Tuesday, November 15, 2011

من عـدالـتـنا الاجتماعـية ( 3 من 4 )


 
من عـدالـتـنا الاجتماعـية ( 3 من 4 )

ثالثا: متى يحق للدولة أن تتدخل؟
فى المقال الاول حاولت تسليط بعض الضوء على معنى العدالة الاجتماعية من منظور اسلامى ومحاولة الاجابة على السؤال: ما هى أهم مبادى عدالتنا الاجتماعية؟ أما فى المقال الثانى فقد حاولت التركيز على أهم واجبات الدولة فى تحقيق العدالة الاجتماعية.
وفى هذا المقال فسوف أحاول الاجابة على السؤال الاتى:
متى يمكن للدولة أن تتدخل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية فى المجتمع؟
ولعل من أهم الحالات والظروف التى يمكن للدوله ان تتدخل فيها فى سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية فى المجتمع هى الاتى:

(1) حالة نزع الملكية الخاصه للمصلحة العامة:
يمكن للدوله ان تتدخل فى نزع الملكية الخاصة للمصلحة العامة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية فى المجتمع. فقد قلت أعلاه (فى الجزء الاول من هذا المقال) بأن الاسلام فى الاصل يعترف بالملكية الفردية ويضع لها حدود وضوابط. ولكن لابد من التاكيد هنا على أن شريعتنا تجيز نزع الملكية للضرورة والمصلحة العامة وفقا للاجرات القانونية وبعد دفع تعويض فورى وعادل.

(2) حالة تحقيق التكامل الطبقى:
الحقيقة ان المجتمع الاسلامى يقوم على أساس "التكامل الطبقى" وليس "الصراع الطبقى."
وعليه فيمكن للدوله ان تتدخل من أجل أن تقضى على شرور الغنى فى المجتمع, ولن يكون ذلك بافقار الغنى وتجريده من ماله ولكن يتم بمراقبة ما يملك من ثروة حتى لايستطيع الحاق الضرر والاذى بغيره. وهذاببساطة يعنى أن الدوله يجب ان تكون عادلة مع كل المواطنيين حتى الاغنياء. ففى الحديت الشريف:
"ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعته الى اليمن, فان هم (يعنى شعب اليمن) أطاعوا لك, فأخبرهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخد من أغنياهم فترد على فقرائهم, فان هم اطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم."1

(3) حالة تأميم المصالح العامة فى المجتمع:
يمكن للدوله ان تتدخل من أجل تحقيق تاميم المصالح العامة فى المجتمع وجعلها ملكا للشعب.
والتاميم يعنى بأختصار شديد استرداد الملكية للمصلحة العامة. فقد حرص الاسلام على ان يكون كل ما هو ضرورى لحياة الناس ملكية عامه لهم. فقد قال رسولنا( صلى الله عليه وسلم):
"المسلمون شركاء فى ثلات: الماء والكلاء والنار."2 وهذا يعتى أن التأميم فى الاسلام جائز ولكن ليس مطلقا.
فقد ورد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) أقطع بلال بن الحارت أرضا فاحتجرها , فلما كانت خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال له:
"ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) لم يقطعك لتحتجره عن الناس , أنما أقطعك لتعمل , فخد منها ما قدرت على عمارته ورد الباقى."
وفى رواية يحى بن اّدم أن عمر قال له: يا بلال, انك أستقطعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ارضا فقطعها لك. وأنت لا تطيق ما فى يديك, فقال: أجل. فقال عمر فأنظر ما قويت عليه منها فأمسكه ومالم تطق فأدفعه الينا نقسمه بين المسلمين. فقال: لا أفعل, هذا شىء أقطعنيه رسول الله. فقال عمر: والله لتفعلن وأخد منه ما عجز عن عمارته فقسمة بين المسلمين ..."3

(4) حالة منع "ألاحتكار" و"الربا" و"الاستغلال" و"الرشوى" و"الغش":
وهذا يعنى باختصار شديد انه يمكن للدوله ان تتدخل من أجل ازالت كل أسباب الفساد فى المجتمع.
* فعلى الدوله ان تمنع أحتكار الثروة وتكديس الاموال فى أيدى طبقة صغيرة فى المجتمع. يقول رسولنا ( صلى الله عليه وسلم) "لا يحتكر الا خاطىء." ويقول ( صلى الله عليه وسلم) : "من أحتكر طعاما أربعين يوما فقد برى الله منه."
* وعلى الدولة ان تسعى من أجل تحريم كل أنواع الربا فى المجتمع. يقول الله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا."4
* وعلى الدولة ان تمنع كل أنواع الاستغلال - يقول تعالى: "ولاتاكلوا أموالكم بينكم بالباطل ..."5
* وعلى الدولة ان تقضى على الرشوة فى كل مؤسسات المجتمع - يقول( صلى الله عليه وسلم): "الراشى والمرتشى فى النار."
* وعلى الدولة ان تحارب الغش - يقول ( صلى الله عليه وسلم): "من غشنا ليس منا." وبمعنى اّخر يحق للدولة ان تتدخل فى كل شؤون الاقتصاد لمنع الضرر أوتحقيقا للمصلحة العامه أومحاربة لكل الامراض الاجتماعية الضارة بالمواطن أوالتى يمكن ان تهدد سلامة وأمن الوطن..

(5) حالة توفير "حدّ الغنى" فى المجتمع:
يمكن للدوله ان تتدخل من أجل تأمين جميع السلع الحيوية وتولى بيعها للشعب حتى لا تترك الفقراء تحت رحمة الاغنياء. فقد أتفق كل علماء المسلمين على ان الاسلام يكفل للمواطن الفقير فى الدولة حدا أدنى من الدخل يسميه فقهاء الاسلام "حدّ الغنى" تمييزا له عن "حد الكفاف."
وفى هذا الصدد وتعليقا على حديت رسولنا ( صلى الله عليه وسلم): "المسلم أخو المسلم لآ يظلمه ولايسلمه."
يقول ابن حزم فى كتابه المحلى , باب الزكاة: "... ان للجائع عند الضرورة ان يقاتل فى سبيل حقه فى الطعام الزائد عند غيره ... فان قتل الجائع فعلى قاتله القصاص, وان قتل المانع فالى لعنة الله!! ...
ويستطرد ابن حزم قائلا : ... وفرض على الاغنياء من أهل كل بلد ان يقوموا بفقرائهم, ويجبرهم السلطان على ذلك, ان لم تقم الزكوات بهم ولا فى سائر أموال المسلمين ما يكفيهم, فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذى لابد منه ومن اللباس فى الشتاء والصيف بمثل ذلك, وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة."5

والحقيقة ان هناك أحدات تاريخية وأراء فقهية كثيرة تؤكد حق الدولة فى التدخل وأخد أموال الاغنياء من أجل خدمة المصالح العامة والضرورية فى الدولة. فعلى سبيل المثال قد أتفق علماء أمتنا أنة اذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد فريضة الزكاة فأنه يحق للدوله فرض الضرائب من أجل تحقيق الاهذاف العامة. فعلى سبيل المثال قد أفتى الامام مالك رحمه الله بأنه يجب على الناس فى الدولة فداء أسراهم وان استغرق ذلك أموالهم كلها.

فى الجزء الرابع (وألاخير) من هذا المقال باذن الله سوف أحاول الاجابة على السؤال الثالى:

ما هى أهم الفروق بين عدالتنا الاجتماعية والمدارس ألاقتصادية الأخرى؟

يتبع ... 

والله المستعان.

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________
هوامش
1. رواه الخمسة
2. الشيخ مححمود الصواف (1979) "لا أشتراكية فى الاسلام." القاهره, مصر. دار الانصار. ص9
3. الخراج ليحى بن اّذم, نقلا عن كتاب . دز محسن عبد المجيد, ص96
4. سورة البقرة: اّية 275
5. سورة البقرة: اّية 188
6. عماد الدين خليل (1979) "مقال فى العدل الاجتماعى" دار الرسالة. بيروت. الطبعة الاولى. ص 78

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها