Wednesday, November 16, 2011

من اللاوعي ... الى الوعي السياسي




الأربعاء 2 يوليو 2008





مـــــن اللاوعي ... الى الوعي السياسي
   
د. محمد بالروين
تعتبر قضية الوعي السياسى من أهم القضايا التى يجب الاهتمام بها فى كل مجتمع يريد ان ينهض ويتقدم. والحقيقة ان الغاليبة العظمة من شعوبنا الاسلامية اليوم لا تملك الوعي السياسى المطلوب لانها ببساطة محرومة منه منذ سنين عديدة . والاسوء من ذلك انها ايضا محرومة حتى من المنهجية العلمية التى يمكن ان تحقق لها ذلك الوعى. بمعنى ان ما ينقص اغلب شعوبنا الاسلامية اليوم ليس فقط الوعى بما تريد ولكن ما تفتقده ايضا هو فهم كيفية الوصول الى ذلك. وانطلاقا من هذا الحقيقة يمكن القول بان الاغلبية العظمى من ابناء وبنات امتنا الاسلامية يعيشون اليوم ما يمكن ان نطلق عليه بحالة "اللاوعى السياسى." وحتى الفئات والنخب السياسية التى تعتقد انها واعية فى هذه الامة تعيش اليوم فى تصورى حالة من الوعى السياسى الذى يمكن وصفه بالوعى "الزائف" أو"الناقص" أو"المستسلم" او"العاجز." ولا يوجد من بين هؤلاء الا مجموعات صغيرة وغير مؤثرة تملك عناصر ومكونات وآليات الوعى السياسى اللازم للنهوض بامتنا وتقدمها. وعليه فان صناعة وزيادة الوعي السياسى يمثل التحدي الأكبر في مسيرة التغيير فى كل دوله من دول امتنا الاسلامية. وذلك لان الوعى السياسى هو حجر الزاوية واساس النهوض ويتطلب تضافر كافة الجهود من اجل تحقيق الاهدف المنشود. وعليه فلابد على كل شعب يريد التقدم ان يجعل هذه القضية من اهم أولوياته وذلك بتشجيع كل مواطن فى المجتمع بمعرفة ذاته ودوره وحجم مسئولياته, وايضا بتشجيعه على التعامل الايجابى مع الآخرين ومعرفة قواعد اللعبة السياسية وأخلاقياتها. ولكى يتحقق كل ذلك لابد فى تصورى من الاجابة على مجموعة من الاسئلة لعل من اهمها:
ما هية الوعى السياسى؟
لماذا الوعى السياسى؟
ما هى أهم أبعاد الوعى السياسى؟
ما هى أهم مراحل تحقيق الوعى السياسى؟
ما هى أهم وسائل تحقيق الوعى السياسى؟

"أولا" ماهية الوعى السياسى
بداية يمكن ان نتفق على ان الفكر هو اساس كل وعى سياسى وان من أهم نتائج الفكر هو الثقافة. بمعنى ان الفكر (أى فكر) سوف ينتج منه ثقافة معينة وان هذه الثقافة هى التى سوف تشكل الوعى السياسى الذى سيسود فى مجتمع ما. وبمعنى آخر ان الثقافة لا تولد من فراغ بل هى تعبيرعن مجموعة من الافكار والقيم والاشكال والهياكل السياسية المختلفة وان وجود الوعى السياسى (أوانعدامه) هو نتيجة مباشرة لوجود هذه الثقافة ونوع الافكار والقيم الموجودة بها. فالثقافة هى الاداة الاساسية للسيطرة على الوعى السياسى وتوجيهه. وانطلاقا من هذا يمكن تعريف الوعى السياسى على انه ادراك الانسان بمن هو وبما حوله وبالآخرين. بمعنى هو معرفة الانسان لذاته وواقعة وامكانياتة وماذا يريد تحقيقة ومعرفة كل ما هو حوله. وهوعملية تراكمية تستمر مع الانسان طول حياتة وليس مجرد مرحلة مؤقتة يعيشها الانسان بل هو حركة دائمة من اجل الاحساس والادراك والمعرفة والعمل.


"ثانيا" أهمية الوعى السياسى
باختصار شديد يمكن القول بان غياب الوعى السياسى يؤدى فى العادة الى (1) ضياع الكثيرمن الفرص المتاحة والممكنة والتى يمكن الاستفادة منها وتسخيرها للخير اذا ثم ادارتها وتوظيفها التوظيف الصحيح. (2) يقود الى التخلف وعدم مواكبت العصر والتطور. (3) يقود الى العجز على العمل مع الاخرين والفشل فى وضع الخطط والاستراتيخيات التى تتطلبها المرحلة. (4) يقود الى التخبط السياسى والعرضة للاحتواء والسيطره من قبل الاخرين. (5) يجبر المواطن على العيش فى حالة ضعف وحرمان والاسوء من كل هذا يشجع الحاكم على الاستمرار فى ظلمه وطغيانه. و(6) يقود الى المزيد من التشردم وغياب المقدرة على الاتفاق حتى على ما يعرف "بسياسة الحدّ الادنى" بين الفرقاء. والاسوء من ذلك يؤدى الى غياب مبدا التسامح وعدم احترام الراى المخالف مهما كان صادقا.


"ثالثا" أبعاد الوعى السياسى
للوعى السياسى انواع مختلفة وابعاد متعددة لابد من تحديدها حتى يمكن فهم وتحقيق الوعى المناسب للتعامل مع الاشياء ومواجهة التحديات. ولعل من المناسب عند الحديت عن الوعى السياسى ومحاولة فهمة ان نفرق على سبيل المثال بين (1) الوعى الذاتى والوعى الجماعى. بمعنى لابد من التمييز بين الوعى السياسى الذى يمتلكة الفرد (أومجموعة من الافراد) فى مجتمع ما وبين الوعى السياسى الذى يشترك فيه كل ابناء الشعب. (2) الوعى المجرد والوعى العملى. بمعنى لابد من التفريق بين الوعى السياسى النظرى (اوالوعى الذى يكتفى بوصف الاحدات), والوعى الممارس (اوالتطبيفى) الذى أثبت نجاحة فى الميدان. و(3) الوعى الزائف والوعى الحقيقى. بمعنى لابد من التفريق بين الوعى المضلل كما هو الحال اليوم فى كل الانظمة الشمولية الدكتاتورية, وما بين الوعى السليم والمفيد.

فى تصورى ان معرفة هذه الابعاد للوعى السياسى والمقدرة على التمييز بينها سوف يسهل علينا كيفية التعامل مع التحديات التى سوف تواجهنا وسوف يقود الى تحفيق الاهداف المنشودة فى اسرع وقت ممكن وباقل التكاليف. ومن جهة اخرى يمكن القول بان عملية تشخيص وفهم هذه الابعاد سوف يساعد على تحديد المرحلة (أوالمراحل) التى تعيشها كل فئة من فئات الشعب وكيف يمكن التعامل مع كل مرحلة بالاساليب المناسبة.

"رابعا" مراحل تحقيق الوعى السياسى؟
ان ظاهرة الوعى السياسى كغيرها من الظواهر تمر بمراحل عديدة تبدا بمرحلة غياب وجود الوعى (أومرحلة اللاوعى) وتنتهى بمرحلة العمل وهى المرحلة النهائية التى يتم فيها ترجمة هذا الوعى السياسى الى امر واقع ملموس ونتائج تعود بالخيرعلى كل ابناء الشعب. وفى اعتقادى ان هناك خمس (5) مراحل هامة لتحقيق الوعى السياسى لابد على كل من يريد ان يقوم بالتغيير ان يفهمها ويكيز بينها. وسوف اطلق على هذه المراحل "سلم الوعى السياسى" كما هو مبين فى الرسم التوضيحى التالى:

1. مرحلة غياب الوعى هى المرحلة التى تعرف ايضا بمرحلة اللاوعى. وهنا لابد من التأكيد على ان هذه المرحلة لا تعنى باى حال من الاحوال غياب كل انواع الوعى السياسى فى مجتمع ما لان هذا الامر شبه مستحيل خصوصا فى هذا العصر, وانما تعنى غياب الوعى السياسى المطلوب والمرغوب للنخبة التى تريد ان تحدت التغيير. وهى فى العادة المرحلة الاساسية والاولية فى محاولة فهم الوعى السياسى وصناعته فى اى مجتمع.

2. مرحلة الاحساس هى المرحلة التى يشعر فيها الانسان بمن حولة وبما يجب القيام به. بمعنى هى رد فعل الانسان الاولى لفكرة ما, او لشىء معين يراه أو يلمسه او يسمعه او يشعر به. وهذه المرحلة تشمل حالة الانتباه لما يعتقد الانسان انه مهم من الاشياء التى يراها او يسمعها او يحسها او يشعر بها. ومرحلة الاحساس فى العادة تقود الى مرحلة الادراك.

3. مرحلة الادراك هى التى يصل فيها الانسان الى الاشياء التى سبق له الاحساس بها.

4. مرحلة المعرفة هى التى يمتلك فيها الانسان الحقائق والافكار والمبادى حول الاشياء التى احس بها وادركها ويفهم معانيها ويعىء فوائدها ومضارها.

5. مرحلة العمل هى التى يقوم فيها الانسان بتحويل هذه الاشياء والافكار التى عرفها الى برنامج عمل لتحقيق اهدافه المنشودة وعند ذلك يكتمل الوعى. بمعنى لكى يتحول الوعى الى حقيقة لابد ان يترجم الى عمل وذلك لان الوعى بدون عمل لا قيمة له.

ولعله من المناسب لكى نوضح مراحل سلم الوعى السياسى ان نستدل وباختصار شديد بالوضع السياسى فى ليبيا مند عام 1969. وسوف أقتصر حديتى هنا على الوعى بمفهوم الظلم السياسى وانتشاره فى ليبيا مند بداية حكم القدافى حتى الان. والحقيقة التى قد لا يختلف فيها الكثير من العقلاء فى ليبيا ان حكم القدافى قد اتى فى مرحلة يمكن وصفها بمرحلة "اللاوعى السياسى" أو "بالوعى السياسى الناقص" وخصوصا فيما يتعلق بمفهوم الظلم ضد المواطن الليبى. وانا هنا لا اقول بان العهد الملكى كان نظاما عادلا ولم يمارس اى نوع من انواع الظلم السياسى خلال فترة حكمه. فمما لا شك فيه ان العهد الملكى قد ظلم فى بعض تصرفاته وقد ظلم بعض مواطنيه ايضا. ولكن يبدو ان مفهوم الظلم السياسى فى تلك الفترة كان مقتصرا وبدرجة كبيرة على مفهوم "ظلم الاجنبى فقط" وخصوصا ظلم المستعمر فى الجزائر و فى فلسطين المحتلة.

وما ان تحررت الجزائر عام 1962 حتى اتجهت أنظار المواطنين الليبيين الى القضية الفلسطينية والتعاطف ومناصر كل من يقف معها حتى ولو كان ظالما. فعلى سبيل المثال لا الحصرايدت الغالبية العظمى من ابناء الشعب الليبى الحكام الثوريين لا لشىء الا لانهم نادوا بتحرير فلسطين وطالبوا بالوحدة العربية. ونتيجة لهذا التأييد شبه المطلق لهؤلاء الحكام العرب تغاضى الشعب الليبى على كل جرائمهم التى ارتكبوها فى حق ابناء شعوبهم. اذ قاموا بقتل العشرات وسجن المئات واجبار الالف على مغادرة اوطنهم والعيش فى المنفى, لا لشىء الا لانهم عارضوا الاساليب التى كانت تحكم بها بلدانهم. ولعل من الطرائف السياسية فى تلك الفترة والتى يمكن دكرها فى هذا الشأن هو ان شعبنا الليبى خرج عام 1967 فى مظاهرات غاضبة احتجاجا على عدم مشاركة الملك ادريس بنفسه فى مؤتمر القمة للملوك والحكام العرب (بالرغم من انه بعت ولى عهده لثمتيل ليبيا فى ذلك المؤتمر).

وفى هذه المرحلة التى انتشر فيها ما سأطلق عليه "بالوعى السياسى الناقص" حول مفهوم الظلم قام القدافى بانقلابة العسكرى رافعا شعارات: تحرير فلسطين واجلاء الاستعمار والوحدة العربية. وما ان نجح فى تغيير نظام الحكم حتى قام بسجن كل رجال العهد الملكى تحت شعار "العهد البائد." وقام بظلم هؤلاء الرجال واهانهم على شاشات التلفزيون. والاسوء من ذلك ان الاغلبية العظمة من جماهير شعبنا (الا من رحم ربى) خرجت فى كل انحاء الوطن تبارك هذا العمل وتهتف للثورة والثوار وتصرخ "بالروح... بالدم ... نفديك ياثورتنا." ولم يحس بهذا الظلم السياسى فى تلك الفترة الا عائلات الرجال الذين سجنهم القدافى ومجموعة من اخوتنا الامازيغ الذين خرجوا فى مظاهرة احتجاج على الاسم الجديد للدولة الليبية ومطالبين بان يكون الاسم الجديد للبلاد هو "الجمهورية الليبية" وليس "الجمهورية العربية الليبية." وللاسف ثم قمع هذه المظاهرة ولم يتعاطف معهم أحد.

ولعله من المؤسف حقا ان انقلاب سبتمبر 1969 لم يؤدى الى نهاية النظام الملكى فقط وانما ادى الى ضياع الكثير من القيم والمصطلحات والمفاهيم التى لعل من اهمها مفهوم وقيمة الدستور والمؤسسات والدوله ومبدا استقلالية القضاء ومفهوم المواطنة وغيرها من القيم والمفاهيم التى كانت (ولازالت) ضرورى من ضروريات بناء الانسان الحضارى فى ليبيا وفى كل المجتمعات.

ومند ذلك الحين انطلق القدافى وانصاره فى محاولة اعادة صياغة وصناعة وعى سياسى جديدة يتناسب مع اهدافة ويحقق له أحلامه. وقد استخدم القدافى لتحقيق ذلك اساليب عديدة لعل من اهمها ما يمكن ان نطلق عليه اسلوب "الاستدراج ... و... التدرج." بمعنى محاولة استقطاب او استدراج فئات الشعب "فئة فئة." وما ان يستدرج فئة معينه ويقضى عليها حتى يذهب الى التى بعدها. فعلى سبيل المثال لا الحصر, ما ان قضى القدافى على رجال العهد الملكى حتى حاول استدارج النخب المثقفه والحزبية فيما عرف "بندوة الفكر الثورى." وما ان اقتربت هذه النخبة منه وأحست بنوياه الحقيفية وادركت خطره حتى انقض عليها وقتل منها ما قتل وزج بالبقية فى السجون دون ان تتحرك جماهير الشعب اوحتى تحس بهذا الظلم. وبعد ان انتهى من هذه الفئة من ابناء الشعب وقضى عليها اتجه الى قطاع الطلبة وقام باستدراجهم تحت شعار "خدمة الوطن والدفاع عنه," وذلك بفرض فكرة "التجنيد العسكرى" على كل طلاب المدارس الثانوية والمعاهد العليا والجامعات. ولم احتج الطلاب على الاسلوب (وليس على المبدا) وجد القدافى السبب المناسب للتخلص من قياداتهم والجز بالناشطين منهم فى السجون ودون ان يحس بذلك ايضا فئات الشعب الاخرى. وما ان احكم اعوان القدافى قبضتهم على جميع المدارس والمعاهد والجامعات حتى اتجهت انظار القدافى مرة آخرى الى فئة التجار. اذ فام باستدراجهم وذلك بالغاء "الربا" وتشجيعهم على اخد قروض من البنوك بدون فوائد وبدون ضمانات وبشرط واحد فقط هو ان تكون (كما قال) هذه القروض من اجل الاعمار والبناء. وما ان اعلن القدافى ذلك فى احد خطاباته حتى تسابق المئات من التجار (وغير التجار) لاخد القروض طويلة المدى (ودون اعتبار للفتاوى التى اصدرها الكثير من علماء الوطن, من بينهم مفتى الديار حين داك الشيخ الطاهر الزاوى, والتى حرمة اخد الرباء وحرمة حتى الصلاة فى البيوت التى تبنى بها هذه الاموال). ومن المؤسف ان تجارنا استخفوا بكل هذه الفتاوى وتسابقوا للبنوك وقاموا ببناء العمارات والبيوت والفلل فى كل انحاء الوطن. وما ان انتهوا من ذلك واخدوا يتباهوا بما فعلوا حتى قام القدافى باصدار الجزء الثانى من كتابة الاخضر تحت عنوان: "حل المشكل الاقتصادى: الاشتراكية." والذى تضمن فيه العديد من المبادى لعل من اهمها: "شركاء لا أجراء" و "فى الحاجة تكمن الحرية" و "البيت لساكنه" و "المنزل يخدمه أهله." ونتج عن ذلك ان التجار خسروا كل ما اخدوه ولم ينجى منهم الا القلة الذين كانوا مدركين لهذه اللعبة وفروا باموالهم لخارج البلاد. وللأسف استمر القدافى وانصاره فى توسيع نفوده ونشر مفهومه الزائف للوعى السياسى حتى ان وصلنا الى الواقع الذى يعيشه شعبنا اليوم.

ونتيجه لكل هذا تعيش بلادنا اليوم مرحلة ضاعت فيها القيم الاساسية والضرورية لبناء الدولة العصرية واختلفت فيها مستويات ودرجات الوعى السياسى بين ابناء الوطن. وقام القدافى واعوانه بحملات تشويه واساءة استخدام الكثير من القيم والمفاهيم ولعل من اهمها مفهوم "الظلم السياسى." فعل سبيل المثال يعيش انصار القدافى ومؤيدوه اليوم مرحلة يمكن ان نسميها "بالوعى السياسى الزائف." ففى نظر هؤلاء لا يوجد فى ليبيا اليوم اى نوع من انواع الظلم, وكل ما يقوموا به, من قتل وسجن وتعديب وتهجيرلكل من يخالفهم فى الراى, لا يزيد على انه مجرد دفاعا عن النفس وحماية للثورة ولنظريتها العالمية الثالثه. وهذا المنطق فى الحوار هو ما اطلق عليه بعضهم "بمنطق الكلاشنكوف." اما المجموعة الثانية (ولعلها من اكبر فئات المجتمع) فهي التى اصبحت اخيرا تحس بان هناك ظلم سياسى فى البلاد ولكنها لا تدركة ولا تعى مدى خطورة هذا الظلم وبالتالى فهى على استعداد للتعايش معه خوفا من المجهول وتطبيقا لمقولة "اللى تعرفه ... خير من اللى متعرفاش." اما المجموعة الثالثة فهى التى تحس بان هناك ظلم فى البلاد وتدرك مدى خطورته ولكنها غير قادرة على القيام باى شىء من اجل التخلص منه. وهذه ما يمكن ان نطلق عليها "بالمجموعة العاجزة." اما المجموعة الرابعة والاخيرة (ولعلها من اصغرفئات مجتمعنا الليبى اليوم) فهي التى تحس بان هناك ظلم وتدرك مدى خطره وتعمل جادة من اجل التخلص منه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة والمشروعة.

"خامسا" وسائل تحقيق الوعى السياسى
ان المسئول الاول على تشكيل الوعى السياسى ونشره بين المواطنيين فى اغلب المجتمعات المستقلة والحرة هى الدولة. وفى حالة غياب دور الدولة (لسبب او لآخر) كما هو الحال اليوم فى بعض الدول العربية, فان الدور الاساسى فى تحقيق الوعى السياسى المناسب والضرورى لبناء وتطوير المجتمع تقع بالدرجة الاولى على النخب وخصوصا النخب السياسية والثقافية فى داخل الوطن وخارجة. والحقيقة ان هناك العديد من الوسائل التى يمكن استخدامها لتحقيق هذا الغرض لعل منها (1) ضرورة الاتفاق على الاهداف التى ترى الدولة ضرورة توعية الناس بها والعمل على تشجيعهم على تحقيقها. وذلك لان مفهوم الوعى السياسى هو مفهوم نسبى ويتكون من مراحل عديدة وانواع مختلفة (كما ذكرت اعلاه). وعليه فلابذ ان يتم الاتفاق مسبقا على مكونات الوعى السياسى المرغوب تحقيقه وكيف يمكن التعاطى معه. (2) تبنى وتشجيع كل الاعمال التربويه والتعليميه الهادفه من اجل نشر الوعى السياسى بين كل فئات الشعب. (3) فتح كل قنوات النقاش والحوار البناء بين جميع ابناء الوطن وعلى ان يتم ذلك فى مناخ حر ومفتوح للجميع. (4) القيام بحملات دعائية واعلامية هادفة من اجل تعريف ابناء الشعب بالقضايا المهمة لهم ومن اجل زيادة وعيهم بذلك. وهذا يعنى ضرورة وجود خطط وبرامج لتوعية الجماهير وحمايتهم من حملات التضليل التى سوف يقوم بها الخصم. (5) أحياء المناسبات الدينية والوطنية الهامة وأستثمارها من اجل تعليم وثتقيف المواطن بما له وما عليه. و(6) نشر المصطلحات والافكار والقيم الحية والمفيدة والتى تقرب ولا تنفر, وتقوى ولا تضعف, وتجمع ولاتفرق.


خاتمه
لعله من المناسب ان أختم هذه المقالة المختصرة بالتاكيد على ان الوعى السياسى هو امر ضرورى واساسى لاحدات اى تغيير مطلوب ومثمر ولبناء دولة عصرية متقدمة. وعليه فمن الواجب على كل مواطن ان يدرك بكل ما يحيط به وان يتفاعل معه بايجابية وان يكون له هدف (اوأهداف) واضحة. بمعنى لابد على الذين يرغبون فى احدات التغيير السياسى ان يتفقوا اولا على مجموعة القيم والافكار والمبادى والبرامج التى يريدوا توعية الناس بها وان يختاروا الوسائل المناسبة للقيام بذلك. والا يتعاملوا مع شعبهم على انه كتلة واحد تعيش مستوى واحد من الوعى السياسى, بل لابد من التعامل معه على انه يتكون من جماعات وفئات مختلفة تعيش مستويات مختلفة ومراحل متنوعة من الوعى السياسى. ولابد ايضا من التعامل مع كل فئة من فئات المجتمع المختلفة بالاسلوب الذى تفهمه وبالمنطق الذى تقبله وفى الوقت الذى يتناسب معها. فعلى سبيل المثال فى الوقت الذى قد تعيش فيه فئة من الشعب "مرحلة اللاوعى بالظلم السياسى," قد يكون هناك فئة ثانية تعيش مرحلة "الاحساس بالظلم." وقد يكون هناك فئة ثالثة تعيش مرحلة "الادراك بالظلم." وبالاضافة الى هذا كله قد يكون هناك فئة رابعة من ابناء شعبنا تعيش مرحلة "الوعى الزائف بالظلم السياسى" كما هو الحال وللأسف الشديد مع اغلبية اعضاء اللجان الثورية فى ليبيا اليوم.


ختاما لا املك الا ان أقول مرة اخرى ان قضية الوعى السياسى هى قضية جوهرية واساسية ولابد لكل العاملين من اجل احدات التغيير وبناء مجتمع مدنى ومتحضر فى وطنى الحبيب ليبيا ان يهتموا بهذه القضية وان ينظروا لها على انها الوقود الضرورى لكل حركات التقدم والعمران والتغيير. وان يدركوا بان فشلهم فى صناعة ونشر الوعى السياسى السليم والمطلوب لاحدات التغيير سوف ينتج عنه فراغ سياسى فى المجتمع. وان هذا الفراغ سوف يملىء بوعى آخر قد يكون "زائفا" او"عاجزا" أو"مستسلما." او"ناقصا." وسوف يقود هذا لاسامح الله الى فصلهم عن شعبهم ...
وعندئد سوف يستمر الدمار ... ويسود الظلم ... وينتشر الفساد...
فهل نحن مدركون لأعباء المسئولية أمام الله وأمام التاريخ؟ ...
وهل من أبناء وأقارب واعوان القدافى رجل رشيد؟
هذا ما سيثبته المستقبل ...

والله المستعان .

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها