Tuesday, November 15, 2011

من النظم الانتخابية (3 من 4)


من النظم الانتخابية (3 من 4

فى الجزء الاول من هذا المقال حاولت تسليط بعض الضوء على معنى الانتخابات 
ومكوناتها وبالتحديد الاجابة على الاسئلة: ماذا نعنى بالانتخابات؟ ما هى أهم وظائف الانتخابات؟ 
من الذين لهم حق المشاركة فى الانتخابات؟ وما هى أهم شروط نجاح الانتخابات 
وفى الجزء الثانى حاولت الاجابة على السؤال: ما هى أهم نظم الانتخابات؟ 
اما فى هذا الجزء فسوف أحاول الاجابة على السؤال الاتى: 
ما هى أهم الشروط الضرورية لنجاح نظام التمتيل النسبى؟

شروط ضرورية لنجاح نظام التمثيل النسبي
فيما يلى الشروط التى أعتقد ضرورة توافرها فى النظم الانتخابية التى تقوم على اساس الثمتيل النسبى لكى تكون هذة النظم عادلة وعملية وناجحة. ولعل من أهم هذة الشروط الاتى:

(أ) نسبة الحسم:
الشرط الاول والاساسى لنجاح نظام الثمتيل النسبى هو الاتفاق على ما يعرف ب "نسبة الحسم." وذلك لان التمثيل النسبي يؤدى فى العادة إلى انقسامات وإلى التعدد الحزبى بلا حدود وهذا فى الغالب يحول دون قيام أغلبية برلمانية قوية, ويقود ايضا إلى عدم الاستقرار والجمود في سياسات الحكومة. لذا فإن أغلبية الدول المتحضرة اشترطت وضع نسبة حسم معينة (تعرف بشرط الحدّ الادنى وتتراوح فى العادة بين (1% الى 10%) لكى تستطيع اى قائمة انتخابية الدخول ضمن القوائم التي يتم توزيع المقاعد الصحيحة عليها. بمعنى لا يتم توزيع المقاعد على القوائم التي لا تحصل على نسبة الحسم التى يحددها القانون. فعلى سبيل المثال لو افترضنا أن عدد الأصوات فى انتخاب ما هو مليون (1,000,000) صوت. وأن نسبة الحسم فى هذا الانتخاب هي 5%، فإن ذلك يعني أن كل حزب (أوتكتل سياسى) لكى يتحصل على مقاعد فى الهيئة التشريعية لابد أن يحظى على 5% من مجموع الاصوات. بمعنى لابد ان يتحصل على 50,000 صوت على الاقل (1,000,000 / 0.05 = 50,000 ).

إن تحديد شرط الحدّ الادنى أمر ضرورى لنجاح أى نظام نسبى انتخابى. ولعل خير مثال على ذلك هو ما حصل فى ايطاليا ما بين 1945 الى 1993. خلال هذه الفترة تبنت أيطاليا نظام الثمتيل النسبى الذى لم يشترط قاعدة الحدّ الادنى. وكان نتيجة هذا النظام إن الاحزاب الصغيرة جدا (1% و 2%) إستطاعة أن تتحصل على ثمتيل فى البرلمان مما قاد الى صعوبة تشكيل حكومة قوية ذات برنامج محدد وواضح. وخلال تلك الفترة لم تستطع أى حكومة الاستمرارأكثر من سنه واحدة. فما بين عام 1945 الى عام 1993 حكم ايطاليا اكثر من 58 حكومة (أغلبها كانت حكومات ائتلافية) (راجع: سودارى, 2001, ص199). ونتجة لغياب الاستقرار هذا أضطر البرلمان الايطالى وكنتيجة للضغط الشعبى الى تعديل نظام الانتخابات عام 1993 وفرض نسبة حسم للمشاركة فى البرلمان. وهنا لابد من الاشارة الى ان تحقيق شرط الحدّ الادنى ليس بالضرورة ان يكون عن طريق تحديد نسبة معينة فقط. بل يمكن ان يكون شرط الحدّ الادنى شىء أخر غير (أو بديل عن) تحقيق نسبه معينه. فعلى سبيل المثال بدلا من ال 5% كحدّ أذنى للثمتيل فى البرلمان يشترط القانون الالمانى تحقيق الفوز فى ثلاث دوائر انتخابية على الاقل.

(ب) تقسيم الدوائر على أساس السكان
أما الشرط الثانى لنجاح نظام الثمتيل النسبى فهو أستخدام عدد السكان الحقيقى كأساس للانتخابات. وهنا لابد من التاكد على ان الاقتراع فى هذا النظام لابد ان يقوم على تقسيم الدوائر على أساس السكان. ففى السابق كانت الدوائر فى اغلب الدول (وخصوصا فى أمريكا حتى عام 1960) تقسم على أساس مزاجى بحت مما أداء الى اساءة استخدام النظم الانتخابية وتسخيرها للاستمرار فى السيطرة على بعض فئات الشعب من قبل بعض الشرئح فى المجتمع. ولهذا فان الحل الصحيح هو ان تقسم الدوائر وفقآ لعدد السكان، فعلى سبيل المثال إذا كان عدد السكان فى بلاد ما هو (1,000,000) نسمة, واذا كان المجلس التشريعى لتلك البلد يتكون من 100 مقعد وان كل مقعد يمثل دائرة أنتخابية واحدة, فانه يمكن أن تتكون الدائرة من عشر ألف 10,000 ناخب (بمعنى: 1,000,000 / 100 = 10,000) مواطن لكى يتحقق مبدا "لكل مواطن صوت واحد فقط." وتتحقق بذلك المساواة والعدالة فى العملية الانتخابية.

(ج) الاقتراع بالقائمة
اما الشرط الثالت لنجاح نظام الثمتيل النسبى فهو استخدام أسلوب الاقتراع بالقائمة. وما أعنيه بالاقتراع بالقائمة هو الانتخاب الذي يقوم فيه الناخب باختيار قائمة تضم أكثر من فرد من بين القوائم المرشحة في الدائرة الانتخابية. وفى هذا النظام تقسم البلاد إلى دوائر انتخابية كبيرة نسبياً (كأن يكون على أساس الولايات أو المحافظات أوالاقاليم).

ولعل من أهم مزايا الانتخاب بالقائمة: (أ) انه النظام الأكثر شيوعا وإتباعا في العالم اليوم. (ب) يعطى الاهمية للبرامج الحزبية والانتخابية وليس للاعتبارات الشخصية في عملية المفاضلة بين المرشحين. (ج) يساعد في تغليب الصالح العام على الخاص. (د) يساعد في ظهور وتبلور التعددية السياسية. و(ه) يشجع على التقارب والائتلاف بين الجماعات وتكوين الكتل السياسية والسعى لايجاد البرامج المشتركة.

أما أهم عيوب نظام القائمة: (أ) يقود الى تحكم الأحزاب في عملية اختيار المرشحين. (ب) يحدّ من قدرة الناخبين في اختيار من يرغبون من المرشحين. (ج) يعطى فرصة للأحزاب الصغيرة من التمثيل في البرلمان مما قد يؤدي إلى تشرذم العملية السياسية وقد يقود ايضا الى عدم استقرار الأوضاع السياسية في البلاد خصوصا اذا لم يتم تحديد نسبة الحسم.

(د)الاصوات الصحيحة:
أما الشرط الرابع لنجاح نظام الثمتيل النسبى فهو استخدام الاصوات الحقيقة فقط. وهذا ما يعرف بتوزيع المقاعد فى الهيئة التشريعية على أساس ما يعرف بفكرة الاصوات الصحيحة بعد حسم الأصوات الباطلة والملغاة والتي لم تجتاز نسبة الحسم -- أي أن عدد الأصوات الصالحة للحصول على مقعد يأتي بعد احتساب نسبة الحسم.

(هـ) توزيع المقاعد:
أما الشرط الخامس لنجاح نظام الثمتيل النسبى فهو الكيفية العلمية والعادلة التى يجب ان يتم بها توزيع المقاعد فى الهيئة التشريعية. وهنا لابد من التاكيد على ضرورة اتفاق كل القوى السياسية على الكيفية الى يجب ان يتم بها توزيع المقاعد فى الهيئة التشريعية. والحقيقة ان توزيع المقاعد على القوائم يثم على مرحلتين، في المرحلة الأولى توزع المقاعد بناءً على ما يعرف بالقاسم الانتخابي. والقاسم الانتخابي هو الرقم الذي نحصل عليه من قسمة عدد الأصوات الصحيحة المعطاة في الدائرة على عدد المقاعد المخصصة لهذه الدائرة. فعلى سبيل المثال إذا افترضنا ان عدد الأصوات الصحيحة فى دائرة انتخابية ولنطلق علبها أسم (س) هى 100,000 صوت وان عدد مقاعد هذة الدائرة أربع مقاعد، بناءا على هذا فسيتم حسب عدد الأصوات المطلوبة لكل مقعد كالتالي:
100,000 ÷ 4 = 25,000
(أي أن القائمة التي تحصل على 25,000 سوف تفوز بمقعد. وهذا ما يسمى بالمعدل الانتخابى أو خارج القسمة الانتخابى)
وهنا قد يسأل سأل:
كيف يثم التصرف بالاصوات الاضافية (اذا وجدت)؟
بمعنى عند قسمة عدد الأصوات لصالح كل قائمة على خارج القاسم (او المعدل) الانتخابي ستزيد أرقام من كل قائمة أوالقائمة التي تحصل على عدد أقل بقليل من المعدل الانتخابي بدون ان تفوز بأي مقعد، فكيف نتعامل مع هذة الارقام الاضافية؟ فلو أفترضنا على سبيل المثال ان القائمة (أ) فى الدائرة الانتخابية (س) المدكورة أعلاه تحصلت على 32,000 صوتا. هذا فى الحقيقة انها حصلت على مقاعد واحد فى الهيئة التشريعية بالإضافة إلى 7.000 صوت (بمعنى: 32,000 - 25,000 = 7,000). وهذه العدد الايضافى يمثل ايضا جزءاً من مقعد في الهيئة التشريعية. والسؤال هنا كيف يجب توزيع هذة الاصوات الاضافة على مقاعد الهيئة التشريعية المتبقية؟ والحقيقة ان عملية توزيع هذة الاصوات الاضافية تعتبر مرحلة جديدة في توزيع, اوما يطلق عليه بفائض الأصوات. ولهذة المرحلة عدة طرق تستخدم لتوزيع الأصوات الاضافية لعل من اهمها طريقتان هما:

(1) طريقة اكبر المتبقى (أوالباقى الاقوى):
بموجب هذه الطريقة تقسم الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد المخصصة لكل منطقة انتخابية للحصول على خارج القسمة الانتخابي، اما العدد المتبقي من الأصوات الممنوحة للقوائم و ما يتناسب معه من المقاعد المتبقية بحيث تمنح لأكبر متبقي. وهي أن القوائم التي تحصل على اكبر البواقي، يتم توزيع المقاعد المتبقية عليها تنازلياً من الأكبر إلى الاصغر حتى ينتهي من توزيع المقاعد المتبقية. وفي هذه الحالة لا تستطيع اى قائمة الحصول على أكثر من مقعد، وهي طريقة سهلة وبسيطة. بمعنى آخر منح المقاعد الباقية في الدائرة للقوائم التي لديها أكبر بواقي أصوات غير مستغلة، فلو افترضنا مرة اخرى ان المنطقة الانتخابية (س) لها أربع مقاعد فى الهيئة التشريعية وقد شارك فى الانتخاب 100,000 ناخب بأصواتهم بصورة صحيحة (كما ذكرت فى المثال أعلاه) ولو فرضنا أيضا انه تنافست (أونزلت) في هذه المنطقة أربع قوائم انتخابية وحصلت على الأصوات الثالية (أنظر الجدول رقم 2):


جدول(2)

من هذة النتائج يمكن القول بان توزيع المقاعد النيابية على هذه القوائم يجب ان يتم كما يلي:

(1) عدد الأصوات الصحيحة يقسم على عدد المقاعد = خارج القسمة الانتخابي: 100,000 ÷ 4 = 25,000

(2) وعليه لكى يتم توزيع المقاعد على القوائم يجب أن نقوم بما يلي (أنظر الجدول رقم 3)


جدول(3)

كما هو واضح من جدول (3), فقد تم توزيع مقعدين (2) فقط: اذ حصلت القائمة (أ) على مقعد والقائمة (ب) على مقعد. وبقي لدينا مقعدين لم يمنحا الى اى قائمة معينة (من مجموع أربع مقاعد).

(3) وباستخدام طريقة أكبرالبواقى فى توزيع الاصوات الاضافية يمكن توزيع هذة المقاعد كالاتى:
القائمة (د) المتبقى لها = 21,000 صوت وهي تحمل أكبر متبقي القائمة (ج) المتبقى لها = 15000 صوت القائمة (ب) المتبقى لها = 11000 صوت القائمة (أ) المتبقى لها = 6000 صوت

ولانه لدينا مقعدين فقط، فسيكون الأول من نصيب القائمة (د) لأنها تحمل أكبر المتبقي والآخر من نصيب القائمة (ج) لانها تاتى فى الترتيب الثانى. وبالتالي يصبح توزيع النهائى المقاعد كالتالي كما هو موضح فى الجدول رقم (4):



جدول(4)

ثانيا: طريقة اكبر المتوسطات (اوالمعدل الأقوى):
بموجب هذة الطريق بتم أولا تحديد أكبر المتوسطات. وللحصول على اكبر المتوسطات يعطي مقعدا إضافيا افتراضيا لكل قائمة ثم نحسب متوسط كل قائمة بقسمة عدد الأصوات التي حصلت عليها القائمة على عدد المقاعد التي حصلت عليها على أساس القاسم الانتخابي مضافا إليها المقعد الافتراضي فتكون المعادلة كالآتي:



وبعد تطبيق هذة المعادلة على كل القوائم يتم توزيع المقاعد الباقية وذلك بمنح مقعد للقائمة التي تحصل على اكبر المتوسطات ثم تتبع الطريقة بالنسبة لكل المقاعد المتبقية. وبتطبيق هذة المعادلة على المثال السابق الذي ذكرته أعلاه نصل إلى النتائج التالية:




بناءا على هذاالنتائج تمنح كل من:
* القائمة (د) مقعد أضافي حيث لديها أكبر المتوسطات (21,000) فيصبح مجموع عدد مقاعدها مقعد واحد.
* القائمة (ب) تليها فى الترتيب ب(18,000) وتمنح المقعد الباقي فيصبح مجموع عدد مقاعدها مقعدين. * أما القائمتان (أ) و (ج) فلا تمنحان أى مقاعد أضافية.
* وبالتالي تكون نتيجة توزيع المقاعد بهذه الطريقة كالتالي (أنظر الجدول رقم 5):


جدول(5)

فى الجزء الرابع (والاخير) من هذا المقال باذن الله سوف يرتكز حديتى على مفهوم النظام الانتخابى المختلط ... واى الانظمة يمكن ان نختار؟

يتبع ... والله المستعان.

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
______________________________________________________________________________
: المراجع
Sodaro, J. Michael (2001) “Comparative Politics: A Global Introduction.
New York: McGraw Hill Higher Education

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها