Wednesday, November 16, 2011

من الذات المفقودة ... الى الانتماء


السبت 03 يناير 2009



د. محمد بالروين
 
فى اعتقادى ان من أخطر الازمات التى تواجه المواطن فى اى دولة هى ازمة "فقدان الذات... وضعف الانتماء" وذلك لان فقدان المواطن لذاته وضعف انتماءه هو الذى سوف يجعله عرضة لكل الاخطار ويصبح من السهل السيطرة عليه والاستخفاف بشؤونة والاستهتار بثرواته ومقدراته, وسوف يقود فى نهاية المطاف الى استعباده. انطلاقا من هذه البديهة ومحاولة لفهم اسباب هذه الازمة والسعى للمساهمة فى علاجها لعله من المناسب ان يرتكز حديتى فى هذه العجالة على الاتى:
ماهية الذات؟
ماهية الانتماء؟
ما هى أهم عناصر اعادة بناء الذات؟

"أولا" الذات
ان ما اعنيه بالذات هنا هو الذات السياسية وليس الذات بمفهومها العام. وهى تعنى حصيلة كل ما يملكه الانسان من قيم وافكار سياسية وأحاسيس ومشاعر وتصورات, وبعلاقته بالاخرين الذين حوله وبالبيئة التى يعيش فيها. ولعل من اهم معالم فقدان الذات هو انتشار "ظاهرة السلبية واللامبالة والخضوع المطلق لكل انواع الظلم والادلاال." بمعنى شيوع ظاهرة الانسان السلبى الرافض المشاركة فى اى نشاط سياسى مهما كان نوعه والغير مبالى بمن حوله ولا بالنتائج التى يمكن ان تحدت له. وبمعنى اخر هو انتشار ظاهرة الانسان الانانى والمصلحى والمستغل, والذى يسعى دائما الى أعفاء نفسه من المسؤولية عن العجز والتقصير والبحت فى أسبابه ووسائل علاجة بالقاء التبعة على الآخرين.


"ثانيا" الانتماء
الحقيقة ان غريزة الانتماء هى من أهم الغرائز التى وضعها الله فى الانسان. ومن هذا يمكن القول بان الله عز وجل قد جعل الانسان مخاوق منتمى بطبعة ولا يمكن ان يعيش بمفرده. والانتماء هنا يعنى ارتباط الانسان بما يشعر انه جزء منه ومصدر اعتزاز له. وبمعنى اخر يعنى الانتماء الانتساب الى شىء (او فكر) معين والاحساس بالولاء له. ولعل من اهم مكونات ومستلزمات الانتماء هو الحب. ويمكن اعتبار الانتماء والحب وجهان لعملة واحدة. اذ لا يمكن تصور وجود الانتماء فى مناخ من الكراهية والبغظ.. وعليه فالانسان ينتمى فى العادة الى نفسه ومعتقداته, ثم الى اهلة, ثم الى عشيرتة (اوقبيلته), ثم الى شعبه, ثم الى المكان الذى يقيم فيه. وهنا لابد من التاكيد على ان الانتماء لا يعنى مجرد التقليد الاعمى لكل ما يملكه ويحبه الانسان. ولا يعنى مجرد قبول كل ما فى المجتمع من قيم وأفكار وعادات والافتخار بها حتى ولو كانت خاطئة. ومن جهة اخرى لايعنى ايضا مجرد الاعجاب المفرط بما عند الغير والتقليد الاعمى لهم. فعلى سبيل المثال فى نفس الوقت الذى يجب ان نعترف فيه نحن المسلمون (وذلك لان الاعتراف بالمشكلة هو نصف الحل) بان الغرب قد تقدم علينا فى كل شىء واصبح مركز لكل النشاطات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية الا ان ذلك يجب الا يقودنا من جهة اخرى الى التشكيك فى قدراتنا ومعتقداتنا واصالتنا, ولا الى محاولة تقليدهم واتباعهم فى كل شىء, بل يجب ان نعتبر هذا التخلف الذى اصابنا هو مجرد ذليل قاطع على اننا نعيش اليوم أزمة فقدان الذات وضعف الانتماء.


"ثالتا" عناصراعادة بناء الذات؟
لعل من اهم العوامل المؤثرة فى شخصية الانسان وصناعة (أواعادة صناعة) ذاته هى البيئة الثقافية التى يعيش فيها ذلك الانسان. والحقيقة يمكن اعادة بناء الذات السياسية للمواطن بنشر ما يمكن ان اطلق عليه "بثقافة الانتماء." هذا الثقافة تتكون من العديد من العناصر لعل من أهمها: (1) الايمان الراسخ: بما يعتقد الانسان انه الصواب. بمعنى ان الانسان المنتمى هو الانسان المؤمن بالقيم والافكار التى يعتنقها وبالاساليب التى يمارسها وبالاهداف التى ينادى بها. (2) الثقة بالنفس: وتعنى اعتقاد الانسان بنفسة ومعرفته لامكانياته وتحديد اهدافه وادراك مراكز قوته وضعفه. ولعل من اهم معالمها انفتاح الانسان على الغير دون تردد واعتزازه بنفسه دون تكبر وتخلصه من كل السلبيات والآفات الضارة به وبغيره. (3) تحمل المسئولية: وتعنى استعداد الانسان لتحمل أعباء القيام (أوعدم القيام) بما يكلف به من اعمال. وبمعنى اخر ان الانسان المنتمى هو الذى دائما مستعد للقيام بكل واجباته وايضا لتحمل كل المسئووليات المناطة به. (4) أتباع المنهجية العلمية: فى العمل والتفكير والسلوك. بمعنى ان الانسان المنتمى هو انسان منهجى بطبعة. ولعل من اهم أساليب المنهجية هو التركيزعند التعامل مع اى مشكلة على ابعادها الاساسية المتعلقة بالسبب والغرض والكيفية. وبمعنى اخران الانسان المنهجى هو الذى يتعامل مع المشاكل التى تواجهه بالاجابة على أسئلتها الجوهرية التى يمكن حصرها فى:: ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ (5) تبنى الافكارالحية: بمعنى ان الانسان المنتمى هو الانسان القادر على التفريق ما بين الافكارالحية والافكارالميته وهو الذى يبحت ذائما عن الافكار الصالحة والمفيدة واخدها مهما كلف الثمن ومن اى مكان أتت. وهو الذى يؤمن بما يمكن ان نطلق عليه "باشتراكية الافكار." وهى تعنى ان الافكان فى الاصل لا تنتمى الى ارض معينة ولا الى جنس محدد وليس لها لون واحدة بل هى ملك لكل من يكتشفها ويستخدمها ويستفيد بها. (6) العمل الصالح: بمعنى ان الوسيلة الاساسية لتقدم الانسان المنتمى هى العمل الجاد والالتزام به. فهو دائما يحب العمل والاعتماد على النفس ويكره كل الذين يقولون ما لا يفعلون. وشعاره قول الله تعالى"وفى ذلك فليتنافس المتنافسون." وهو ذائما على استعداد للقيام بكل ما يطلب منه وتحمل كل مسئوولياته مهم كلف التمن.


 الخاتمة
فى الختام وباختصار شديد على كل شعب يريد ان ينهض ويتقدم ان يقوم بصناعة ونشر ثقافة الانتماء التى سترسخ مفهوم الهوية الواحدة والشعور بوحدة التاريخ والوطن والثقافة والمصير المشترك. وعند تحقيق ذلك سوف يذرك الانسان نفسه وقدراته ويتمكن من بناء علاقات احترام قوية وسليمة مع كل من حوله ويتحمل مسؤولياته وينطلق بثقة وارادة نحو المشاركة الايجابية فى مقاومة كل انواع الظلم والعدوان وبناء المجتمع الذى يحلم به. ختاما لا املك الا ان ادعو كل انسان يريد الخير لنفسه ولمجتمعه الا:

ان يعى ذاته ... لكى ينتمى.
وان ينتمى ... لكى يكن له هوية.
وان يكن له هوية ... لكى يكون اداة من ادوات الخير ومشعل يضىء الطريق لكل الحائرين.
فهل آن الاوان ... ان يرجع كل منا الى ذاته ... وان ينتمى الى أصالته ووطنه ...
وان ينطلق نحو اصلاح ما يمكن اصلاحه ... وتغيير ما يجب تغييره....
والله المستعان.

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها