يا رئاسة الهيئة.. ليس هكذا تُدار الأمور!
قامت رئاسة الهيئة وبعض من السادة أعضاءها المحترمين بتقديم رسالة للسيدات والسادة أعضاء لجنة الحوار السياسي المجتمعين بتونس خلال الفترة 17 - 18 يوليو 2016. والمُحزن في هذه الرسالة هو انها لا تعكس كل الحقيقة, وغير مهنية, وملئية بالمغالطات. وأنها أيضا مُخالفة صريحة لما نصت عليه لائحة الهيئة الداخلية وكل الإجراءات الإدارية التى تم الأتفاق عليها خلال الفترة الماضية. والغريب في الامر أيضا أنها رسالة تتحدث بإسم كل أعضاء الهيئة, ولكن في الحقيقة لا تحمل أي طابع رسمي ولم يتم مُناقشتها من قبل الهيئة مُجتمعة. وفيما يلى بعض المُغالطات والعبارات الترويجية التى إستخدمها أصحاب هذه الرسالة لإقناع السيدات والسادة أعضاء لجنة الحوار السياسي ومُطالبتهم بقبول ما أطلقوا عليه "مشروع الدستور الليبي الدائم," ومُطالبتهم أيضا بان يكون هذا المشروع أساسا لأي حل للأزمة الليبية الحالية!
أولا:
تدعى هذه الرسالة زورا وبهتانا بان الهيئة مُجتمعة ".. قامت
بالتصويت على ما أطلقوا عليه (مشروع الدستور الليبي الدائم) وفق المسار
الاجرائي الدي حدده الأعلان الدستوري! فهل فعلا صوتت الهيئة مُجتمعة على
هذه المسودة وفق المسار الاجرائي الدي حدده الأعلان الدستوري؟ وهل فعلا تحصلت هذه
الجلسة على النصاب القانوني (أي حضور 41 عضو) لإجتماع الهيئة رسميا كما كان سأئدا
خلال كل جلساتها الماضية؟ وهل فعلا تم التصويت على هذه المسودة بأغلبية الثلثين
زائد واحد (3/2 + 1) من مجموع أعضاء الهيئة, كما نص على ذلك الأعلان الدستوري؟ إن
الإجابة - وبإختصار شديد - بالتأكيد: "لا." وهذا بشهادة
وتصريحات أصحاب هذه المسودة أنفسهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر, صرحت السيدة المُحترمة نادية عمران عضوة الهيئة
التأسيسية لصياغة مشروع الدستور والمؤيدة وبقوة لهذه المسودة, لبوابة الوسط يوم 20
أبريل 2016 , بان ".. التصويت على هذه المسودة كان بموافقة 34 عضوا من 36 عضو
حضروا خلال الجلسة المسائية... " هذا ببساطة شديدة يعنى أن الذين حضروا
الجلسة أقل (بكثير) من النصاب القانوني (الـ 41 عضو) المطلوب لإنعقاد جلسة رسمية
للهيئة. وهذا يعني أيضا ان عضوين من
المشاركين في الجلسة لم يوافقوا على هذه المسودة, وان 22 عضو آخرين لم يشاركوا في
مُداولات ونقاشات هذه الجلسة التى تم فيها التصويت. وحتى لو سلمنا جدلا بأن الجلسة
كانت رسمية كما يدعون! فهل يمكن أعتبار الـ 34 عضو الذين صوتوا بـ "نعم"
بمثابة الثلثين زائد واحد من الأعضاء الفعليين (أي من العدد الكلي الــ 58 عضو) كما
فسره أصحاب هذه المسودة؟ والأجابة
مرة آخرى , وبإختصار شديد, بالتأكيد: "لا." وذلك لان
مفهوم "الثلثين
زائد واحد" حسب تفسيرهم الجديد يساوي 38.67 (أي تقريبا 39) + 1 عضو (أي يساوي
40 عضوا).
ثانيا:
عندما فشل هؤلاء السادة في الوصول الي توافق بينهم, وعجزوا ايضا على تحقيق هدفهم
في الوصول الي التصويت على هذا المسودة بأغلبية الثلثين زائد واحد من مجموع
الأعضاء الفعليين (أي الحصول على 40
عضو من مجموع الأعضاء الفعليين),
ذهبوا لتفسير النص الدستوري مرة أخرى ليصبح كالآتي: ".. وفق المسار الاجرائي
الدي حدده الأعلان الدستوري بعد فهمه فهما دقيقا وفق أطاره التاريخي وأساس
وجوده والعدد الفعلي لأعضاء الهيئة!" والسؤال مرة آخرى: ماذا يعني
ذلك؟ وفي هذا الصدد وللإجابة على هذا السؤال تقول السيدة المحترمة نادية عمران عضوة الهيئة
التأسيسية لصياغة مشروع الدستور (في نفس المقابلة المذكورة أعلاه), بان "..
التصويت كان بموافقة 34 عضوا من 36 عضو حضرو خلال الجلسة المسائية، لافتة إلى أنه
سيجري فتح باب الانضمام للتوقيع على المشروع للأعضاء المتغيبين..." والسؤال
هنا من أين أتوا بفكرة "جمع التوقيعات كآلية بديعة من آليات
التصويت؟ وهل يوجد في الاعلان الدستوري (أوفي أي وثيقة قانونية أخري) القول بهذه
الفكرة؟! بمعنى آخر, هل تَعرض (أو حتى لمح) الأعلان الدستوري لفكرة ما يُعرف بــ "التصويت
المفتوح والغير مُرتبط بمكان مُعين ولا بفترة زمنية مُحددة." وأن لم يوجد في الاعلان الدستوري أي شيء
يتعلق بهذه الفكرة, فهل يمكن أعتبار ذلك مجرد إختراع من إختراعات أصحاب هذه المسودة من أجل تمريرها وإقناع الشعب
بالتصويت عليها؟
والغريب أيضا أن السيد العضو المحترم عمر النعاس (في
بوست له على صفحته الخاصة بعنوان: الذريعة الواهية... والحجة الدامغة.. حول إقرار
مشروع الدستور) قد ذهب الي أبعد من ذلك بقوله ".. مقارنة مع ما يقوله البعض حول إغفال (18 عضو وآرائهم).. لنفترض
(يقول الأستاد عمر) أن 60 عضوا كلهم كانوا حاضرين.. وتم اتخاذ القرار بأغلبية (41)..
ألا يعني هذا إغفال (19 عضو وآرائهم ).. في رأيي الخاص ليس
المهم عدد الأعضاء الذين يقرون مشروع الدستور حتى ولو
كانوا (60 عضوا).. ولكن المهم والذي يحسب فعلا هو إقرار الشعب الليبي في الاستفتاء
العام لهذا المشروع ليكون دستورا نافذا.. ما أسأله (والكلام مازال للسيد عمر) هو:
تمكين الشعب الليبي من قول كلمته وعدم مصادرة حقه في إبداء
رأيه وتقرير مصيره من خلال الاستفتاء العام..."
والحقيقة اننى أتفق مع
الأستاد عمر في ما يخص حق الشعب وتمكينه من قول كلمته وعدم مصادرة حقه في إبداء
رأيه وتقرير مصيره من خلال الاستفتاء العام. وانا شخصيا أتمنى وسأعمل على أن يتم
ذلك في أقرب وقت ممكن. ولكن الامر العجيب هو تجاهل السيد عمر ورفاقة الذين وافقوا
على هذه المسودة, وعدم أحترامهم للإجراءات والآليات التى حددها الأعلان الدستوري
في هذا الخصوص. إن فكرة التصويت يا سيد عمر هي ببساطة شديدة "عملية إختيار للفكرة
التى تعتقد الأكثرية انها الأحسن والأنسب من بين مجموعة من الأفكار المعروضة
للنقاش والتصويت." وهي أنجح آلية لإتخاد القرارات في المجتمعات الديمقراطية
المعاصرة. وهذه الآلية لا تعنى بأي حال من الأحوال انها الأفيد أو الأحسن, ولا تعني
أيضا بأي حال من الأحوال انها – كما تقول - عملية إهمال أو إغفال لإفكار وبرامج
الأقليات السياسية الأخري. وذلك لان أفكار وبرامج هذه الأقليات, وبالرغم من عذم
فوزها, ستبقى مُحترمة ومُصانة ومصدر من مصادر التدافع والتنافس في المجتمع الحر,
وقد تتبنى الأكثرية بعض من هذه الأفكار والبرامج في جولات تنافسية أخرى من النقاش.
أن المبدأ الديمقراطي في هذا الشأن يشترط: "حكم الأكثرية وأحترام حقوق
الأقليات." وعليه فأذا لم يكن للأكثرية قيمة كما تقول يا سيد عمر, فكيف سيقوم
الشعب بإبداء رايه وأتخاد قراره في الأستفتاء العام الذى تُطالب به؟ وهل يجوز للأعضاء
الرافضين لهذه المسودة (أذا لم يكن للأكثرية قيمة وليس مهم العدد كما تقول) أن تتقدم
بمسودة أخرى وكبديل لمسودتكم, وعرضها على الشعب للإستفتاء عليها في نفس الوقت؟
وعليه فأن
مُطالبتك يا أستاد عمر بعرض مسودة مشروعكم للدستور على الشعب الليبي لإقراره
في استفتاء عام, ليست هو موضوع الخلاف هنا, ولكن ما نتحدث عنه في هذا السياق هو
الخطوة الضرورية التى تسبق ذلك. الآ وهي الخطوة التى نص عليها الأعلان الدستوري
وحدد آلياتها, وأشترط ان تسبق الأستفتاء الشعبي , وأن يتم أتخاد القرار فيها بأغلبية
"الثلثين زائد واحد (3/2 + 1) من مجموع أعضاء الهيئة," وهذا بإختصار
شديد هو بيت القصيد في هذا الشأن.
يا سادة,
يا أصحاب هذه المسودة, ان تفسيركم هذا, مع أحترامى
الشديد لكم جميعا, هو عجيب وغريب! وبعيد
كل البعد عن أي فهم دقيق للإعلان الدستوري. وهو تفسير لا يستند (كما تقولون) الي
أي أطر - تاريخية أوساسية أو قانونية أو أجتماعية! وحتى لو سلمنا جدلاً بقولكم
هذا, سيبقى السؤال المهم: من الذى له حق التفسير والفهم الدقيق لهذه النصوص؟!
ولماذا رفضتم هذه المرة اللجؤ للسلطة القضائية لتفسير هذه المصطلحات , وخصوصا –
"النصاب" و "الأغلبية" و "التوافق"؟ وهل يُعقل ان تُنصبوا
أنفسكم - المُشرعين, والمُنفدين, والمُفسرين لهذه المصطلحات والنصوص في نفس الوقت؟
ألم يكن من أهم المبادي التوجيهية التى تعهدنا جميعا بالالتزام بها هو مبذأ
"الفصل بين السلطات؟" ألم تلترم
الهيئة بحكم المحكمة الخاص ببطلان أجتماعات الهيئة خارج الوطن؟ ألم تلتزم الهيئة ايضا
بحكم المحكمة الخاص بإقاف رئيس الهيئة السابق السيد على الترهوني عن العمل؟ وأذا
قامت الهيئة في السابق بإحترام الأحكام القضائية, فلماذا لا تقوم بأحترامها الان؟
ألم يَقُل القضاء كلمته في هذا الشأن في حكم محكمة
استئناف البيضاء الصادر يوم 09 مايو 2016 والقاضي بعدم قانونية تعديل نصاب التصويت
بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور؟! هذا التعديل الذى كان نتيجة لفهمكم الفهم الدقيق لهذه النصوص
كما تقولون. لقد جعل هذا الحكم القضائي التصويت الذي حدث على مسودتكم الأخيرة
معدوم وغير قانوني, وأن عملية تعديل النصاب الذى قمتم به هو إجراء
باطل ومُخالفة صريحة للإعلان الدستوري. وعليه, ألا تعتقدوا بان رفضكم لحكم المحكمة
الآخير وتفسيراته لما ورد بالأعلان الدستوري هو تعبير واضح لتشكيكم
في نزاهة القضاء وتأكيدكم للجميع علي عدم أحترامكم لمؤسسات الدولة.
ثالثا: يؤكد السادة الأعضاء الذين كتبوا هذه
الرسالة بأن ".. هذا المسار الديمقراطي الذى أفضى الي هيئة مُنتخبة وضعت
مشروعا لتأسيس الدولة الليبية, لا يمكن بأي حال من الاحوال العدول عنه أو تشويهه,
بل يجب الاصرار على المضى فيه الي نهايته.." أليس هذا منطق فوقي غريب وعجيب
بكل ما تحمل الكلمة من معنى! والأغرب منه
هو أن هؤلاء السادة الاعضاء يؤكدون في نهاية رسالتهم على ان هذا المسار الديمقراطي
قد أفضى الي وضع مشروع دستور توافقي (أي بمعنى ليس بأغلبية الثلثين
زائد واحد)!!" فماذا يقصدون بمصطلح "دستور
توافقي" هنا؟ وكيف يمكن ان يتحقق التوافق على هذه المسودة وهناك ما
يقارب من نصف الأعضاء يرفضونها أو لديهم ملاحظات جوهرية عليها..
أخيرا, ان إصرار هؤلاء السادة الأعضاء على عدم العدول
على هذا المسودة بأي حال من الأحوال, وأصرارهم على المضى فيه الي النهاية, هو ببساطة
أصرارهم علي عدم أحترام قواعد اللعبة الديمقراطية التى تم الأتفاق عليها وقبولها
من كل الأعضاء من جهة, وتشكيكهم في نزاهة القضاء ورفضهم لأحكامه وتفسيراته لما ورد
بالأعلان الدستوري من جهة أخرى. وفي أعتقادى أيضا ان هذا الإصرار لن
يسير بالعمليه الدستورية الا الي الفشل والهاوية, ولن تكون هذا "المسودة"
التى يعملوا
على تسويقها الا مصدر للتوتر في ما تبقى من مجتمعنا الليبي, وأداة لزرع الفرقة والتناحر
بين الفرقاء... فهل هذا ما يسعى اليه هؤلاء السادة الأعضاء؟.. والحقيقة أننى شخصيا
لا أعتقد ذلك, وأدعو الله الا يكون كذلك...
مرة أخرى, أدعو
وبكل صدق رئاسة الهيئة وكل أعضائها المُخلصين الي عقد اجتماع في أسرع وقت ممكن, لمناقشة
كيفية الخروج من هذا المأزق الذي وضعتنا فيه رئاسة الهيئة.. وألا فلنعلن وبكل
شجاعة عجزنا على أداء مهمتنا المنوطة بنا, ونقوم بإرجاع هذه الامانة لإهلها قبل
فوات الاوان ..
هذا هو الخيار الوحيد المُتاح أمامنا يا سادة أذا اردنا فعلا ان نُساهم في أُعادة
بناء دولتنا المنهارة, ونعمل على تاسيس وطننا المفقود.. فالوضع يا سادة جلل,
والقضية لا تُحتمل, فهل انتم مُدركون لهذا الواقع المُزري الذى يعيشه شعبنا اليوم
, وللتحدىات القادمة والمُحيطة به.. أدعو الله أن تستجيبوا لذلك .. وأن تكونوا في
مستوى المسئولية...
والله المستعان.
محمـدعبد الرحمن بالرويـن
ممثل دائرة مصراته في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.
berween@gmail.com