Tuesday, November 15, 2011

من مفهوم الرأي العام (1 من 2)


 من مفهوم الرأي العام (1 من 2

كيف يفكر شعب ما فى السياسة وكيف يعبرعن هذا التفكير؟ هذا هو السؤال الجوهرى الذى يجب ان يسأله صناع القرار بل وكل العقلاء فى أى دولة تريد ان تنهض وتتقدم. وذلك لان معرفة كيف يفكر الافراد سوف يمكن الحكام من معرفة ما يريد ويرغبه شعوبهم. ان آراء الافراد فى اى مجتمع هى التى تدفعهم للقيام بما يرغبون القيام به أوعدم القيام بما يرفضون. ولعل من أهم المفاهيم السياسية المعاصرة التى ثم استخدامها للاجابة على هذا السؤال هى ما اصطلح على تسميته "بالراى العام." وفى تصورى لكى يمكننا فهم هذا المصطلح واستخدامه الاستخدام الامثل لابد ان نحاول فهم مكوناته الاساسية. وهذا يتطلب محاولة الاجابة على العديد من الاسئلة التى لعل من أهمها الاتى:

1. ماذا نعنى بالراى العام؟
2. ماهى أهمية الراى العام؟
3. ماهى أهم متطلبات الراى العام؟
4. ماهى أهم خصائص (أوصفات) الراى العام؟
5. كيف يتطور (أوينمو) الراى العام؟
6. ماهى أهم الآليات التى تستخدم لقياس الراى العام؟
7. ماهى أهم عيوب الراى العام؟

أولا: ماذا نعنى بالراى العام؟
الحقيقة التى لا جدال فيها عند كل العقلاء هى ان مفهوم الراى العام هو مفهوم قديم قدم التجمعات البشرية نفسها. فمند تجمع الناس واستيطانهم فى اماكن مستقرة والفرد ذائما حريص على معرفة راى جماعته بطرية او آخرى. بمعنى آخر مند بداية تكوين الجماعات الانسانية ظهر معها ظاهرة محاولة فهم آراء الافراد الذين يشكلون تلك الجماعات. وما اعنيه بالراى العام هنا هو كل وجهات النظر والافكار والسلوكيات التى يملكها افراد المجتمع فى لحظة زمنية معينة. ومن منظور آخر يمكن القول ان الراى العام هو عبارة عن صورة فوتوغرافية للأفكار والآراء التى يحملها مجموعة من الافراد فى لحظة زمنية معينة. ويمكن ان ننظر له ايضا على انه مجرد آلية يمكن بواسطتها معرفة وقياس آراء ورغبارات المواطنين وتوقعاتهم, وكل ما يتعلق بما يدور فى أذهان الناس بالنسبة لمواقفهم السياسية أوانحيازاتهم أوأختيارتهم أوميولهم الايديولوجية والفكرية.

ثانيا: أهمية الراى العام
السؤال الذى قد يسأله البعض هو هل حقا ان الراى العام لابد من دراسته وفهمه والاستفادة منه فى كل مجتمع يريد ان يتقدم وينهض. وهنا يمكننا القول بان دراسة الراى العام ضرورية ومهمة لاسباب عديدة لعل من أهمها: (1) الشعب: بمعنى الايمان بان الشعب هو مصدر السلطات وعليه فمعرفة رايه شىء ضرورى ومهم. وان معرفة الطريقة التى يفكر بها الشعب ستقود الى معرفة الكيفية التى يمارس بها سياسته. (2) الاختيار: بمعنى الايمان بان الراى العام هو الاساس الذى تقوم عليه كل الانظمة المتحضرة. وعليه فكل دولة بغض النظر عن شكل نظام حكمها لابد ان تعطى الاهتمام للراى العام. ولا يمكن ان تجد مرشح (فى انتخابات ما) يريد ان ينجح فى حملته الانتخابية لا يعتمد على استطلاعات الراى العام لمعرفة كيف يفكر افراد منطقته الانتخابية. (3) الوعى: وذلك باعتبار الراى العام المؤشر الضرورى لمعرفة آراء ومعتقدات وأتجاهات الناس فى مجتمع ما. وهو ضرورى لكى تستطيع الحكومة التعرف على مدى وعى المواطن السياسى وانتماءه وايضا المؤشر الاساسى لنجاح اوفشل اى حكومة. وكل حكومة لا تستمع لآراء مواطنيها ولا تستجيب لرغباتهم لا يمكن ان نقول انها تقوم على اساس جماهيرى ولا انها ناجحة مهم أدعت ذلك. (4) أطار للعمل بما يجب ان تكون عليه السياسات المستقبلية. فعن طريق معرفة الراى العام يستطيع صانعى القرار فى الدولة وضع الخطط المستقبلية وتوجيه وادارة شؤونها.

ثالثا: متطلبات (أوشروط) الراى العام
بمعنى كيف يمكن التفريق بين الراى العام والراى الخاص وبين ما هو راى وما هو غير راى. والحقيقة ان اى فكر يحمله الانسان اوقيمة يؤمن بها لكى تكون راى ولكى يكون هذا الراى عام لابد ان تتوفر فيه على الاقل الشروط الاتى (1) التعبير: ببساطة جدا يمكن القول ان اى قيمة يؤمن بها الانسان أوموقف يتخده لا يتم التعبير عنه لا يمكن اعتباره راى. وبمعنى آخر برغم من الاعتراف بان لكل فرد فكر مقتنع به وقيم مستعد الاستشهاد من أجلها الا ان هذا الفكر وهذه القيم لن يعتبر راى الا اذا قام هذا الفرد بالتعبيرعنها. (2) القضية: لكى يكون الراى راى عام يجب ان يكون هناك قضية معينة يتم اتخاد موقف حولها أو سؤال يجب الاجابة عليه. وبمعنى آخر لن يكون هناك راى الا اذا كان هناك قضية اوموقف يتعلق بهذا الراى. (3) السؤال: ان الراى العام فى العادة يتعامل مع سؤال سياسى اواقتصادية اواجتماعى اوثقافى أو اى قضية تهم الشعب اوالوطن ككل ولا يجب ان يتعلق بالاشخاص انفسهم أوبقضايا خاصة.

رابعا: خصائص (أوصفات) الراى العام:
وهنا لابد من التأكيد على ان هناك خصائص كثيرة يمكن أستنباطها من دراسة الراى العام. وحيت انه فى هذه العجالة لايمكن التركيز الا على ما أعتقد انها صفات هامة ولابد على كل من يرغب فى دراسة الراى العام ان يهتم بها. ومن هذه الصفات الاتى:

1. الدرجة: بمعنى هل الراى قوى ام ضعيف فيما يتعلق بقضية أوشخص اومؤسسة معينة. وبمعنى آخر لابد من قياس الراى العام على كفة الميران السياسى الذى تقاس به درجة قوة الراى ام ضعفه. ومن هذا البعد يمكن ان نستخلص فيما اذا كانت بعض الاراء تدل على ايمان قوى بينما بعضها الاخر لا يمكن أعتبارها آراء قوية. فمثلا عندما يكون الراى العام حول قضية معينة أكثر من 50% نستطيع ان نقول ان هذا الراى قوى ويجب الاهتمام به والعكس صحيح.

2. الأهمية: ان الافتراض الذى يقول ان كل وجهات النظر فيما يتعلق بقضية ما متساوية هو فى الحقيقة مجرد افتراض خاطى. وعليه يمكن الاستفسارعما ادا كان هذا الراى الذى تحصلنا عليه هو فى الحقيقة راى مهم أوغير مهم للافراد الذين شاركوا فى الاستطلاع فيما يتعلق بقضية أوشخص اومؤسسة معينة. لماذا نريد ان نتعرف على هذا؟ وذلك لان فى بعض الاحيان يمكن الاستنتاج بان راى الاقلية القوى والمتماسك قد يكون أهم وأفيد لفهم القضية التى يدور حولها السؤال من راى الاغلبية الضعيف والغير مهم لهم. وبمعنى آخر السؤال هنا هو: الى اى مدى يعتبر الافراد القضية التى سؤلوا فيها مهمة لهم؟ والحقيقة ان هذا البعد يساعد على أختيار الاولويات فى العمل. فعلى سبيل المثال اذا كان هم الاغلبية من الشعب هو قضية الاقتصاد (والحياة اليومية), فمن العبت ان تسالهم اونتحدت معهم على أى قضية آخرى. وان اى راى آخر يمكن الحصول عليه لا يمكن ان نعتبره مهما حتى ولو كان راى قوى.

3. الملائمة: بمعنى مدى علاقة (أوارتباط) الراى العام بالموضوع قيد الدراسة. ففى العادة تعتبر قضية ما ملائمة ومناسبة عندما يراها الافراد المشاركين فى الاستطلاع وكذلك يعتقدون انها وتيقة الصلة بالموضوع. وبمعنى آخر يجب ان يكون الاستطلاع متعلق بالقضايا التى تهم المواطنيين وتخدم مصالحهم وليس مجرد اذاة لجمع المعلومات اوتحقيق أغراض آخرى.

4. الاستقرار (اوالثبات): بمعنى المدة الزمنية التى يبقى فيها الراى العام ثابتا ولايتغير. فقد أثبتت الكثير من الدراسات فى الدول المتقدمة ان الراى العام فى العادة غير ثابت. وقد اصبح من المتعارف عليه عند كل متتبعى الراى العام فى أمريكا انه يتغير بسرعة خصوصا فى القضايا التى تهم المواطنيين. فعلى سبيل المثال فى يناير 17, 1991 ارتفعت شعبية الرئيس الامريكى جورج بوش (الاب) الى نسبه زادت عن 80% وذلك نتيجة لما قام به فيما عرف بحرب الخليج الاولى ضد العراق. ولكن هذا الشعبية العالية ما لبتث الا ان ثلاشت فى أقل من عشرين (20) شهرا. أذ أنخفظت شعبيته الى أقل من 37% فى نوفمبر 1992 مما أذى الى هزيمته فى الانتخابات الرئاسية ضد حاكم ولاية صغيرة جدا تسمى آركنسا وهو السيد بل كلنتون. وعليه فمن المهم معرفة درجة ثبات الراى العام و العوامل المؤثرة فيه حتى يمكن أستنتاج النتائج المفيدة والعمليه والاستفادة من الراى العام فى توجيه السياسات العامة وايضا أستخدامة للضغط على صانعى القرار السياسى. ولعل المثال الثانى الذى يوضح عدم استقرار الراى العام لمدة طويلة (وان هناك عوامل كثيرة قد ثوتر فيه) هو ما حدت فى أنتخابات الرئاسة الامريكية عام 1948 بين الرئيس هارى ترومان ومنافسه حاكم ولاية نيويورك توماس ديوى. ففى هذه الانتخابات تنبأت مؤسسة "قالب بو" لاستطلاع الراى العام بأن حاكم نيويورك ديوى سوف يفوز فى هذه الانتخابات. ونتيجة لهذه التكهنات أخد السيد ديوى يتصرف وكأنه منتصر. ولكن فى يوم الانتخابات (بعد أسبوعين من تكهن مؤسسة "قالب بو") حدتت المفأجئة الا وهى فوز الرئيس ترومان بنتيجة ساحقة (أنظر: ويانى, 1997, ص 205). وكان السبب الاساسى فى هذا التغير هو ان مؤسسة "قالب بو" قد توقفت عن متابعة الراى العام حوالى أسبوعين قبل يوم الانتخابات. وخلال هذين الاسبوعين غير حوالى 14% من الناخبين آراءهم لصالح الرئيس ترومان ولذلك حدتة المفأجاة.

5. التوزيع: بمعنى كيف يتوزع راى الافراد على النطاق السياسى وماذا يعنى ذلك. وبمعنى آخر هل اغلبية الآراء تتمركز فى الوسط أم انها منتشرة فى كل انحاء النطاق السياسى. وبناءا على دراسة توزيع الراى العام على النطاق السياسى يمكن توزيع (أوتقسيم) القضايا المهمة أوالافراد فى الدولة الى يمين ويسار ووسط سياسى.

خامسا: تطور (أومصادر) الراى العام
بمعنى من اين يتحصل الفرد على الاراء التى يحملها والافكار التى يؤمن بها؟ والحقيقة انه يمكن للفرد الاعتماد علي مصادرعديدة فى استخلاص آرائه وأفكاره لعل من أهمها:

1. الايديولوجية:
ان المذهب السياسى الذى يعتنقه الانسان فى العادة يلعب دور أساسى فى آرائه وأختياراته. وما اقصده بالايديولوجية هنا هو مجموعة القيم والافكار السياسية المترابطة مع بعضها البعض والراسخة فى قناعة الانسان ولا تتأثر كثيرا بالزمان ولا بالمكان ولا بالظروف. وذلك كأن يكون الفرد مسلما أومسيحيا أوبوديا أوملحدا اوغير ذلك. ويمكن القول ان هذه القيم والافكار تعتبر عند بعض الافراد أهم المرجعيات الاساسية فى تفكيرهم ونظرتهم للحياة.

2. الثقافة:
باختصار شديد يمكن تعريف الثقافة السياسية هنا علي انها مجموع القيم التي يؤمن بها والانماط التي يمارسها والعادات والتقاليد التى يعيشها المواطنيين في مجتمع معين والمتعلقة بالشؤون السياسية ونظام الحكم في الدولة بغض النظرعن أيديولوجيتهم. من هذا التعريف يمكن استخلاص وتأكيد ما يأتى: (أ) ان أبناء المجتمع لكي يكون لهم مجتمع مدني ومتطور لابد ان يشتركوا في أهم المعتقدات والقيم والسلوكيات التي يقوم عليها المجتمع. (ب) من أهم اهداف الثقافة السياسية هو تشكيل الشخصية السياسية واقناعها بالنظام السائد في الدولة. (ج) لابد من ادراك ان الثقافة عموما والسياسية خصوصا تنتقل من جيل الي جيل وهي عملية مكتسبة ومستمرة وغير تابثة. (د) لابد من ادراك أن النظام السياسي هو نتاج لثقافة التي وجدت فيها. فعلي سبيل المثال نظام القذافي هو نتاج تلك الثقافة التي سادت الوطن العربي وخصوصا في الستينات من القرن الماضى. فالقذافي لم يأتي من الخارج ولم يتعلم في الخارج انما كان نتاج الفكر العربي الذي ساد المنطقة في تلك الفترة وبأختصار فالثقافة السياسية هي انعكاس لكل الاساليب والمناهج التي يفكر ويشعر بها الناس في المحيط الذي يعيشون فيه (للمزيد من الشرح راجع: بالروين, 2005).

3. المصلحة: ان بعض الناس يمارسوا السياسة لا لشى الا انها تجلب لهم مصالح آنيه وشخصية. بمعنى هناك مجموعة من الافراد لا يمارسون السياسة (أواى شىء آخر) الا وهم يفكرون فيما يخدمهم ويعودعليهم بالمنفعة الشخصية والآنية حتى ولو كانت على حساب معتقداتهم فى بعض الاحيان. وعليه فآراء هؤلاء فى العادة تنطلق من مصلحتهم الشخصية المحضة.

4. التربية: باختصار شديد يمكن تعريف التربية السياسية على انها كل العمليات والمؤسسات والادوات التى يستطيع بها الانسان تعلم واكتساب الاّراء والافكار والقيم السياسية فى مجتمعه. وهى تعنى التهيئة "أوالتأهيل" "أوالتكييف" السياسى فى المجتمع الذى يعيش فيه الانسان. وهى بمعنى أخر تعنى كل ما يساعد الفرد فى المجتمع على تشكيل شخصيتة وتعلمه السلوك والانتماء السياسى. وهذة العملية:

• هى عملية مستمرة تبدا منذ ولادة الانسان وتستمر طول حياته ....
• وهى عملية تعتنى بالكيفية التى يتم بها تأهيل المواطن وتربيته سياسيا وثقافيا وأجتماعيا ...
• وهى عملية تعتنى بمعرفة مصادر ومؤسسات وعمليات الحصول على المعرفة والحس السياسى فى الدولة..
• وهى عملية تعنى أن التوجهات السياسية لا تاتى من فراغ وان الانسان هو نتاج مجموعة من المعطيات والشروط التى يتربى فيها.
• وهى عملية تعنى أن تحقيق الشخصية السياسية والثقافية هى عملية شاقة وتدريجية وتراكمية.
• وهى عملية التأهيل السياسى الذى يمكن جيل معين فى المجتمع من نقل ثُقافته وأفكاره ومعتقداته للأجيال القادمة (للمزيد من الشرح راجع: بالروين, 2007).

5. المعلومات: بمعنى ان نوع وكمية المعلومات المتوفرة لذى الفرد سوف تحدد نوع وطبيعة رائه. فمما لا جدال فيه ان راى الانسان المثقف يختلف عن راى الانسان الامى.

6. القيادة: لابد من أدراك ان الراى العام فى بعض القضايا يمكن صناعته وتشكيلة عن طريق القيادة الفاعلة والمؤثرة وخصوصا لذى الافراد الذين ينتمون الى جماعات مصالح أو جماعات سياسية معينة.

فى الجزء الثانى (والآخير) من هذا المقال باذن الله سوف أحاول الاجاب على الاسئلة الاتية: ما هى أهم الآليات التى تستخدم فى قياس الراى العام؟ وما هى أهم العيوب والانتقادات التى توجه للراى العام؟

يتبع ...

والله المستعان

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________________________________
: المراجع
د. محمد بالروين, "الثقافة السياسية." فى يوم الاربعاء: 05 أغسطس 2005
http://www.tamiu.edu/~mbenruwin/Takafa1_Muntada.htm

د. محمد بالروين, "من تـربيتـنا السياسية" الثلاثاء, 1 مايو 2007. فى موقع: ليبيا وطننا:
http://www.tamiu.edu/~mbenruwin/Educ_News_M07.htm

Stephen J. Wayne at el, (1997) “The Politics of American Government.”, 2/e,
New York: St. Martin’s Press

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها