Tuesday, November 15, 2011

من مفهوم جماعات المصالح السياسية (2 من 2)




 من مفهوم جماعات المصالح السياسية (2 من 2)

حاولت فى الجزء الاول من هذا المقال تسليط بعض الضوء على مفهوم جماعات المصالح, 
وطبيعتها, وأغراضها, وأهم مصادر قوة تها. وفى هذا الجزء الثانى (والآخير) 
من هذا المقال سأحاول الاجابة على: ما هى أهم الوسائل التى تستخدمها 
جماعات المصالح لتحقيق أهدافها؟ ما هى أهم وظائفها؟ 
وما هى أهم عيوبها؟

خامسا: أهم وسائل جماعات المصالح لتحقيق أهدافها
لعل من أهم ما تحتاجة اى جماعة من جماعات المصالح فى اى دولة هو ما يمكن ان نطلق عليه بعامل الوصول (Access) الى مركز القرار فى الدولة. بمعنى لكى تستطيع جماعة ما تحقيق اهدافها لابد ان يكون لها أولا وقبل كل شىء امكانية الوصول لصانعى القرار. وبمعنى آخر هل المجموعة التى تسعى لتحقيق مصالحها قادرة على الوصول أوتوصيل مطالبها ورغباتها لصانعى القرار فى الدولة. وذلك لان عامل الوصول هو من أهم شروط نجاح اى جماعة ترغب فى تحقيق مصالحها. وما اعنيه بالوصول هنا هو وجود وتحقيق علاقات مشروعة وقوية بين قيادات جماعات المصالح وصناع القرار فى الدولة وسهولة الوصول والاتصال بهم والثاتير فيهم. وعليه فان الوصول الى صانعى القرار والثاتير فيهم هو أهم شىء تسعى كل جماعات المصالح لتحقيقه. ولعل من أهم الوسائل التى تستخدمها هذه الجماعات لتحقيق ذلك هو الاتى: (1) اللوبى: وهى تعنى العملية السياسية التى يمكن استخدامها للوصول لصانعى القرار السياسى والضغط عليهم. وفى العادة يثم ذلك بتوظيف أصدقاء وكل من لديه معرفة بصانعى القرار للوصول لهم والضغط عليهم. (2) المشاركة فى الحملات الانتخابية ومناصرة من تعتقد الجماعات انه سينجح ويؤيد مصالحها. (3) بناء تحالفات أسترتيجية مع كل من يناصر مصالحهم. بمعنى ان هذه الجماعات فى العادة تؤمن بان صديق السياسى هو كل من يناصر قضيتها ويدافع على مصالحها. (4) الضغط الشعبى: وهو السعى على تحريض الجماهير والدفع بها من اجل مناصرة مصالحها. و(5) اللجؤ للقضاء. بمعنى اذا عجزت جماعات المصالح فى تحقيق اهذافها من خلال الوصول الى صانعى القرار فى الدولة والضغط عليهم والتاثير فى سياساتهم المتعلقة بمصالح هذه الجماعات, فما على هذه الجماعات الا اللجؤ الى القضاء ورفع قضايا فى الدولة من اجل تحقيق أهذافها.

سادسا: وظائف جماعات المصالح؟
ما اعنيه بالوظائف هنا هو الادوار التى يمكن لجماعات المصالح ان تقوم بها فى المجتمع. ولعل من اهم هذه الوظائف هى الاتى: (1) ربط المواطنين بالدولة. تعتبر جماعات المصالح من أهم حلقات الوصل بين المواطن والحكومة. ففى نظر جماعات المصالح لا توجد فى الحقيقة شىء اسمة مصالح وطنية أو بمعنى آخر ان المصالح الوطنية هى عبارة عن مجموع المصالح الخاصة التى ثمثلها هذه الجماعات فى المجتمع. وعليه فان المصلحة الوطنية سوف يثم تحقيقها عندما تسعى جماعات المصالح لتحقيق مصالحها الذاتية. (2) الثمتيل: ويعنى ان جماعات المصالح سوف تقوم بثمتيل مصالح أعضائها والدفاع عنها فى العمليات السياسية. (3) المشاركة: ان جماعات المصالح تدفع باعضاءها للمشاركة فى النشاطات السياسية وخصوصا فى الحملات الانتخابية ومناصرة المرشحين الذين تعتقد انهم سوف يناصروا مصالحها. ففى الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال الكثير من المواطنيين لا ينتمون الى الحزبين الرئيسيين (الحزب الديمقراطى والحزب الجمهورى) ويعتبروا انفسهم مستقلين. ولكن أغلبية هؤلاء المستقلين ينتمون بطريقة اواخرى الى جماعات المصالح. ونتيجة لذلك نجد ان الاغلبية العظمى منهم يشاركون فى العمليات الانتخابية دفاعا عن مصالحم واستجابة لنداءات جماعاتهم وليس لأنتماءاتهم الحزبية. (4) التعليم والثتقيف: بمعنى ان جماعات المصالح تقوم بحملات موكتفه ومستمرة لتعليم وثتقيف اعضائها على كيفية التعامل مع العملية السياسية وايضا توعيتهم بكل المشاكل والتحديات التى تهدد مصالحهم. وفى نفس الوقت تقوم هذه الجماعات بمحاولة ثتقيف المواطنين باهمية المصالح التى يطالبون بها ومحاولة التقليل من ردود افعالهم السلبية نحوها. (5) بناء الأجندات: تعمل جماعات المصالح على التأثير فى وضع وبناء الأجندات التى ثتبناها الحكومة والمسؤولين فى الدولة. و(6) المحافظة على منجزاتها: وهو أهم ما تقوم به جماعات المصالح (خصوصا التى لها باع طويل فى السياسة) هو الدفاع وحماية كل منجزاتها وما تحصلت عليه ومحاولة عدم التفريط فى اى شى ثم تحقيقه.

سابعا: عيوب جماعات المصالح؟
هناك العديد من الانتقادات التى يمكن توجيهها الى جماعات المصالح ودورها فى المجتمع لعل من أهمها: (1) جماعات أنانية: ان بعض علماء السياسة ينتقدون هذه الظاهرة على انها "أنانية." وان كل ما يهم هذه الجماعات هى مصالح أعضائها بالدرجة الاولى. وهنا لابد من التاكيد على ان مصالح هذه الجماعات لا يعنى انها غيرمشروعة أوغير قانونية وأنما يعنى ان بعض هذة المصالح لا تقود الى تحقيق المصلحة العامة. (2) أنتشار اللامساواة: ان انتشار ظاهرة جماعات المصالح سوف يقود حثما لانتشار ظاهرة اللامساواة فى المجتمع. (3) مشكلة عدم الثمتيل: عند وجود هذه الظاهرة يحق للفرد أن يسأل: من يمثل من؟ أوهل جماعة ما ثمتل كل الشريحة التى تتحدت بأسمها ام لا؟ وبمعنى آخر لو أفترضنا ان هناك جمعية للنساء فى دولة ما, فهل هذه الجمعة ثمثل فقط مصالح أعضائها أم هى ثمثل كل النساء فى الدولة بالرغم من ان أعضاء هذه الجمعية لم يثم أختيارها من كل النساء فى الدولة. (4) تفكك العملية السياسية: ان ظاهرة جماعات المصالح اذا لم يثم تنظيمها فقد تقود الى تشردم العملية السياسية ومن ثم انتاج سياسات متفككة وغير مترابطة وايضا انتاج كفاءات غير فاعلة ولا منتجة. و(5) ظاهرة الافراد المستفيدين مجانيا. وهذا المصطلح يعرف باللغة الانجليزية (Free Riders). وهو يشمل كل الافراد الذين تتحدت باسمهم جماعة ما ولكنهم فى الحقيقة لا يشاركوا فى اى نشاط من نشاطاتها ولا يقدموا لها اى مساعدة لتحقيق اهذافها. وبالرغم من كل ذلك فانهم سوف يستفيدوا من كل شىء تستطيع هذه الجماعة تحقيقة. ولعله من المناسب ان اضرب المثل التالى لتوضيح هذه الظاهرة ومدى خطورتها. ولعل من أشهر وأهم المعارك السياسية التى خاضتها الحركة العمالية فى الولايات المتحدة الامريكية هى معركة ما يعرف بالحدّ الادنى للاجور والصراع السياسى السلمى من اجل زيادتة ليتناسب مع مستوى المعيشة فى الدولة. لقد بداءت هذه المعركة مند مطلع القرن العشرين ولم تستطع اتحادات العمال الضغط على الحكومة الفدرالية واقناعها باصدار قانون يضع حدّ ادنى للاجور الا فى عام 1938 عندما ثم اصدار قانون حدد الحد الادنى للأجور بخمس وعشرين (25) سنت (ربع دولار) للساعة. ومند ذلك التاريخ وهذه الاتحادت فى صراع مستمر مع جماعات المصالح الآخرى المضادة لها (وخصوصا الشركات وجماعات القطاع الخاص) من أجل رفع الاجور ولم تنجح الا تسع عشر (19) مرة خلال السبعين (70) سنه الماضية, وذلك بتحقيق زيادة تكاد لا تدكر فى كل مرة (للمزيد من الايضاح انظر الى الجدول رقم 1). وهنا قد يسأل سائل: لماذا؟ والحقيقة ان هناك أسباب عديدة لعل من أهمها هو ان الاغلبية الساحقة من العمال لم تشارك فى هذا الصراع برغم من ان هذا الامر يهمها بالدرجة الاولى. فعلى سبيل المثال نجد انه فى المتوسط لم تزد عضوية هذه الاتحادات خلال هذه الفترة التاريخية الطويلة عن 16% من مجموع القوى العاملة فى الولايات المتحدة (أنظر: جانده, 2008, ص 302). والاسوى من كل هذا ان كل هذه الانجازات التى حققتها هذه المجموعة الصغيرة (ال 16%) قد استفاد منها وبنفس الدرجة كل العمال خصوصا الذين لم يشاركوا فى اى نشاط من نشاطاتها ولم يقدموا لها اى مساعدة لتحقيق اهذافها. وهؤلاء العمال (الذين لم يشاركوا ويقدر عددهم بحوالى 84% من مجموع القوى العاملة فى امريكا) هم ما يمكن ان نطلق عليهم اسم الافراد المستفيدين مجانيا.
 
(جدول رقم 1) تاريخ زيادة الحد الادنى للاجور فى أمريكا  مند بدايته عام 1938*
25 سنت (ربع دولار)
البداية فى اكتوبر عام 1938
30 سنت
اكتوبر عام 1939
40 سنت
اكتوبر عام 1945
75 سنت
يناير 1950
1$ دولارا
مارس 1956
1.15$ دولار
سبتمبر 1961
1.25$ دولار
سبتمبر 1963
1.40$ دولار
فبراير 1967
1.60$ دولار
فبراير 1968
2.00$ دولار
مايو 1974
2.10$ دولار
يناير 1975
2.30$ دولار
يناير 1976
2.65$ دولار
يناير1978
2.90$ دولار
يناير 1979
3.10$ دولار
يناير 1980
3.35$ دولار
يناير 1981
3.80$ دولار
أبريل 1990
4.25$ دولار
أبريل 1991
5.15$ دولار
يوليو 1997
7.25$ دولار
مايو 2007 **
           المصادر :
*  Dallas Morning News, July 10, 1996
**  American Democracy Now, by: Brigid Harrison and others (2009). Boston: McGraw-Hill publisher, p. 586

الخاتمة
لعل من المناسب ان أختم هذا المقال باعادة التأكيد على ان جماعات المصالح كما ذكرت أعلاه هى كل مجموعة من الافراد الذين تجمعهم رؤى واهذاف مشتركة وقرروا العمل معا للضغظ على السلطات الحاكمة والتاثير فى سياساتها لتحقيق مصالحهم والمحافظة عليها. وفى تصورى ان هذه الجماعات السياسية يمكن توظيفها والاستفادة منها فى بناء اى دولة تريد ان تكون عصرية ومتقدمة. ولكى تكون هذه الجماعات قوية وايجابية لابد على الدولة ان توفر على الاقل الاتى: (1) ان يثم وضع ضوابط وآليات قانونية تحكم هذه الجماعات. (2) أن يثم الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية مسبقا وان تقبل كل جماعات الراغبة فى المشاركة فى العملية السياسية بذلك. (3) ان يكون هناك قوانين عادلة وصارمة بخصوص منع الاحتكار والغش والرشوة, وان تسعى الدولة لمحاربة اللامساواة. (4) ان تقوم الدولة على اساس نظام دستورى عادل يشارك فيه الجميع وتتاح فيه الفرصة لكل من يرغب المشاركة فى العملية السياسية. ففى اعتقادى اذا تحقق كل ذلك يمكننا تاسيس دولة عصرية متقدمة يشارك فيها جميع أفراد وجماعات المجتمع. وسوف نستطيع وبحق تحويل كل مؤسساتنا بم فيها التقليدية والتاريخية كالقبيلة والعشيرة الى مؤسسات وجماعات مصالح ايجابية وفاعلة وعصرية تشارك فى بناء الدولة باسلوب حضارى ومتقدم. وتكون المحصلة النهائية هى نصرنا وسعادتنا جميعا... هذا بعض مما أعلم يا أحباب ادعو الله ان أكون قد وفقت ....

والله المستعان.

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com

________________________________________________
: المراجع
Challenge of Democracy: Government in American
M. Janda, Geffrey M. Berry, and Jerry Goldman (2008)
New York: Houghton Mifflin Company, 9/e.
Dallas Morning News, July 10, 1996
American Democracy Now, by: Brigid Harrison and others (2009).
Boston: McGraw-Hill publisher, p. 586


No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها