Tuesday, November 15, 2011

من العلاقات الدولية

لعل من أهم مكونات العلاقات الدولية اليوم هى السياسة الخارجية. وهى تعنى بأختصار شديد مجموع الخطط والاستراتيجيات التى تتبناها دولة ما من أجل تحقيق أهذافها الوطنية المنشودة فى الساحة الدولية. بمعنى هى مجموعة الاهذاف التى تسعى حكومة ما لتحقيقها, والوسائل التى تستخدمها للوصول الى ذلك وكل أعمال وسلوكيات هذه الحكومة فيما يتعلق بعلاقاتها مع الدول الاخرى. ولعله من المهم هنا هو التركيز على الكيفية التى يمكن ان نفهم بها هذا النوع من السياسة ودورها فى هذا (النظام) العالمى المعقد فى تركيبته ومكوناته. والحقيقة انه يمكن فهم السياسة الخارجية لاى دولة عن طريق محاولة الاجابة على مجموعة من الاسئلة لعل من أهمها الاتى:
1. ما هى أهم مكونات وخصائص النظام الدولى؟
2. ما هى أهم الاغراض الاساسية للسياسة الخارجية؟
3. ما هى أهم عناصر (أوأدوات) السياسة الخارجية؟

أولا : المكونات والخصائص الاساسية للنظام الدولي :
لعله من المناسب فى هذه العجالة أن اقتصر حديتى على أهم الخصائص والمكونات (للنظام) الدولى والتى لابد على كل سياسى يريد النجاح فى السياسة الدولية أن يدركها ويتعاطى معها. والحقيقة انه يمكن حصر أهم هذه الخصائص والمكونات فى الاتى :

1. الفوضى:
بمعنى ان الخاصية الاولى والاساسية للتركيبة العالمية هى "الفوضى السياسية." وهذا لا يعنى بأى حال من الاحوال غياب التنظيمات والمؤسسات والقوانين الدولية وانما يعنى ان كل دولة مستقلة ومعترف بها من قبل المجتمع الدولى هى اعلى سلطة سياسية فى هذه التركيبة الدولية. وبمعنى اخر يعنى غياب اى سلطة عليا فوق سيادة الدولة. وهذا الوضع عادة ما يقود الى غياب السلام والامن والاستقرار. وايضا يقود الى هيمنة الدول الكبرى على مجرى الامور كما نشاهد ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية اليوم فى الساحة الدولية. ونتيجة لهذا الوضع فقد ذهب الكثير من العلماء والمتخصصين فى العلاقات الدولية, وخصوصا علماء المدرسة الواقعية, الى أعتبار هذه الخصوصية هى احد الاسباب الاساسية لقيام الحروب وغياب التعاون بين الدول. وفى هذا الصدد يقول البروفسور"مارتن وايت" فى كتابه (سياسة القوة) عام 1978 بان: "... السبب الاساسى للحرب ليس هو الانتهاكات القومية, ولا تسابق التسلح, ولا الامبريالية, ولا الفقر, ولا التناقضات الراسمالية, ولا الاعتداءات الفاشية والشيوعية, برغم من ان هذه قد تكون أسباب ولكن السبب الرئيسى هو الفوضى العالمية."

2. القوة:
ان وجود هذه التركيبة الفوضوية فى العالم, وغياب السلام والامن والاستقرار, دفع بالعديد من الدول الى الاعتماد على القوة كأذاة أساسية لتحقيق الاستقلال والمحافظة عليه. وانطلاقا من هذا الفهم عند الكثيرون بانه لا بديل عن القوة من أجل تحقيق مصالح اى دولة تريد الاستقلال والتقدم والاستقرار. ولا مجال لاى شعب مظلوم او محروم الا استخام القوة والتى بدونها لا يمكن تحقيق أى شىء.

3. الصراع:
بمعنى ان الطبيعة الاساسية للعلاقات الدولية هى الصراع لا التعاون. ولهذا نجد الكثير من علماء الدولية يعرفون السياسة على أنها "فن الصراع من أجل القوة والنفود." وان هدفها الاساسى هو امتلاك القوة وزيادتها والمحافظة عليها.

4. المصلحة:
واذا سلمنا بان العلاقات الدولية تنطلق من الفوضى, وتعتمد على القوة, واداتها الاساسية هى الصراع, فان الهذف الاساسى لكل دولة هو تحقيق مصالحها. وانطلاقا من هذا يمكن القول بان درجة الفوضى الدولية ومقدار قوة الدولة ونوع الصراع الذى تخوضه هو الذى سيحدد حجم ونوع وطبيعة مصالحها وكيف يمكن تحقيقها وحمايتها. والذى أعنيه بالمصالح هنا هو كل ما يعود على الشعب بالخير والامن والامان ويدفع الضرر عن الوطن. ولعل من أهم هذه المصالح فى النهاية هو تحقيق الاستقرار الدولى ... والازدهار الاقتصادى ... والاستقلال الوطنى.

ثانيا: أهم الاغراض الاساسية للسياسة الخارجية
وهنا يمكننى القول بان مبادى السياسة الخارجية لاى دولة فى العادة لا تختلف (ويمكن ان أقول يجب الا تختلف) من دولة الى اّخرى. وباختصار شديد يمكن حصر هذه المبادى الاساسية فى الاتى:

1. السلام وذلك بترسيخ علاقات حسن الجوار وبناء جسور التعارف مع كل القوى الخيّرة فى العالم. وبالمساهمة الايجابية فى حل النزاعات بين الشعوب ونشر الخير فيما بينها.

2. العدل وذلك بمناصرة كل قضايا التحرر العادلة والوقوف مع كل المستظعفين اينما كانوا بغض النظر عن جنسهم اومكانهم اومعتقداتهم. فلابد من رفض الظلم والوقوف ضد كل انواع الاستكبار وبكل الوسائل المتاحة والممكنة.

3. التعاون ودلك من خلال التكامل مع الدول والقوى السياسة الاخرى فى المجتمع الدولى. بمعنى لابد من السعى الجاد من اجل تحقيق التعاون مع كل الشعوب المحبة للسلام فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتكنولوجية.

4. الرفاهية: لعل من اهم أهداف السياسة الخارجية لاى دولة هو مساعدة هذه الدولة على تحقيق النمو والازدهار والتقدم فى كل مجالات الحياة. وما اعنيه بمفهوم النمو هنا هو مقدرة الشعب فى دولة ما على السيطرة على مقدراته وممتلكاته وبيئته واستثمار وتوظيف كل ذلك لخدمة الجميع وتحقيق الرفاهية. والحقيقة ان الغرض النهائى من تحقيق النمو فى أغلب الدول المتقدمة هو سعادة الانسان وسلامته واستقرارة.

ثالثا: أهم عناصر (أوأدوات) السياسة الخارجية
فى الحقيقة ان هناك العديد من العناصر التى يمكن لدولة ما استخامها من أجل التعامل وبناء علاقات مع الدول الاخرى. ولعـل من أهـم العناصر التى قد تحدد معالم السياسـة الخارجيـة لدولـة مـا وتؤثـر فى نـوعـها هــو : (1) الجغرافيا, (2) المصادر الطبيعية (كالغداء والماء والمعادن والطاقة و...الخ), (3) امكانية ونوع التصنيع, (4) المقدرة العسكرية, (5) عدد السكان, (6) نوع نظام الحكم ومؤسساتة (وخصوصا: التشريعية والتنفيدية والقضائية), (7) نوع المؤسسات غير الحكومية (ان وجدت) -- كالاحزاب وقوى الضغط والاعلام والراى العام ومؤسسات المجتمع المدنى ... الخ, و(8) نوع وطبيعة الدبلوماسية التى تستخدمها الدولة. بمعنى ما هى أدوات التفاوض وأساليب حل النزاعات والصراعات التى تستخدمها الدولة.

 خاتمة

فى الختام لعله من المناسب ان أختتم هذا المقال بالتاكيد على مجموعة من النقاط من أجل المساهمة فى النقاش لوضع سياسات خارجة عادلة وواقعية لدولتنا الدستورية القادمة باذن الله:

(1) على دولتنا اذا أرادة ان تلعب دورا قياديا ورياديا ومؤثرا فى العلاقات الدولية ان تتسلح بالقوة. بمعنى ان تكون دولة قوية سياسيا وثقافيا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا وفى كل مناحى الحياة الاخرة. وبمنعى آخر لابد أن تعىء الحقيقة الثالية وهى أن: "الحرية فى العلاقات الدولية هى ذائما للاقوياء ... اما الضعفاء فلا مكان لهم الا الاتباع."

(2) على دولتنا اذا أرادة ان تلعب دورا قياديا ورياديا ومؤثرا فى العلاقات الدولية ان تعى بانه من اكبر واهم التحديات التى تواجه السياسة الخارجية للدول الصغيرة والضعيفة هى محدودية المصادر وضرورة الاعتماد على الغير. وعليه فان الطريق الوحيد للقوة هو التعاون والتحالف مع دول الجوار ووكل أحرار العالم فى كل مكان.

(3) على دولتنا اذا أرادة ان تلعب دورا قياديا ورياديا ومؤثرا فى السياسة الدولية ان تعى بان العلاقات الدولية اليوم تسير فى اتجاة التنمية الاقليمية أكثر من التنمية القومية. بمعنى ان عصر "الدولة القومية" قد أنتهاء وان مبررات وجودها قد ثلاشت. وأصبحت عبء أكثر من أنها حل وسبب للفرقة الكثر منها للتجميع والتوحيد. لقد كانت فكرة الدولة القومية شعار من شعارات الكفاح من أجل التحرير والخلاص من الاجنبى. والحقيقة انها كانت اذاة فاعلة ومؤثرة فى توحيد الكثير من الشعوب وتشجيعها للتخلص من الاستعمار. ولكن اليوم نحن فى عصر جديد هوعصر الاعتماد المتبادل بين كل الشوب والاقوام وفى كل المناطق.

بناء على كل ما ذكرت اعلاه يمكن ان اختم هذا المقال بان السياسة الخارجية التى أقترح أن تتبناها دولتنا الدستورية الثانية باذن الله تعالى هى التى تقوم على اساس:

(أ) رفض أى نوع من التسلط أو الخضوع, والمحافظة على الاستقلال الكامل, ووحدة اراضى الوطن, والدفاع عن حقوق جميع المظلوميين استنادا على المبذا الدولى الذى ينص على "حق الشعوب فى تقرير مصيرها."

(ب) مدّ يد الصادقة والتعاون لكل من يريد ان يتعامل معنا بدون خوف ولا تردد, وبشرط الا يكون ذلك على حساب قيمنا أو مصالحنا أو ان يمس ذلك من من حريتنا أوأستقلالنا.

(ج) معارضة كل التكتلات والمعسكرات والاحلاف الهادفة الى استغلال الشعوب والسيطرة على مقدراتها.

(د) وفاء الدولة بكل العهود والمواثيق مع كل الدول والمنظمات الدولية انطلاقا وتأكيدا على مبذا المصداقية فى التعامل مع الجميع. مع الاحتفاظ بحقنا فى الايمان بالمبدا الذى يقول: "من بدأت خيانتة أوغدره نبد اليه عهده."

(ه) منع أى فرد أو جماعة أوحزب فى ذاخل الوطن من ان يكون له علاقات بأى دولة من الدول الاجنبية مطلقا. والايمان بان العلاقات الخارجية للدولة هى من واجب وتخصص الحكومى المركزية وحدها. وعلى الشعب أن يقوم بمحاسبة الحكومة والمؤولين على هذة العلاقات.

ختاما يا أحباب مرة اخرى هذه مجموعة من الافكار والاقتراحات فى مجال العلاقات الدولية أحببت المشاركة بها من أجل المساهمة فى بناء دولتنا الدستورية الثانية باذن الله.

والله المستعان ...

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها