Wednesday, November 16, 2011

مفهوم المنهجية العلمية1/4

مفهوم المنهجية العلمية1/4
   
بقلم: د. محمد بالروين
من المتعارف عليه ان الناس يختلفوا فى مداركهم ومقدراتهم وأدواقهم وحتى فى فهم الظواهر وتفسير الأشياء. وانهم يختلفوا ايضا فى أدواتهم وأساليبهم فى البحت على الحكمة وفى الحكم على الاحدات. وكنتيجة لهذا الاختلاف والتباين إقتضت الضرورة عند الشعوب المتحضرة والدول المتقدمة إستخدام المنهجية العلمية فى الدراسة والبحت للوصول لأهدافهم المرغوبة. ولعل كل دارس لتاريخ أمتنا السياسي اليوم يكتشف ضعف المنهجية العلمية فى هذا الجانب. والحقيقة ان غياب الاتفاق على منهجية علمية واضحة المعالم وخصوصا فى مجال السياسية بين العلماء والمفكرين الاسلاميين لكيفية الاستفادة من تجارب الآخرين والتعاطي مع القضايا والتحديات التى تواجههم اليوم قد كلف هذه الامة الكثير وجعلها فى مُؤخرة الشعوب الآخرى. فعلى سبيل المثال بالرغم من إتفاق النخب الاسلامية على ضرورة تحقيق المقاصد السياسية للشريعة الاسلامية وفي مقدمتها العدل الا انهم إختلفوا فى كيفية الوصول الى ذلك. وبالرغم من ان هناك إجماع بينهم لرفض الظلم ووجوب تغييره بكل الوسائل (اليد واللسان والقلب) الا إنهم إختلفوا فى كيف ومتى يمكن ان يتم ذلك. وبالرغم من إتفاقهم على تحكيم شرع الله الإ إنهم إختلفوا فى من له حق الحكم وكيف يتم ذلك. وبالرغم من إتفاقهم ايضا على وجوب البحت عن الحكمة وإتباعها إلا أنهم إختلفوا فى كيفية تفسيرها ومن اين يجب ان تُوخد. من كل هذا أرى ضرورة قيام النخب بتسليط الضوء على هذه القضية وتسخيرها لحل قضاينا السياسية الهامة. ولعله من المفيد ان نقوم بالمساهمة فى تسليط بعض الضوءعلى أبجديات هذه القضية وذلك بمحاولة الإجابة على مجموعة من الاسئلة لعل من أهمها:
1ـ ماهى المنهجية العلمية؟
2ـ ماهى أهم أسس المنهجية العلمية؟
3ـ ماهى أهم عناصر المنهجية العلمية؟
4ـ ماهى أهم أذوات المنهجية العلمية؟
5ـ ماهى أهم أساليب المنهجية العلمية؟
6ـ ماهى أهم خطوات المنهجية العلمية؟

أولا: معني المنهجية
لعلنا نتفق بانه لكل علم قواعده وعملياته الخاصة به التي تمكنه من الحصول على المعرفة من أجل الوصول للحقيقة. وعليه فالمنهجية بإختصار شديد هى الطريق اوالطرق التى يتبعها الباحت في مجال تخصصه من أجل الوصول الى هذفه المنشود. وما أقصده بالطريق هنا هو إعتماد الباحت على الاساليب التى تقوم على أسس وحقائق محددة وتستند الى مراجع وشواهد معينة وموثقة والاكثر من كل ذلك ان نتائج هذه الاساليب يمكن تكرارها والتحقق من صحتها. بمعني هى مجموع الإدوات التى يستخدمها باحت ما فى تقديم البراهين والاذله والحجج للتأكد من صحة أوعدم صحة فرضية أونظرية معينة. وبمعني آخر يمكن القول بان المنهجية العلمية هي مجموعة الإجراءات والآليات المتعارف عليها بين العلماء والتى يمكن إستخدامها للملاحظة والكشف والتحقيق في إكتساب المعرفة والوصول للحقائق. والغرض الاساسي من المنهجية العلمية فى العادة هو محاولة فهم الأمور والعلاقات فى المحيط الذى يعيش فيه الانسان من أجل الوصول الى النظريات والقوانين التى تحكم هذا الكون وتُسيره.
ثانيا: أسس المنهجية
لعل من أهم أبجديات المنهجية العلمية وقواعد الدراسات الجادة الاتى:
1ـ الكفاءة:
بمعني لابد ان يكون الباحت عالما وقديرا وأخصائي مقتدر فى المجال الذى يريد البحت فيه وان يكون مًلما بالموضوع الذى يريد دراسته وبأساليب البحت فيه. وبمعني آخر ان يكون هذا الباحت مُؤهل فى هذا المجال وقادر على القيام بهذا البحت أو الدراسة.
2ـ الموضوعية:
ان الهدف من الدراسة العلمية فى أى مجال هو الوصول الى الحقائق والقوانين. ولتحقيق هذا الغرض على الباحت إستخدام كل الاذلة والشواهد المؤدية لذلك. ولكى يتحقق الباحت من صحة ودقة هذه الاذلة والشواهد لابد من توفر شروط الموضوعية فيه والتى من أهمها الانصاف والنزاة والتجرد. والمقصود بالموضوعية هنا هو تناول كل الاذلة والشواهد المستخدمة فى البحت والتحليل بطريقة محايدة وعلمية لا تعرف الانحراف أوالتمويه أوالكذب. بمعني تحرر وتجرد الباحت من اى أحكام مُسبقة لا يريد النتازل عنها. إذ يجب عليه الا يتأثر بمشاعره الخاصة اوبتجاربه الشخصية عند دراسة الموضوع وفوق كل ذلك لابد ان يكون مستعد لقبول النتائج ولتغيير رايه اذا ثبت له عكس ما كان يعتقد. وبإختصار شديد ان المنهجية العلمية تتطلب إزالة كل التحيزات الشخصية والثقافية والفكرية. وان ترتكز علي إجراءات وأدوات البحت والاعتراف بنتائجه كما   هى بما في ذلك الاعتراف بالخطاء والقبول به.
3ـ الواقعية:
بمعني يجب الا يقوم البحت على أساس التفكير النظري المجرد وتجاهل الواقع المحسوس والمُعاش وذلك لان العلم يرتكز بالدرجة الاولى على عالم الحس ويسعي لمحاولة ربط الفكرة بواقعها المُعاش. ويجب الا يكون البحت تجريدي وذلك لان المنهج التجريدي – في أغلب الاحيان - لا يعدو ان يكون مجرد رياضة دهنية لا ترتبط بالواقع ولا تقود الا الي المزيد من الخلافات والتفرق والتمدهب. ويجب الا يكون البحت منطلق من الشك من أجل الشك وإنما يجب ان ينطلق الباحت من الشك للوصول للمعرفة والعلم وان يكون بداية شكه ملاحظة ودراسة الواقع الذى حوله وأن يكون غرضه النهائي تحقيق اليقين والإطمئنان. ولعل ما يرويه لنا القرآن الكريم في قصة سيدنا أبراهيم عليه السلام في هذا الصدد لخير دليل علي كيف يمكن ان يتم الشك ولماذا. يقول تعالي "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(البقرة – 260).
4ـ العقلانية:
يقول علماء اللغة بان العقل فى اللغة هو "المنع." وقد سُمى عقلا لانه القوة التى تعقل تصرفات الانسان وتمنعه من فعل القبيح اوكل ما هو ضار به. ويعتبر العقل أهم مصدر للإدراك والتمييز والضبط. ولعل من أهم معالمه عدم التسرع فى الحكم والتحقق فى كل الامور. وفي هذا الصدد يقول الله تعالى "يايها الذين امنوا اذ جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعتم نادمين"(الحجرات , 6 ). وهذا يعني ان العقلانية تشترط أن يحاول الباحت الوصول الى أحسن وأجود الخيارات المتوفر له. وعليه فيُطلق على الشيء انه عقلاني اذا استخدم صاحبه أفضل الاجراءات للوصول له. وبناءا علي ذلك يمكن القول بأن المنهجية العلمية هى مجموعة خطوات عقلانية تسير في تسلسل منطقي وتقود الي نتائج عمليه واقعية. وعليه فلابد من التأكيد علي ضرورة ان يكون الهدف من البحت العلمي مخاطبة العقل وتشجيعه علي المزيد من التفكير والتأمل وذلك لان العقل هو أعظم ما خلق الله عز وجل. ولتأكيد علي ضرورة توفر شرط العقلانية في البحت نجد قراننا الكريم في آيات عديدة يدعوا فيها كل الباحتين للتعقل والتدبر والتبصر. ولعل من أروع الآيات التي تتحدي الانسان للبحت وطلب العلم قول الله تعالي: "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها" (الحج : 46). وقوله "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا"(سورة النساء : 82). وقوله أيضا "و في الأرض آيات للموقنين و في أنفسكم أفلا تبصرون"(الذاريات : 21). وإنطلاقا من هذا الفهم لمكانة العقل في البحت العلمي نجد ان علماء الاسلام عبر التاريخ لم يترددوا في جعل العقل تابت من توابت الفقه وأصل من أصول المعرفة وشرط من شروط البحت العلمي.
5ـ الاخلاقية:
إن الباحت الحقيقي لا يمكن ان يكون الا انسان أخلاقي. وأن العلم والأخلاق توأمان لبقاء وتقدم الامم أو كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي "انما الامم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا." وعليه فإن من أهم شروط المنهجية العلمية هو ان يكون البحت أوالدراسة أخلاقية وأن يتحرى الباحت الاخلاص فى القول والصدق في العمل. فلا يجب أن يغش ولا يختلس ولايكدب فى تقصي الحقائق والبحت عن الادلة. ولعل من أهم شروط الاخلاقية هو توفر المصداقية في الباحت وذلك بالأستناد علي الحقائق وليس الاباطيل مهما كانت هذه الحقائق وحتى لو كانت في صالح الخصم.
فى الجزء الثاني من هذا المقال باذن الله سوف أحاول تسليط بعض الضوء على عناصر وأدوات المنهجية العلمية ....
يتبع ... والله المستعان.
د. محمد بالروين /   berween@hotmail.com
6 ديسمبر 2010

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها