد كل ما هو صالح ومفيد والعمل على تحويله الى شـىء غير نافع بل ضار. ومن أهم أدوات الافساد: الغش والرشوة والمحاباة والمحسوبية. وباختصار شديد يمكن القول ان المقصود بالغش هنا هو محاولة الحاكم خلط الاوراق وعدم التفريق بين الحلال والحرام والجميل والقبيح والنافع والضار. والغرض الاساسى من اتباع هذا الاسلوب هو توريط اكبر عدد ممكن من ابناء الشعب والدفع بهم لان يكونوا شركاء فى ظلمه وأخطائه. أما المقصود بالرشوة فهى عملية بدل المال اوالتطوع بالوقت والجهد من أجل وصول الشخص الى ما ليس له أهل. وأول ضحايا الرشوة هو تدمير الاخلاق والعادات والقيم الحميدة فى المجتمع. أما المقصود بالمحاباة هو قيام شخص وخصوصا مسؤول فى الدولة بمجاملة إنسان آخر لمكانته أو قرابته أولخوفة منه أولغير ذلك وإعطائه مالا يستحق من المال العام. أما المحسوبية فهى نوع من أنواع المحابة ولكنها أخص منها , لانها خاصة بشخص محسوب على المسؤول فى الدولة أوقريب له. كأن يقوم على سبيل المثال شخص مسؤول من قبيلة معينة بتوظيف أبنائه أوابناء عمومته أوأقاربة دون أعتبار للكفاءة أوالخبرة أوان يكون هناك فى المجتمع من هو أكثر كفاءة وعلم منه. من كل هذا يمكن للمرء ان يستنتج بانه اذا زار انسان ما بلد ما ووجد ظواهر الرشوة والغش والمحاباة والمحسوبية منتشرة فى كل مكان , فاليعلم ذلك الانسان أن الذى يحكم تلك البلد هو حاكم دكتاتور مستخف بشعبه وينطبق عليه قول الله تعالى: "ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون"(النمل , 34).

"رابعا" نتائج الاستخفاف:

وهنا يمكن للمرء ان يستخلص ان الاستخفاف السياسـي يقود الى العديد من النتائج لعل من أهمها:

(أ) الانحطاط: وهو الحالة التى يصاب فيها مجتمع ما بالخمول والتراجع والانكماش والتخلف السياسي والاجتماعي والثقافي والمنهجي وكنتيجة لذلك يفقد معالم شخصيته ومكونات هويته وأصالته ويصبح عرضة للتنازل عن كل قيمه ومعتقداته التى قد تدفع به للتحرر والرقى والازدهار. والانحطاط داء أصله ودافعه بالدرجة الاولى هو الاستبداد السياسـى. وهنا قد يسأل سائل فيقول: ولكن ما هى العلاقة بين الانحطاط والاستخفاف؟ والاجابة باختصار شديد تتلخص فى أن الطغيان يؤدى حتما الى الاستغناء مصداقا لقول الله تعالى "إنّ الانسان ليطغى ان راّه إستغننىء."... وأن الاستغناء يقود فى العادة الى الاستبداد .. وان الاستبداد يدفع بصاحبه الى الاستخفاف.. والنتيجة الحتمية فى النهاية للاستخفاف هى لا محالة الانحطاط.

(ب) الفسوق: وهو أسفل وأسوأ درجات الانحطاط. ويعنى الخروج عن العهد اوعن حدود الدين والمعتقدات. بمعنى ان فالفاسقين هم الذين ينقضون عهودهم وينتهكوا حرمات معتقداتهم ويتخلوا عن كل قيمهم وعادتهم وتقاليدهم الحميدة. يقول تعالى واصفا هؤلاء "وما وجدنا لأكثرهم من عهد وان وجدنا أكثرهم لفاسقين" (الأعراف , 102). إنّ هذه الحالة هى النتيجة الحتمية والنهاية لظاهرة الاستخفاف. وفى هذه الحالة يتحقق للحاكم المستخف بشعبه كل أحلامه وذلك باطاعتهم له فى كل أوامره وتصرفاته سواء ان كانت هذه الآوامر متعلقة بالحلال اوبالحرام او بغيرها. بمعنى عندما يصل الشعب الى درجة الفسوق يكون مصيره حتما الخنوع والاذلال وإن المحصلة النهاية لهذا الفسوق هو اتباع كل من يستخف بهم ويتجسد فيهم قول الله تعالى: "فاستخف قومه فاطاعوه, إنهم كانوا قوما فاسيقين" (الزخرف , 54).

الخاتمة: الحالة الليبية... أنموذجا
إنّ من يتأمل فى عملية التحطيم المُبرمج لكل البنى والمقومات الاساسية فى كل مناحى الحياة -- السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى ليبيا خلال فترة حكم القذافى وما نجم عن ذلك من نتائج مدمرة وفاجعة لا يمكن الا أن يستنتج بان السبب الرئيسي لما آلت اليه هذه الاوضاع من تخلف وإنحطاط وتدهور هو تسلط القذافى وعصابته واستخفافهم بكل ما هو جميل وثمين فى هذه البلاد. فمما لا شك فيه على سبيل المثال ان:
قيامه بحرمان ابناء شعبه من ثرواتهم الهائلة هو استخفاف بممتلكاتهم...
وقيامه بحرمانهم من حقهم فى التعليم والعلاج والسكن هواستخفاف بحقوقهم...
وقيامه باذلال حاملة الشهادت واصحاب الخبرات والمؤهلين هو استخفاف بكفاءاتهم وقدراتهم...
وقيامه بإدلال السجناء واجبارهم على طلب العفو منه والاعتدار له هو استخفاف بكرامتهم.
والسؤال المهم هنا هو:
من الذى مكّن هذا الحاكم الظالم فى الاستمرار فى هذا الاستخفاف والتطاول على كل ما هو مقدس وجميل فى ليبيا؟ بإختصار شديد الذى مكّنه فى الاستمرار هو قابلية شعبنا لذلك وإفتقاره للارادة والمقدرة على التغيير. والحقيقة ان هناك أسباب عديدة ساعدت على ذلك لعل من أهمها:

(أ) تدنى الوعي السياسي ولا أقول الوعي العام بين أبناء الشعب. ونعنى به عدم إدراك المواطن لكل حقوقة السياسية والى واجبات الحاكم ومسؤولياته فى الدولة. إن هذا العامل هو من أهم المعوقات لاحدات التغيير وتحدى هذا الحاكم المستخف. وقاد هذا الوضع - للأسف الشديد - إلى أن يصبح الشغل الشاغل للانسان الليبى اليوم هو مجرد البحث على ضروريات الحياة من مأكل ومشرب ومسكن وعلاج.

(ب) ضعف الشعور بالمسؤولية الجماعية. بمعنى إنّ تدنى الوعى السياسى فى المجتمع دفع بالكثيرين لأتباع سياسة "أخطى راسيِى وقص." والحقيقة انه حين يغيب هذا الشعور وتشيع روح الخمول والاتكال والتبعية , عندئذ لن تجد من يحمل هموم الوطن والتضحية فى سبيله والعمل على إصلاحه.

(ج) اليأس من المقدرة على التغيير. لقد شاع عند الغالبية العظمى من اأناء الشعب بان هذا الحاكم المستخف قوي وقمعي ولا يمكن تغييره وليس هناك من خيار الا القبول به والتعايش معه والانتظار حتى يغيره القدر.

و(د) المتاجرة واستغلال ظروف الشعب المُستظعف والمظلوم من قبل فئة من ابناء شعبنا وخصوصا المقيمين خارج الوطن والذين قرروا الرجوع من أجل المتاجرة وتحقيق الربح السريع. وللأسف الشديد لقد وقع البعض من هؤلاء الاخوة فى الفخ الذى نصبه لهم القذافى وذلك بتوريطهم فى مشاركته فى استغلال ظروف شعبنا المظلوم. فقد قام هؤلاء السادة والسيدات بإستغلال هذه الظروف والمتاجرة بكل ما وقعت عليه أيديهم -- كخردة السيارات والادوات القديمة والملابس المستعملة -- وحققوا بذلك أرباح كبيرة وأموالا كثيرة. واستخدموا من أجل تحقيق ذلك كل الوسائل المشروعة منها والغير مشروعة كالكذب والغش والرشوة والتحائل وغيرها الكثير. وأصبح ولأءهم وانتماؤهم للوطن مرتبط بالدرجة الاولى بالمال وليس بالمكان وتجسد فيهم الشعار الذى يقول: "تجار النهب ... والاحتيال ... لا وطن لهم."

وعليه فلابد ان نُدكر جميع الاخوة والاخوات المقيمين فى الخارج وخصوصا الراغبين فى الرجوع للوطن بان عملية الرجوع هى أمنية وهدف لكل إنسان يحب شعبه وأهله. وهى أمر مرغوب بل مطلوب من أجل القضاء على حالة الاستخفاف التى تعيشها بلادنا اليوم, ومن أجل المساهمة فى خدمة شعبنا الكريم. وان هجرة الاغلبية العظمى من أبناء وبنات ليبيا الى الخارج لم تكن خيارا بل كانت قرارا اضطرارا فرضه عليهم هذا الحكم الظالم.

والحقيقة التى لا يختلف عليها كل العقلاء هي أنّ المعارضة الحقيقية والفاعلة لا يمكن ان توجد إلا فى داخل الوطن , وما معارضة الخارج إلا للإعلام والتعريف والقيام بكل ما لا يستطع أهل الداخل القيام به. وعليه فما يجب ان نُذكر به ونُؤكد عليه هو أن لا تكون عملية العودة للوطن من أجل القبول والخضوع للامرالواقع, ولا من أجل الركون للظالم أوالمتاجرة بمعاناة شعبنا وأستغلال ظروفه الاقتصادية والصحية الصعبة التى يعيشها هذه الايام ... بل يجب ان تكون من أجل المساهمة فى إحدات التغيير المنشود والمطلوب.

أما دعوتى لأبناء وبنات شعبنا الصابر فى داخل الوطن الحبيب فهى ان يستمروا فى رفضهم لإتباع هذا الحاكم المستخف بديننا وقيمنا وبكل ما هو جميل فى وطننا. وان يتدكروا بانهم إذا أطاعوه واتبعوه فسوف يقودهم ذلك الى أسفل درجات الاستخفاف ألا وهي الفسوق وعندئذ سوف ينطبق عليهم (والعياذ بالله) قول الله تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين" (الزخرف , 54).

ودعوتى الى كل الخيّرين فى داخل الوطن الوطن وخارجه الى الاستمرار فى تحدّي هذه الظاهرة الخبيثة فى مجتمعنا والعمل على القضاء عليها بكل الوسائل السلمية والمشروعة. ولابد من العمل جميعا على إنهاء ثقافة الاستخفاف المنتشرة فى وطننا هذه الايام وذلك عن طريق: (أ) نشر الوعى السياسى بين كل أبناء الشعب. (ب) رفض فلسفة الانفراد بالراى وحب التسلط مهما كانت ومن اى مكان أتت. و(ج) محاربة كل أذوات الافساد وخصوصا الغش والرشوة والمحاباة والمحسوبية وليكن أحد شعارتنا هذه الفترة قول الله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد , 11).

ختاما لعله من الواجب الوطنى ان ندعو كل الذين هم فى مراكز القوى وخصوصا الذين يشاركون القذافى ويناصرونه فى ظلم ابناء وبنات شعبنا لنقول لهم ما قاله سيدنا لوط عليه السلام لقومه: "أليس فيكم رجل رشيد."

وفى الختام يا أحباب لا تنسوا ان هذا مجرد راى.

والله المستعان .

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________________________________

المراجع :
ـ أدونيس وخالدة سعيد (1982) "الكواكبى." دار العلم للملايين., ص 28
ـ نور بير تابيرو (1988) "الكواكبى: المفكر الثائر." دار الاداب -- للمستشرق الفرنسى نور بير تابيرو. ترجمة على سلامة . 1988, ص32).
ـ حسن أيوب (1974) "السلوك الاجتماعى فى الاسلام." الجزء الاول. سلسلة: رسالة المسجد (رقم 7). الطبعة الاولى. الكويت
ـ أحمد كمال أبو المجد (1988) "حوار لا مواجهة." القاهرة: دار الشروق. الطبعة الثانية.

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها