Tuesday, November 15, 2011

من مفهوم المشاركة السياسية (2 من 2)

 من مفهوم المشاركة السياسية (2 من 2)

حاولت فى الجزء الاول من هذا المقال تسليط بعض الضوء على مفهوم المشاركة السياسية وما هى أهم مظاهرها. وفى هذا الجزء الثانى (والآخير) من هذا المقال سأحاول الاجابة على من يشارك فى العملية السياسية؟ وكيف تتعامل النخبة الحاكمة مع حق المشاركة السياسية

ثالثا: من يشارك فى العملية السياسية؟
فى أعتقادى لكى يمكننا فهم من هم المشاركون اوالذين يمكن ان يشاركوا فى العملية السياسية لابد ان ننظر لها: (أ) من باب الربح والخسارة فيما يمكن ان نطلق عليه "ســوق السياسة." و(ب) ان نعى ان العلاقة بين ما يمكن القيام به وما يمكن ان يحدت فى العملية السياسية هى علاقة غير مباشرة وغير فردية. فعلى سبيل المثال فى العملية الانتخابية يمكن القول بان النتيجة النهائية لا تتوقف على ما يمكن ان يقوم به المرشح نفسه بل على ما يمكن ان يقوم به الآخرين فى تحقيق الانتصار وذلك لان نتيجة الانتخابات هى قرار جماعى وليس فردى. والحقيقة التى لا مراى فيها أن ما يقوم به الناس فى المجال السياسى يعتمد فى العادة على اذراكهم للتكلفة وعلى القيمه التى يتوقعونها من النتيجة النهائية, وايضا على أيمانهم وثقتهم فى مقدرتهم وفاعليتهم فى عملية المشاركة.

انطلاقا من هذه المسلمات يمكن القول بان الانسان سوف يشارك فى العملية السياسية (أى عملية سياسية) عندما تتوفر له احد (أوكل) الخيارات التالية: (أ) ان تكون التكلفة للمشاركة صغيرة جدا ويمكن تعويضها بالفوائد المرتقبة والممكن اكتسابها. (ب) عندما تكون النتيجة المرغوبة من المشاركة فى العملية السياسية هى فى حدّ ذاتها مهمة وذات قيمة كبيرة للفرد المشارك مما يدفعه للتضحية فى سبيلها. و(ج) عندما يعتبر الفرد ان المشارك فى العملية السياسية هى فى حدّ ذاتها أهم من أى نتيجة آخرى. وذلك لان المشاركة بالنسبة له هى واجب عين ومسئولية وطنية ولابد من القيام بها مهما كلف الثمن ... وقل الزاد ... وطالت الطريق.

عليه واذا سلمنا بوجهة النظر هذه يمكننا ان نستنتج من هم الذين سوف يشاركوا فى العملية السياسية ومن هم الذين لن يشاركوا أوباسلوب اذق يمكن القول من هم الذين لا يرون اى فائدة من وراء المشاركة فى العملية السياسية. ولعل من أهم العوامل المؤثرة فى عملية المشاركة السياسية والتى لابد من الاهتمام بها من أجل دفع الجماهير للمشاركة فى أى نشاط سياسى وخصوصا فى المشاركة الغير تقليدية هى (أ) الوضع الاقتصادى: بمعنى ان الوضع الاقتصادى هو من اهم العوامل التى تهتم بها الاغلبية العظمى من الناس فى كل مجتمع. فكل انسان يريد ان يكون له أولا وقبل كل شىء حد مقبول من المعيشة. بمعنى آخر كل إنسان يرغب ان يكون كما نقول نحن بالليبى"مستور"-- وذلك لان السترة هى بداية الغناء. فعلى سبيل المثال اذا كان الشغل الشاغل للفرد هو الحصول على لقمة العيش من اجل ان يستر نفسه وعائلته كما هو الوضع فى ليبيا اليوم فكيف تتصور من هذا الانسان ان يستجيب لأُناس يخاطبونه من بعيد او بأسماء ومصطلحات غير معروفة أومن ابراج عاجية. (ب) الوضع الاجتماعى: بمعنى ان الوضع الاجتماعى الذى يعيشه الانسان سوف يؤثر سلبا او ايجابا فى درجة مشاركة الفرد فى العملية السياسية. فمن البديهيات ان الانسان الذى يعيش اوضاع اجتماعية حسنة سوف يكون اكثر إستعدادا للمشاركة من غيره. فعلى سبيل المثال الفرد الذى يعيش فى المدينة سوف تكون المشاركة بالنسبة له أسهل من الذى يعيش فى الدواخل. والانسان الذى يشتغل فى اعمال حرة يستطيع المشاركة اكثر من الموظف وغيرها من الامثلة فى هذا الشان. و(ج) الوضع (أوالانتماء) الفكرى. بمعنى بسيط كلما ازداد إنتماء الانسان للقضية التى يعمل من أجلها كلما إزدادت مشاركته وإستعدادة للتضحية فى سبيلها. ولهذا تجد فى كل المجتمعات ان النخب هى دائما فى طليعت اى حراك سياسى. لماذا؟ لان أغلب هذه النخب فى العادة تنطلق من إنتماءتها وافكارها وتسعى من أجل تحقيق برامجها. بمعنى مختصر لايمكن ان تجد حراك جاد ويسعى من اجل تحقيق هذف نبيل بدون فكر. وذلك لان الفكر هو الوقود الذى يدفع بآلية الحراك السياسى. وانا هنا لا اتحدت على نوع الفكر وجودته وانما اتحدت على ضرورة وجوده من عدمه. فعلى سبيل المثال عندما يكون الحراك السياسى منطلق من أفكار مريضة وبعضها ميت كما هو الحال اليوم فى ليبيا فسوف تكون النتيجة حثما هى المزيد من الدمار والفساد وفقر الشعب وإهانته. وعليه فلابد على كل الذين يريدون مواجهة هذا الحراك السياسى السائد اليوم فى ليبيا ان يواجهوه بافكار حيه وبرامج عملية يستجيب لها الشعب ويقتنع بأنها البديل الذى سوف يحقق له أحلامه.

رابعا: كيف تتعامل النخبة الحاكمة مع حق المشاركة السياسية
السؤال هنا هو كيف يمكن للانظمة السياسية وبالتحديد للنخب الحاكمة الاستجابة لمطالب المشاركين أوالراغبين فى المشاركة فى العملية السياسية؟ وبمعنى آخر كيف يمكن للنخبة الحاكمة أعطاء الجماهير حقها الطبيعى والشرعى فى التعبير على انفسهم بالاساليب التى ترها مناسبة. والحقيقة ان هناك الكثير من المناهج والاساليب لكيفية التعامل مع هذه الظاهرة لعل من أهمها: (1) الحل المؤسسى: وذلك بان يقوم النظام الحاكم ببناء الموسسات العصرية المطلوبة والقادرة على استعاب كل مطالب الجماهيرية المشاركة فى العملية السياسية والقادرة على الاستجابة لكل المطالب المستقبلية. ولعل من أشهر أصحاب هذا الراى هما البروفسور ساميل هنتغتون والبروفسور سدّنى فرّبا. فمن وجهة نظر اصحاب هذا الراى ان حل ازمة مطالبة الجماهير فى المشاركة يكمن فى توفر وإعداد المؤسسات العصرية والقادرة على التفاعل مع تحديات المشاركة ومطالبها. وبمعنى آخر ان غياب المؤسسات العصرية والقادرة على استيعاب كل مطالب الجماهير سوف يقود الى أزمة سياسية قد يكون من الصعب حلها والتعامل معها بسهولة مما يقود فى كثير من الاحيان الى ثورات واضطرابات. وقد تقود فى احيان آخرى الى خلق فراغ مؤسسى يدفع بالجماهير الى احياء الموسسات التقليدة كالقبيلة والعشيرة مما يدفع بالكثيرين من الافراد بما فيهم النخب المثقفة لللأسف الى اللجؤ والرجوع اليها من أجل تحقيق مصالحهم الذاتية وملء الفراغ التنظيمى الذى سببته هذه الازمة. ولعل خير مثال على دلك هو ما حدت فى العراق عندما قام المحتل الامريكى واتباعه عام 2003 بالغاء كل المؤسسات الرئيسية فى الدولة بما فيها مؤسسة القوات المسلحة. مما دفع بالكثيرين من العراقيين الى اللجؤ الى عشائرهم وطوائفهم وأجناسهم. وهاهو اليوم يحدت ايضا فى ليبيا أذ عاد وللأسف الشديد دور "القبيلة" و"العشيرة" و"الجهوية" السلبيى أقوى من ذى قبل وذلك لغياب المؤسسات الحضارية القادرة على أستيعاب كل القدرات والطاقات فى المجتمع. فبدلا من ان تتحول هذه المؤسسات التاريخية والتقليدية العريقية الى مؤسسات اجتماعية حضارية ومتطورة أصبحت وللأسف معول هذم وأذاة من اذوات الفرقة والفساد وسبب من أسباب الضعف والتخلف. (2) الحل القمعى: وهو الحل الذى تتبناه اليوم كل الانظمة الدكتاتورية والمستبدة وخصوصا فى دول العالم الثالت. وهذا الحل يقوم ببساطة على أساس تجاهل أوعدم الاستجابة الى اى مطلب من مطالب الجماعات الراغبة فى المشاركة فى العملية السياسية. وذلك لقناعة النخبة الحاكمة بانها وحدها تملك حق حكم البلاد ولذيها الحلول النهائية للقضايا المجتمع. وان كل نشاطات الجماعات الاخرى فى داخل الدولة وخارجها ماهى الا نشاطات غير مشروعة ولا يجب السماح لها مهم كان هذفها المعلن وبغض النظرعن القائمين بها حتى ولو كانوا من أقرب المقربين. و(3) الحل ألاحتوائى: أما الحل الثالث للتعامل مع أزمة المشاركة فهو محاولة النظام الحاكم إستخدام اسلوب "ألاحتواء" لكل القوى والنخب الراغبة فى المشاركة فى العملية السياسية. فبالرغم من ان بعض الجماعات السياسية قد يعتبرها النظام الحاكم غير مشروعة الا انه سوف يسمح لها بالمشاركة فى بعض النشاطات الاجتماعية وحتى السياسية المحدودة. بمعنى قيام نظام الحكم باعطاء خصومة أو كل من يعتبرهم تهديد له ما يمكن ان نطلق عليه "الهامش الديمقراطى." والغرض الاساسى من هذا العمل هو تحقيق: (أ) اضفاء صفة التسامح والانفتاح على نظامه. (ب) استقطاب من يمكن استقطابة من كوادر الخصم عن طريق اقناعهم اواغرئهم بالخيارات التى يطرحها. (ج) سرقة وتبنى الشعارات والبرامج والمصطلحات التى ينادى بها الخصم وذلك من أجل ارباك الجماهير والتشكيك فى نوايا ومصداقية القوى المعارضة. و(د) السيطرة وادارة الضغط الشعبى فى الاتجاه التى ترغبه السلطة الحاكمة خصوصا فى فترة الازمات. وذلك بمحاولة نشر ما يمكن ان نطلق عليه "الامل الزائف." بمعنى انتشار الامل والشعور بين الجماهير خصوصا بين الذين لا يتعاطون السياسة بان هناك بوادر ومحاولات صادقة وجادة للاصلاح ومحاربة الفساد. والحقيقة ان هذا الاسلوب هو الرائج اليوم فى أغلب الدول الدكتاتورية وخصوصا فى الوطن العربى. ولعله قد اصبح من أنجح الاساليب التى تستخدمه الكثير من الانظمة العربية فى التعامل مع النخب المعارضة لها. ومن أنجح هذه الانظمة فى إستخدام هذا الاسلوب هو الاردن والمغرب والكويت وآخيرا مصر. فعلى سبيل المثال بالرغم من ان نظام الحكم فى مصر اليوم لا يعترف بجماعة الاخوان المسلمين كقوة سياسية يمكن لها ان تمارس العمل السياسى وان يكون لها مرشحين فى الانتخابات, الا انه يسمح لهذه الجماعة بالقيام بالكثير من النشاطات الآخرى وخصوصا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بل وحتى بعض النشاطات السياسية المعارضة لسياسات الدولة. وقد ذهب النظام الاردنى الى أبعد من ذلك اذ سمح لكل القوى المعارضة بمزاولة بعض النشاطات السياسية والمشاركة فى الحكومة وتشكيل الاحزاب. ولعل هذا ما يحلم ابن القدافى تطبيقة تحت مظلة الجماهيرية العظمة أو ما أطلق عليه فى احد خطاباتة "بالجماهيرية الثانية."

خاتمة
لعله من المناسب ان اختم هذا المقال بالتاكيد على مجموعة من النقاط التى أعتقد انها مهمة لإحدات الحراك السياسى المطلوب وتشجيع الجماهير للمشاركة فى العملية السياسية: (1) لابد على كل إنسان يحب الخير لشعبه ان يؤمن بان المشاركة السياسية هى مكون أساسى وضرورى لنجاح اى نظام سياسى. وانها الشرط الذى لابد منه لانها التجسيد الحقيقى والعملى لمفهوم حكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب. فلا يمكن لنظام حكم ان يدعى ان الشعب يحكم نفسه بنفسه فى الوقت الذى لا يسمح فيه هذا الحاكم بالتعددية السياسية ولا بحق الشعب فى إختيار من يحكمه وكيف يحكم نفسه. (2) لابد على كل إنسان يحب الخير لشعبه ان يدرك بان ظاهرةعدم مشاركة الكثير من الافراد فى الانظامة الدكتاتورية على انها مشكلة سياسية يجب إجبار السلطات الحاكمة على حلها. (3) لابد على كل إنسان يحب الخير لشعبه ان يرفض كل أنواع الاستبداد وعدم المشاركه فيه والعمل من أجل احترام وتكريم الانسان كانسان. (4) لابد على كل إنسان يحب الخير لشعبه ان يساهم فى بناء مؤسسات قوية وحضارية وقادرة على استيعاب كل الراغبين فى المشاركة فى العملية السياسية. (5) لابد على كل إنسان يحب الخير لشعبه ان يعمل على توعية الجماهير بحقها الطبيعى فى ان تختار من يحكمها وتشجيعها على لعب دور إيجابى فى إحدات التغيير. (6) لابد على كل إنسان يحب الخير لشعبه وينتمى الى مؤسساتنا التقيدية والتاريخية كالقبيلة والعشيرة ان يعمل على تغيير طبيعتها وتوظيفها توظيف حضارى وايجابى ومنتج, وان يعمل على تحويلها الى نوادى اجتماعية ومراكز ثقافية وجماعات مصالح تسعى لحماية أعضائها فى داخل الايطار القانونى وبما يخدم المواطنيين جميعا. (7) لابد على كل إنسان يحب الخير لشعبه وينتمى الى مؤسساتنا التقيدية والتاريخية كالقبيلة والعشيرة ان يمنع السلطة الدكتاتورية من إستغلال هذه المؤسسات لنشر الفتنه والفرقة بين أبناء الشعب الواحد. وان لا يسمح للسلطة الحاكمة بإحتواء هذه المؤسسات وتسخيرها لنشر الظلم (8) وأخير لابد على كل إنسان يحب الخير لشعبه ويريد المشاركة فى العملية السياسية خصوصا فى النشاطات التى تهدف الى إنهاء الظلم ان يكون له فكر وان يحدد موقفه الفكرى بصورة واضحة كأن يقول "انا مُتدين" أو "أنا مُلحد" أو "أنا عِلمانى." وان يكون على إستعداد دائما لتجديد خطابه وتغيير أفكاره كلما وجد ما هو أحسن وأفيد منها. وذلك لانه لا يمكن ان تجد فى تارخ البشرية حراك سياسى جاد وناجح ويسعى من اجل تحقيق هدف نبيل بدون فكر مهما كان هذا الفكر. وذلك لان الفكر هو الوقود الذى يحرك المجتمع ... ويدفع بالجماهير للمشاركة والتضحية ... ويعود بالانسان الى ذاته وهى بيت القصيد... وبرجوع الانسان الى ذاته سوف يكتشف أصالته ... والتى منها سوف ينطلق بإذن الله للامام ...

وفى الختام يا أحباب مرة آخرى هذا مجرد راى ...
ادعو الله ان اكون قد ساهمت فى بناء مستقبل بلادى الذى أحلم به.
والله المستعان .

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها