Tuesday, November 15, 2011

من مفهوم المشاركة السياسية (1 من 2)


من مفهوم المشاركة السياسية (1 من 2

عند حديثى على مفهوم الراى العام, فى مقالة سابقه, تحدتت عن كيف يفكر شعب ما ولماذا يفكر باسلوب معين؟ أما فى هذا المقال فسوف أحاول الاجابة على السؤال: ماذا يعمل شعب ما بالفكر الذى يملكه والراى الذى يعبر عنه؟ أوبمعنى آخر كيف يستطيع شعب ما تحويل أفكارة وآراءه الى برامج مدروسة وأعمال ملموسة. والحقيقة انه يمكن التعامل مع هذا السؤال الرئيسى بمحاولة الاجابة على الاسئلة الفرعية الثالية:
1. ماذا نعنى بالمشاركة السياسية؟
2. ما هى أهم وجوه (أومظاهر) المشاركة السياسية؟
3. من يشارك فى العملية السياسية, ولماذا؟
4. كيف تتعامل النخبة الحاكمة مع حق المشاركة السياسية؟

أولا : ماذا نعنى بالمشاركة السياسية
المشاركة السياسية هى مكون أساسى وضرورى لنجاح اى نظام سياسى, أوكما قال رئيس أمريكا أبرهام لنكون (1809 – 1865) انها التجسيد العملى لحكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب. والحقيقة ان اى مشاركة جادة فى السياسة تتطلب جهد ووقت ومعرفة بالعملية السياسية ومؤسسات الدولة. وتتطلب ايضا ادراك الافراد ووعيهم بمقدرتهم على التغيير والوصول الى أهذافهم المنشودة. وما اعنيه بالمشاركة هنا هو الانخراط العفوى أوالمنظم فى العملية السياسية والعمل بما يعتقد الانسان انه الصواب. وهى تشمل كل النشاطات التى من خلالها يستطيع الافراد التعبيرعن آرائهم وافكارهم ويمكنهم ترجمة هذه الآراء والافكار الى أعمال ومشاريع ملموسة. وبمعنى آخر هى محاولة ترجمة القيم والافكار والآراء التى يؤمن بها الانسان الى واقع عملى ملموس.

ثانيا: أهم وجوه (أومظاهر) المشاركة السياسية:
ان أغلب انواع المشاركة فى العملية السياسية يمكن حصرها فى ثلاث أوجه أومظاهر هى كالاتى:

1. المشاركة التقليدية
وهى عملية الانخراط فى العملية السياسية بما يتماشى مع قواعد اللعبة السياسية السائدة فى المجتمع ودون الخروج عن الاعراف والسلوكيات المعترف بها والمتفق عليها فى الدولة. ومن هذا يمكن القول ان الشعب فى الدولة يستطيع الضغط على والمشاركة فى حكومته بأساليب وآليات عديدة لعل من أهمها: (1) التفاعل والتعاطى بايجابية مع كل ما يدور فى الدولة من نشاطات وحراك سياسى. (2) مناقشة القضايا السياسية التى تهم الدولة والمجتمع مع الاهل والاصحاب والرفاق وفى كل المناسبات المتاحة من أجل تشجيع الآخرين على المشاركة. (3) الانخراط فى النشاطات السياسية والعمل فى الحملات الانتخابية (فى الدول التى تسمح بذلك) وذلك عن طريق اقناع الآخرين للتصويت لمرشح ما أوالتصويت على اقتراح معين. (4) مراسلة اوالاتصال بالمسؤولين السياسيين وحتهم على اتخاد أومناصرة موقف اوقضية معينه. (5) الاشتراك فى جماعات المصالح ومؤسسات المجتمع المدنى (اذا وجدت) ومحاولة الضغط على صانعى القرار بكل الوسائل المشروعة. و(6) الكتابة والخطابة ومحاولة تنظيم الناس وتشجيعهم على المساهمة والمشاركة فى بناء المجتمع وتطوير الدولة.

وفى العادة يطلق على كل من يقوم بهذا النوع من هذه النشاطات صفة "المواطن الصالح أوالمؤيد السلمى." وهو المواطن القابل من حيت المبدا لكل ما تقوم به الدولة ومستسلم لها ومعترف بمشروعية السلطة ومناصرا لها سوى إن اعترف بذلك أم لم يعترف. وهو ايضا مستعد للقيام بكل ما يطلب منه كدفع الضرائب والمشاركة فى الانتخابات, والدفاع على سياسات السلطة الحاكمة, وحضور الاحتفالات الثقافية والوطنية. والانخراط فى القوات المسلحة أوقوات الامن والاستعداد للدفاع على الوطن بكل ما يملك. وان كل ما يحاول القيام به من نشاطات فى العملية السياسية هو من أجل الضغط على صانعى القرار لتحقيق مصالحه والقيام بواجبه كمواطن محب للوطن ومؤيدا للسلطة ومستعد للمشاركة فى كل نشاطاتها.

2. مشاركة غير تقليدية
وهى كل النشاطات السياسية الغير متفقة مع الاجراءات والقوانين السائدة والسياسات المعترف بها من قبل السلطة الحاكمة فى الدولة. وفى العادة تمارس هذه النشاطات من قبل الافراد الذين إما انهم يشعرون بانه لا احد يمثلهم فى العملية السياسية. أو ان هناك بعض القوانين الغير عادلة فى هذه الدولة. أوان السلطة الحاكمة فى البلاد هى سلطة دكتاتورية ومستبدة ويسعوا الى تغييره بكل الوسائل المتاحة والمشروعه فى نظرهم. ويشمل هذا النوع من المشاركة العديد من الاساليب لعل من أهمها: (1) الاحتجاجات: وهى عبارة عن اعتراضات على قرارات وأساليب معينة من قبل السلطة والمطالبة بتغييرها. وهى ايضا نوع من أنواع التحدى لما تقوم به السلطة ولعل من أهم أنواعها هو المظاهرات – والتى هى عبارة على خروج الناس فى الشوارع لاظهار الغضب (أوعدم الرضا) على ما تقوم به السلطة الحاكمة. (2) الاضرابات: وهى عبارة عن الوقوف عن العمل أوعن القيام بشىء ما. والغرض منها فى العادة هو وضع نوع من الضغط المشروع على السلطة من أجل تغيير سياساتها والرضوخ لمطالب القائمين بالاضراب. (3) الشغب: ويعنى الاخلال بالامن باسلوب غير منظم ولا يحمل هذف محدد أودقيق. وفى العادة تقوم به أفراد أوجماعات لا يتم التنسيق بينها ولا غرض واضح ومحدد لها الا التعبير على مشاعرها حول قضية أو قرار سياسى ما. ان الشغب فى كثير من الاحيان يحدت بطريقة عفوية وكرد فعل لوجود مظلمة أوشكوى أوظيم وقع على أشخاص أوشخص ما. (4) الاعتصام: ويعنى الاضراب عن العمل الذى يلتزم فيه المضربون أماكنهم الى ان يتم تحقيق مطالبهم. (5) المقاطعة الاقتصادية: وهى رفض المواطنين شراء او بيع بعض السلع أوأستخدام بعض الخدمات أحتجاجا على بعض السياسات التى تقوم بها الدولة. و(6) العصيان المدنى وهوالرفض اوالتمرد على إجراءات وقوانين معينه أوتحدى القوانين التى يصدرها النظام الحاكم فى دولة ما. والافراد الذين يقوموا بهذه النشاطات السياسية هم فى الحقيقة يقومون بكسر (أوتجاوز) القانون الذى فرضه الحاكم عمدا من اجل تحدى مشروعيته القانونية فى المحاكم والمطالبة بالغائه أواستبداله بقانون عادل. أو من اجل جلب الانتباه لما يعتقدوا انها إجراءات أو تصرفات غير عادلة ويسعوا الى استبدالها. والحقيقة ان هناك العديد من الامثلة على نجاح العصيان المدنى فى كثير من الدول لعل من أشهرها حادثة السيدة روزى بارك (السيدة الامريكية السوداء) التى رفضت الجلوس فى القسم الخلفى المخصص للسود فى الاثوبيس فى مدينة منتوقمرى بولاية آلاباما بامريكا فى واحد ديسمبر 1955 (أنظر: ماقلبى وآخرين, 2006, ص 434). وهذا الحدت قاد الى مقاطعة السود الى أستخدام الاثوبيسات لمدة طويلة أستمرت أكثر من 381 يوما. وخلال هذه المقاطعة قام أكثر من 42000 رجل وأمراة وطفل فى تلك المدينة بالذهاب الى أعمالهم ومدارسهم مشيا على الاقدام. وكانت وبحق أحد النقاط الاساسية لاجبار النظام الامريكى على اعطاء السود حقوقهم المدنية وخصوصا حق المشاركة فى العملية السياسية (أنظر: ذاى, 1999, ص 556).

3. اللامشاركة
وهى تعنى عدم مشاركة أعداد كبيرة من الافراد فى العملية السياسية. والحقيقة ان هذه الظاهرة موجودة فى كل المجتمعات ولكن بدرجات واسباب مختلفة. فقد تكون نتيجة لعدم استطاعة المواطنيين فى المشاركة لان نظام الحكم نظام دكتاتورى ومستبد ولايسمح الا بمشاركة المناصرين له والعاملين على تحقيق أهدافة كما هو الحال اليوم فى ليبيا على سبيل المثال. وقد يكون السبب نتيجة لعدم رغبة المواطنيين أنفسهم فى المشاركة فى العملية السياسية أوفى اى نشاط آخر يتعلق بها كما هو الحال اليوم فى كل الدول الحرة والمتحضرة. فعلى سبيل المثال يوجد فى الولايات المتحدة الامريكية حوالى خُمس (5/1) عدد السكان لا يشاركون فى العملية السياسية ولا فى اى نشاط سياسى بالرغم من انهم مؤهلين قانونيا للقيام بذلك (أنظر: واينى,1997, ص 187). وهنا قد يسأل سائل فيقول: كيف يمكن ان نفسر ظاهرة عدم مشاركة المواطنيين فى الدول الحرة برغم من توفر الفرص لهم؟ والحقيقة ان علماء السياسة قد اختلفوا فى تفسير اسباب هذه الظاهرة فى المجتمعات الحرة. فمنهم من اعتبر عدم المشاركة فى العملية السياسية وخصوصا الانتخابات مشكلة سياسية واجتماعية خطيرة ولابد من التعامل معها وعلاجها. وقد ارجعوا سببها الاساسى الى ما أطلقوا عليه "ألانحياز الطبقى." من قبل الذين يسيطرون على العملية السياسية والذين يعتبرون المشاركة السياسية تهديد لمصالحهم الخاصة (أنظر: بيرنز, 2000, ص 267). ولقد أستدل هذا الفريق بحجج كثيرة تذل على ان أنخفاض المشاركة فى العملية السياسية يعتبر مشكلة, لعل من أهم هذه الحجج الاتى: (أ) عدم الثمتيل: بمعنى غياب شريحة كبيرة من ابناء الشعب عن المشاركة يعنى ببساطة غيابهم عند أتخاد القرارات. وبمعنى آخر ان الناخبين المشاركين فى العملية السياسية لا يمثلوا كل شرائح الشعب وبالتالى فان القرارات السياسات التى يتخدوها ستكون منحازة بطبيعتها الى الشرائح المشاركة فقط. والحقيقة ان أغلب الذين لا يشاركون فى العملية السياسية هم فى العادة من الفئات الفقيرة والغير متعلمة والذين لا واعي لهم بالعملية السياسية ودورها فى المجتمع. (ب) تجاهل القضايا المهمة: بمعنى ان انخفاض المشاركة سوف يقود الى انتاج سياسات أنانية ولا ثمتل الواقع المعاش لأغلب المواطنيين ولا تتعاطى بجدية مع المشاكل والتحديات التى تواجه الدولة مثل العمل والتعليم والصحة والاسكان. وهذا يعنى فى النهاية ان النظام الحاكم غير مؤهل ولا قادر على استعاب واشراك كل فئات الشعب فى صناعة القرار السياسى. و(ج) إنخفاظ الوعى السياسى: فكل متتبع لدور المشاركة السياسية فى المجتمعات المتقدمة يجد ان المشاركة السياسية تزيد من معرفة الفرد وترفع من وعيه واحساسة بالمسئولية الوطنية. وان المشاركة السياسية وخصوصا فى العملية الانتخابية لا يستفيد منها المرشحين فقط وانما ايضا كل المشاركين فى هذه العملية. وعليه فهذا الفريق من العلماء يعتقد انه لابد من النظر الى انخفاض عملية المشاركة السياسية فى اى دولة على انها مؤشر خطير ومشكلة لابد من التعامل معها وحلها (أنظر: فيورينى وبيترسن, 1999, ص 191-192).

أما الفريق الآخر من العلماء فيعتبروا عدم المشاركة فى العملية السياسية على انها ليست مشكلة ولامرض اجتماعى يجب التخلص منه وانما هى مجرد خيار من الخيارات السياسية فى مجتمع يؤمن بحرية التعددية السياسية وبمبدا حق الاختيار لكل مواطنيه. بمعنى انهم يؤمنون بالمبدا الذى يقول"من المشارك اللا تشارك." وفى هذا الصدد يقول البروفسور "أوستن رانى" ان عدم المشاركة فى الانتخابات ليست قضية سياسية مهمة ولا يمكن أعتبارها مرض اجتماعى وانما هى خيار أختارته مجموعة من الافراد بمحض إرادتهم (أنظر: أوستن رانى, 1983, ص 16). ولقد استدل هذا الفريق بحجج كثيرة تذل على ان انخفاض المشاركة فى العملية السياسية لا يعتبر مشكلة. ولعل من أهم هذه الحجج الاتى: (أ) الرضا الشعبى: يعتقد هذا الفريق بان ارتفاع نسبة المشاركة فى المجتمعات الحرة قد يكون مؤشر على عدم الرضا على الوضع القائم, بينما أنخفاض المشاركة فى العملية السياسية هو ذلالة على رضا وقناعة الشعب على ما تقوم الدولة. يقول البروفسور سامويل هنتغتون فى هذا الصدد "... ان العمليات الفاعلة فى الانظمة السياسية الديمقراطية فى العادة تتطلب درجة من اللامبالاة اوعدم الانخراط فى العملية السياسية من قبل بعض الافراد اوالجماعات" (أنظر: هنتغتون 1975, ص 36). (ب) نشاط نخبوى: بمعنى ان عملية المشاركة السياسية فى نظر هذا الفريق من العلماء هى بطبيعتها عملية تقوم بها النخبة والصفوة من ابناء الشعب. وهذا يعنى ان عدم مشاركة عدد كبير من المواطبيين قد لا يكون بالضرورة مشكلة وانما هو أمر عادى ومتوقع (أنظر: فيورينى وبيترسن, 1999, ص 192-193). و(ج) المشاركون فى العملية السياسية: بمعنى ان المشكلة الحقيقة فى نظر هذا الفريق لا تكمن فى عدم المشاركة فى العملية السياسية وانما تكمن فى المشاركين أنفسهم. وبمعنى آخر ان المشكلة تكمن فى الذين يسيطرون على العملية السياسية وآليات صناعة القرار. وذلك لانهم فى الاصل لايؤمنون بايجاد مشارك حقيقية ومنتجة وانما هذفهم الاساسى والوحيد هو تبرير أعمالهم واظهارها بمضهر جماهيرى شعبى وشرعى. وبانهم هم وحدهم الذين يعرفون ويحرصون على المصالح العليا للشعب وما تحتاجه الدوله.

فى الجزء الثانى (والآخير) من هذا المقال باذن الله سوف أحاول الاجاب على الاسئلة الاتية: من يشارك فى العملية السياسية؟ وكيف تتعامل النخبة الحاكمة مع حق المشاركة السياسية؟

يتبع ...

والله المستعان

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________________________________
: المراجع
ِAustin Ranney “Nonvoting is not a Social Disease, Public Opion,
October/November 1983, pp. 16 –19.

Morris P. Fiorina and Paul E. Peterson (1999),
“The New American Democracy.” Boston: Allyn and Bacon

James MacGregor Burns, et al, (2000), Government by the People,”
18/e, New Jersey: Prentice Hall, p. 267

Samuel Huntington (1975) “The Democratic Distemper,”
The Public Interest, Issue No. 41, pp. 36 – 37.

Wayne, Stephen J., et al (1997) The Politics of American Government.”
2/e. New York: St. Martin’s Press.

David B. Magleby, (2006) “Government by the People.
” New Jersey. Pearson: Prentice – Hall, 24/e.

Thomas Dye (1999), “Politics in America.”
3/e, New Jersey: Prentice - Hall

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها