Tuesday, November 15, 2011

من عـدالـتـنا الاجتماعـية ( 1 من 4 )



 من عـدالـتـنا الاجتماعـية ( 1 من 4

من المسلمات التى لا خلاف عليها فى ديننا الاسلامى ان العدل هو احد صفات الله عز وجل. فقد امر الله به فى كل شأن من شؤون الحياة وجعله فريضة اسلامية. والاسلام ينظر الى قضية العدل نظرة شمولية. فمن جهة يأمرونا الله عز وجل بالعدل ويشترط ان يكون عدلنا حسنا -- يقول الله عز وجل: "ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعضكم لعلكم تدكرون."(1) ومن جهة اّخرى يحرم علينا نقيضه (الظلم) -- ففى الحديت القدسى يقول تعالى: "يا عبادى: انى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ...."(2) فهل بعد هذا يعقل أن الاسلام بهذة النظرة الشاملة للعدل قد تجاهل المسألة الاقتصادية فى المجتمع!! بالطبع لا. وحيت اننى لا يمكن التعرض لهذة النظرة الشاملة لمفهوم العدل فى الاسلام فى هذا المقال المختصر فسوف يرتكز حديتى بأذن الله على جانب واحد من جوانب العدل فى حياتنا السياسية المعاصرة. هذا الجانب هو ما أطلق عليه اصطلاحا مفهوم: "العدالة الاجتماعية."

وما أقصده هنا بالعدالة الاجتماعية باختصار شديد هو فهم الاقتصاد السياسى فى ضوء مقاصد الشريعة من أجل تحقيق مصالح العباد وحماية الكرامة الانسانية فى المجتمع واتاحة الفرصة لكل مواطن قادر لممارسة نشاطاتة الاقتصادية بكل حرية ووفقا لقوانين الدولة وأهدافها.

ان تحقيق العدالة الاجتماعية من أهم القضايا الجديرة بالاهتمام والتعامل معها بالكيفية التى ستحقق اشباع رغبات الناس المادية بالعدل والاحسان. وذلك لانه لايمكن فصل السياسية عن الاقتصاد فهما وجهان لعملة واحدة. بمعنى ان الحرية الاقتصادية هى شرط ضرورى وأساسى من شروط تأمين الحرية السياسية. وفى أعتقادى انه لايمكن تحقيق الحريه فى الراى والتعبير على سبيل المثال الا بتحقيق الحريه فى الرزق والعكس صحيح.

وحيت ان قضية العدالة الاجتماعية فى المجتمع المعاصر هى قضية شائكة ومعقدة وتحتاج الى الكثير من الشرح والتفصيل, فسوف أختصر مقالى هذا بالتركيز على أهم الشروط والمبادى التى تقوم عليها عدالتنا الاجتماعية. ويمكننا تحقيق ذلك بالاجابه على الاسئلة الثالية:
1. ما هى أهم مبادى عدالتنا الاجتماعية؟
2. ما هى أهم واجبات الدولة؟
3. متى يحق للدولة ان تتدخل؟
4. ما هى أهم الفروق بين عدالتنا الاجتماعية والمدارس ألاقتصادية الأخرى؟

أولا: ما هى أهم مبادى عدالتنا الاجتماعية؟
لعل من أهم مبادى العدالة الاجتماعية فى الاسلام الست مبادى الثاليه:

(1) مبدأ حق التملك
وهذا يعنى كقاعدة عامة يحق للفرد ان يمتلك كل ما شاء الا المحرمات, وما دامت سبيل التملك مشروعة. بمعنى ان الاسلام يعترف بحق كسب الرزق والمال بكل الوسائل المشروعة. وان حق الفرد فى أمتلاك ما يشاء هو حق مقدس تؤكده شريعتنا وتأمر بأحترمة. والاعتداء على هذا الحق يعتبرمن الكبائر. ولا تؤخد من المواطن الا لضرورة اقتضتها مصلحة المجتمع وفقا للاجرات القانونية وبتعويض فورى وعادل.

(2) مبدأ حق العمل :
العمل الانسانى أساس الكسب المشروع. وقد بلغ الاسلام فى احترام العمل حدّ التقديس حيث روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قبّل يدا ورمت من كثرة العمل قائلا: "تلك يد يحبها الله ورسوله."(3) والعمل هو أحد الوسائل الرئيسية التى يحق للانسان بها التملك فيحصل عن طريقها على الثروة ووسائل العيش والممتلكات. عن أنس بن مالك, أن رجلا من الأنصار أتى النبى (صلى الله عليه وسلم) فسأله,
فقال: أما فى بيتك شىء؟
قال: بلى , حلس (كساء غليظ) نلبس بعضه ونبسط بعضه. وقعب (اناء) نشرب فيه الماء.
قال: " أتنى بهما,"
قال: فأتاه بهما ,
فأخدهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيده وقال: "من يشترى هذين؟"
قال رجل: أنا أخدهما بدرهم ,
قال صلى الله عليه وسلم: "من يزيد على درهم؟" مرثين أو ثلاثا,
قال رجل: "انا أخدهم بدرهمين," فأعطاهما اياه, وأخد الدرهمين واعطاهما الأنصارى.
وقال: "أشتر بأحدهما طعاما فانبذه الى أهلك, وأشتر بالأخر قدوما فائتنى به,
فأتاه به فشد فيه رسول الله عودا بيده , تم قال : أذهب فاحتطب وبع , ولا أرينك خمسة عشر يوما ففعل ,فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما ,
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير لك من أن تجىء المسألة (أى : سؤال الناس المال) نكتة فى وجهك يوم القيام. ان المسالة لا تصلح الا لثلاثة:
لذى فقر مدقع , أو لذى عزم مقظع , أو لذى دم مؤجع."(4)

(3) مبدأ التكامل الاجتماعية :
وهذا يعنى الايمان بقيم التضامن والتساند والتعاون. وذلك لأنه اذا قمنا بذلك سوف تكون حياتنا اكثر سعادة, وثالفا , وتساندا, وحتى تطغى مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد ولا تدوب مصلحة الفرد فى مصلحة الجماعة. وبذلك يتحقق للمواطن استقلاليته وتصان كرامته , وتتاح له فرصة الابداع والانتاج, وفى نفس الوقت يتقدم المجتمع ككل, وتتوحد كلمة المواطنيين: ويتجسد فينا أقوال رسولنا صلى الله عليه وسلم:

"المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا."(5)

وقوله: "ترى المؤمنيين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى."(6)

وقوله: "والذى نفس محمد بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه."(7)

وقوله: "خير الناس أنفعهم للناس."(8)

(4) مبدأ لا ضرر ولا ضرار:
وهو عن قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار."(9)
وهذا يعنى لا تبدأ غيرك بالضرر ولا تقابل الضرر بضرر مثله. روى عن على زين العابدين أنه قال: "وكان لسمرة بن جندب نخل فى بستان رجل من الانصار, وكان يدخل هو وأهله فيؤديه, فشكا الانصارى ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله لصاحب النخل : بعه. فأبى,
فقال الرسول: فأقطعه. فأبى ,
فقال الرسول: فهبه ولك مثله فى الجنه. فأبى ,
فألتفت الرسول اليه وقال: أنت مضار,
ثم التفت الى الأنصارى وقال: أذهب فاقلع نخله."(10)

(5) مبدأ من أين لك هذا؟: 
بمعنى يجب الا يسمح لأى مواطن ان يستغل مركزه السياسى فى خدمة اغراضه الشخصيه. ولا يجب ان يسمح لرأس المال أن ياتى عن طرق محرمة أو غير مشروعة. استعمل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجلأ من الأزد على الصدقات فلما رجع حاسبه,
فقال الرجل: هذا لكم وهذا اهدى الىّ .
فقال النبىّ عليه الصلاة والسلام ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولا نا الله فيقول هذا لكم وهذا أهذي الي , افلا قعد في بيت أبيه وامه, فينظر أيهدى اليه أم لا, والذى نفس بيده, لا نستعمل رجلا على العمل مما ولانا الله فيغل منه شيئا الا جاء يوم القيامة يحملة على رقبتة, ان كان بعيرا له رغاء, وان كان بقرة لها خوار وأن كان شاة تيعر."(11)
ويروى ان أبو ذر لمعاوية لما راى معاوية يشيد قصر الخضراء ويسخر ألاف العمال فى رفع قواعده وسدّ شرفاتة قال له: "ان كانت هذة أموال المسلمين, فهى خيانة. وان كانت أموالك فهى اسراف."

(6) مبدأ محاربة الفقر:
والفقر بمعناه الاقتصادى هو النقص فى السلع والخدمات اللازمة لاشباع حاجات المواطن الاساسية. ولعل من الاشياء الجميلة فى الاسلام, هو انه يحقق العدالة الاجتماعية ليس بمعاقبة الاغنياء, وانم بمساعدة الفقراء ومحاربة الفقر. كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ينظر الى الفقر كاظاهرة أجتماعية سلبية شادة وكان يساوية بالكفر. اذ كان يقول "كاد الفقر ان يكون كفرا."(12)
وكان دعائه (صلى الله عليه وسلم) "اللهم ما أنى أعود بك من الكفر والفقر" فقال رجل: أيعدلان؟ اجاب الرسول: نعم."(13)
وقد ورد فى اللأثر بأن "الفقر اذا ذهب الى بلد قال له الكفر خدنى معك."(14) وفى هذا الصدد يقول الامام على كرم الله وجهة: "والله لو كان الفقر رجلا لقتلته."

ولهذا فان محاربة الفقر فى المجتمع واجب انسانى قبل كل شىء ويجب ان تكون من أهم أهذاف الدولة. يمكن تلخيص هذا المبدا الاسلامى فى الاقتصاد بالتاكيد على ان المجتمع الاسلامى لا يمنع الغنى ولكنه يحارب الفقر. وطالما ان الاغنياء هم جزء لا يتجزى من هذا المجتمع فلابد ان يشتركوا فى هذة الحرب على الفقر.

وفى هذا الصدد لا يملك المرء الا ان يذكر أغنياء المجتمع بما قاله سيدنا على كرم الله وجهة "ان الله فرض على الاغنياء فى اموالهم بقدر ما يكفى فقراءهم , فان جاعوا أوعروا وجهدوا فبمنع الاغنياء."(15)
ويجب ان يكون دورهم فى محاربة الفقر كدور الاشعريين. فقد روى عن أبى موسى الأشعرى قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) " الاشعريين اذا أرملوا فى الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة , جمعوا ما كان عندهم فى ثوب واحد ثم أقتسموه بينهم فى اناء واحد بالسوية, فهم منى وانا منهم."(16)

فى الجزء الثانى من هذا المقال باذن الله سوف أحاول الاجابة على السؤال الثالى:
ما هى أهم واجبات الدولة فى تحقيق العدالة الاجتماعية من منظور أسلامى؟

يتبع ..... 


والله المستعان

د. محمد بالروين
berween@hotmail.com
________________________
هوامش
1. سورة النحل : اّية 90
2. رواه مسلم , والترمدى , وأبن ماجه
3. عبد السميع المصرى (1975) "مقومات الاقتصاد الاسلامى." مكتبة وهبة عابدين , جمهورية مصر العربية. ص232 .
4. رواه ابو دواد فى سننه (ج) 2/ 293 رقم (1641) , والترمدى فى الجامع بأختصار
رقم (1218) , وابن ماجه فى التجارات رقم (198) , والنسائى
5. رواه البخارى وأحمد بن حنبل
6. رواه البخارى فى كتاب الاذب.
7. رواه البخارى
8. رواه جابر
9. رواه احمد وابن ماجه عن ابن عباس
10. الاحكام السلطانية لابى العلى , انظر أيظا دز عبد العزيز الخياط (1986) "المجتمع المتكافل فى الاسلام." دار السلام. الطبعة الثالتة . القاهرة , مصر. ص 7910
11. كتاب التاج , فى باب الامارة والقضاة. أنظر أيظا دز عبد العزيز الخياط ص161.11
12. محمد الغزالى "نمادج من العدالة فى الاسلام."
13. عماد الدين خليل (1979) "مقال فى العدل الاجتماعى" دار الرسالة. بيروت. الطبعة الاولى. ص7512
14. نفس المرجع السابق13
15. د. احمد كمال ابوالمجد (1988) "حوار لا مواجهة". دار الشروق.14
16. عماد الدين خليل (1979) "مقال فى العدل الاجتماعى" دار الرسالة. بيروت. الطبعة الاولى. ص 3115
17. نفس المرجع السابق ص 8616

No comments:

Post a Comment

أخر مقالات نشرتها